أمهات مصر بطلات حقيقيات

08 ديسمبر 2019
"استراحة محارب" (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد بمقدور الأسرة المصرية، لا سيّما الفقيرة منها، تحمّل أعباء الحياة اليومية وبالتالي توفير الطعام الكافي، الأمر الذي تؤكده الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى أنّ أكثر من 30 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر. ووسط الحالة المتردية وصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية من طعام ودواء ومصاريف المدارس والمواصلات، يتحايل المصريون على ظروفهم لمواجهة واقعهم، خصوصاً في الأرياف حيث الأسر الفقيرة بمعظمها، فيما تبقى الأمّ المصرية "البطل الحقيقي" في الأزمات.

تقرّ أمهات وربات بيوت كثيرات بأنّ عائلاتهنّ تعيش "الأسوأ" في ظلّ دخول أزواجهنّ المحدودة، مؤكدات أنّهنّ لم يشهدنَ هذا الغلاء من قبل ولم يشعرنَ بالعجز والحاجة مثل اليوم.
أمّ هاني واحدة من هؤلاء النساء، وهي ما زالت تعمل في الخدمة المنزلية بهدف "توفير قوت اليوم". وتخبر "العربي الجديد" أنّها تستمرّ في عملها "من أجل أحفادي. فأنا لديّ ثلاث بنات وابن واحد، والبنات متزوّجات وأزواجهنّ غير قادرين على توفير احتياجات الحياة اليومية. أنا أعذرهم في ظلّ غياب فرص العمل التي توفّر دخلاً يكفي عائلة بأكملها". وتؤكد: "أنا مضطرة إلى العمل، خصوصاً بعد زيادة الخلافات بين بناتي وأزواجهنّ. هنّ معرّضات للطلاق بسبب الحاجة، وأحاول القيام بما أستطيع".

رقيّة مصريّة أخرى تجد نفسها مضطرة إلى بيع التموين المدعوم من الدولة للاستفادة من فارق السعر والإنفاق على طفلتَيها الصغيرتَين بعدما توفي زوجها في حادثة، علماً أنّه كان من عمّال "اليومية" ولا تستفيد عائلته من أيّ معاش. تقول لـ"العربي الجديد": "نحن صامدات بفضل مساعدة أهل الخير والجيران، لكنّ الأمل معدوم"، مشيرة إلى أنّه "في بعض الأحيان أشتري هياكل الدواجن لصنع المرق حتى أعدّ الطعام. والحمد لله أهي ماشية!". ولا تخفي أنّها ذهبت في مرّة إلى "التأمينات لطلب معاش لي ولابنتَيّ، فرفضوا. وقد أعطاني الموظّف المسؤول عشرين جنيهاً (نحو دولار أميركي واحد) من ماله الخاص، قائلاً لي: هذا ما أستطيع تقديمه لكِ".



هند، أمّ محمود، اتفقت من جهتها مع زوجها، بحسب ما تخبر "العربي الجديد"، على "تناول وجبة واحدة في الأيام العادية، وهي وجبة الغداء"، مضيفة "ونتدبّر أمرنا في الصباح كيفما اتّفق". وتؤكد أنّ "الغلاء تزايد وكذلك وطأته على الأسر، خصوصاً تلك التي لديها أولاد في المدارس ويحتاجون إلى دروس خصوصية"، شارحة أنّ "تلك الدروس تكلّف الأسر الكثير فتضطر بالتالي إلى خفض ميزانية الطعام إلى أقلّ حدّ".

مريم ربّة منزل أخرى تضطرّ إلى التحايل على الظروف الصعبة للبقاء على قيد الحياة، وهي أمّ لأربعة أطفال وقد توفي زوجها في حادثة. تقول لـ"العربي الجديد": "لأنّني مضطرة إلى العمل، فقد صرت أقصد نساء مقتدرات وأشتري لهنّ الخضروات من السوق، كذلك أعدّ المحشي لهنّ في مقابل خمسة جنيهات (نحو 0.30 دولار) لقاء الكيلوغرام الواحد، علماً أنّني أحشو نحو عشرين كيلوغراماً في اليوم، خصوصاً يومَي الأحد والخميس". ولا تنكر مريم أنّ "هذا العمل شاق جداً، فهو يجعلني أعمل ليلاً ونهاراً لتأمين حاجة زبوناتي". لكنّها تلفت إلى أنّ "الطلب خفّ للأسف، فكثيرات من ربّات البيوت صرنَ يفضّلنَ إعداد ذلك بأنفسهنّ بهدف التوفير. كذلك فإنّ الإقبال على المحاشي عموماً لم يعد كما كان في السابق بسبب قلّة الدخل".

أمّ زينب لم تنصفها الحياة، وها هي تكدّ لتكسب قوتها من عرق جبينها بعدما طلّقها زوجها وتزوّج عليها، تاركاً لها ثلاث بنات. فهو اتّهمها بأنّها لا تنجب الأبناء الذكور، هرباً من مسؤولية الإنفاق على بيته. تخبر "العربي الجديد": "أعمل مع أحد محلات الخضروات، فأشتري لربّات البيوت ما يحتجنَه في مقابل بعض الجنيهات أو كمية من الطعام لبناتي"، مؤكدة أنّه "على الرغم من أنّ الجميع يشكو من الغلاء، فإنّ الخير ما زال في قلوب الناس. وأنا أُرزَق من فضل الله. إحنا أحسن من غيرنا، ربّنا يرزقني برزق بناتي".



شيماء لم ترَ مفرّاً من العمل في الخدمة المنزلية بعدما تعرّض زوجها لحادثة منعته من العمل ومعاشه لا يكفي حاجة العائلة. تقول لـ"العربي الجديد": "اللي يشوف بلوة غيره تهون عليه بلوته"، موضحة أنّه "على الرغم من عملي لقاء أجر يومي متواضع، فإنّني قادرة على سدّ احتياجات أولادي الأربعة". وتُعِدّ نفسها أفضل حالاً من ربّات البيوت اللواتي تقوم بخدمتهنّ، "فأزواجهنّ بمعظمهم موظّفون لكنّهم لا يسدّون احتياجات عائلاتهم اليومية. الكلّ يشكو ولا شيء سوى الشكوى، فأعباء الحياة مرهقة لمعظم الأسر، خصوصاً تلك التي فرضت عليها الظروف العيش في مستوى معيّن وهي غير قادرة على أقلّ من ذلك". وتشير شيماء إلى أنّه "في أيام كثيرة، لا أتمّكن من تحصيل أجري اليومي من ربّات البيوت، لا بل ثمّة من يحسدني لأنّني بحسب ما يدّعينَ أوفر حظاً منهنّ. لكنّ المسألة باختصار هي أنّ احتياجاتي ليست بمثل احتياجاتهنّ، وهنّ يعطفنَ عليّ بالمأكل أو الملبس، فأنا في النهاية مجرّد خادمة".
المساهمون