08 نوفمبر 2024
أمن بلا زناد
تتعاقب علينا عمليات قتل رجال الشرطة مواطنين عرباً بين فينة وأخرى. حوادث تكون، في غالب الأحيان، لأسباب تافهة ولا علاقة لها حقيقة بالأمن الداخلي الذي من المفترض أن تكون الشرطة مهمتها حمايته. مثل هذه الأعمال يثير سجالاً كثيراً، ولا سيما أخيراً في مصر، حيث كثرت في الفترة الماضية مثل هذه الجرائم؛ والتي باتت تثير قلق الرئاسة المصرية الخائفة من تصاعد الغضب الشعبي.
قد لا تكون بلطجة الشرطة المصرية معزولة عن حالات عربية أخرى، يستسهل فيها رجال الأمن الضغط على الزناد. استسهال في القتل والاعتداء نابع من اعتبار البزة العسكرية والمسدس مصدر قوة لا يُضاهى، وهو كذلك بالفعل في دولنا العربية، خصوصاً عندما نرى أن اعتداءات كثيرة موثقة من رجل الشرطة لم تلق الجزاء المناسب، وهو ما يزيد حالات جنون القتل بحجة الأمن.
والمفارقة أن الأمن في هذه الدول العربية شبه مفقود. والسلاح المنتشر في أيدي رجال الشرطة بات جزءاً أساسياً من المشكلة، بدل أن يكون أحد خيوط الحل، على الرغم من أنه من غير الضروري أن يكون كذلك، فالأمن لم يكن يوماً مرتبطاً في السلاح. مثل هذه الخلاصة تصل إليها من مراقبة التجربة البريطانية، وتلقي المعلومات، ربما الصادمة، حول وضع الشرطة في هذه البلاد. خلال لقاء مع إحدى سيدات الشرطة في بريطانيا، كان الفضول سيد الموقف لتقصّي تحوّل عمل الشرطة في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد الاعتداءات الإرهابية في بروكسل وباريس؛ والتي رفعت درجة التأهب في العواصم الأوروبية. المفاجأة كانت في إشارة المحققة البريطانية إلى أن التأهب لا يشمل تسليح رجال الشرطة أو تخويلهم استخدام العنف في التعاطي مع الحالات التي يشتبهون فيها بالخطر. المعلومة الأخرى التي جاءت، في سياق الحديث، أنه بين اثنين وثلاثين ألف رجل شرطة منتشرين في العاصمة البريطانية، هناك أربعة آلاف فقط يحق لهم حمل مسدسات، أما الباقي فينفذون مهامهم بدون أي نوع من السلاح، باستثناء العصي. وحتى المسدسات الكهربائية التي درجت في بعض الدول الغربية، وانتشرت بين رجال الشرطة، خصوصاً في الولايات المتحدة، لا تزال ممنوعة على الشرطيين البريطانيين. الفكرة بالأساس، بحسب ما توضح المحققة، هي في الضغط على الزناد، سواء كان الأمر يتعلق بمسدس حقيقي أو كهربائي، أو حتى مسدس لعبة. من يتجرأ الضغط على الزناد في حالات السلاح غير الحقيقي، لن يتوانى عن القيام بذلك مع السلاح الحقيقي. لذلك، يمر الحصول على ترخيص حمل سلاح، بالنسبة إلى رجال الشرطة في بريطانيا، بمحطات واختبارات عديدة، نفسية خصوصاً، والقدرة على التحكم بالنفس في حالات الغضب، أو التعامل مع المواقف بحكمة. وحتى من يحصل على مثل هذا الترخيص، فإنه لا يخوله إطلاق النار عند كل حادثة، بل يحتاج إلى إذن مباشر قبل اللجوء إلى فتح النار.
مثل هذه التعقيدات، وتجريد الشرطة من السلاح، لم يفقد رجال الأمن هيبتهم، ولم يجعل بريطانيا دولة ينتشر فيها الإجرام، بل ربما على العكس تماماً، فالأمن في المملكة المتحدة مضبوط بوسائل غير مرئية ومعايير تدرس الدول الأوروبية تطبيقها. معايير تجعل موظف البلدية شخصاً مهاب الجانب، وهو غير مسلح إلا بكاميرا على صدره، طالما أنه ينفّذ القانون.
قد تكون هذه الكلمة، "القانون"، هي المفتاح في الحالات العربية. فغياب هذا المصطلح، أو على الأقل عدم الثقة في إجراءاته، يدفع المواطنين إلى تطبيق ما يرونه حقاً لهم بأنفسهم، ومن بين هؤلاء رجال الشرطة الذين ينالون حصانة فوق الحصانة، وهو ما يجعل أيديهم رخوة على الزناد.
قد لا تكون بلطجة الشرطة المصرية معزولة عن حالات عربية أخرى، يستسهل فيها رجال الأمن الضغط على الزناد. استسهال في القتل والاعتداء نابع من اعتبار البزة العسكرية والمسدس مصدر قوة لا يُضاهى، وهو كذلك بالفعل في دولنا العربية، خصوصاً عندما نرى أن اعتداءات كثيرة موثقة من رجل الشرطة لم تلق الجزاء المناسب، وهو ما يزيد حالات جنون القتل بحجة الأمن.
والمفارقة أن الأمن في هذه الدول العربية شبه مفقود. والسلاح المنتشر في أيدي رجال الشرطة بات جزءاً أساسياً من المشكلة، بدل أن يكون أحد خيوط الحل، على الرغم من أنه من غير الضروري أن يكون كذلك، فالأمن لم يكن يوماً مرتبطاً في السلاح. مثل هذه الخلاصة تصل إليها من مراقبة التجربة البريطانية، وتلقي المعلومات، ربما الصادمة، حول وضع الشرطة في هذه البلاد. خلال لقاء مع إحدى سيدات الشرطة في بريطانيا، كان الفضول سيد الموقف لتقصّي تحوّل عمل الشرطة في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد الاعتداءات الإرهابية في بروكسل وباريس؛ والتي رفعت درجة التأهب في العواصم الأوروبية. المفاجأة كانت في إشارة المحققة البريطانية إلى أن التأهب لا يشمل تسليح رجال الشرطة أو تخويلهم استخدام العنف في التعاطي مع الحالات التي يشتبهون فيها بالخطر. المعلومة الأخرى التي جاءت، في سياق الحديث، أنه بين اثنين وثلاثين ألف رجل شرطة منتشرين في العاصمة البريطانية، هناك أربعة آلاف فقط يحق لهم حمل مسدسات، أما الباقي فينفذون مهامهم بدون أي نوع من السلاح، باستثناء العصي. وحتى المسدسات الكهربائية التي درجت في بعض الدول الغربية، وانتشرت بين رجال الشرطة، خصوصاً في الولايات المتحدة، لا تزال ممنوعة على الشرطيين البريطانيين. الفكرة بالأساس، بحسب ما توضح المحققة، هي في الضغط على الزناد، سواء كان الأمر يتعلق بمسدس حقيقي أو كهربائي، أو حتى مسدس لعبة. من يتجرأ الضغط على الزناد في حالات السلاح غير الحقيقي، لن يتوانى عن القيام بذلك مع السلاح الحقيقي. لذلك، يمر الحصول على ترخيص حمل سلاح، بالنسبة إلى رجال الشرطة في بريطانيا، بمحطات واختبارات عديدة، نفسية خصوصاً، والقدرة على التحكم بالنفس في حالات الغضب، أو التعامل مع المواقف بحكمة. وحتى من يحصل على مثل هذا الترخيص، فإنه لا يخوله إطلاق النار عند كل حادثة، بل يحتاج إلى إذن مباشر قبل اللجوء إلى فتح النار.
مثل هذه التعقيدات، وتجريد الشرطة من السلاح، لم يفقد رجال الأمن هيبتهم، ولم يجعل بريطانيا دولة ينتشر فيها الإجرام، بل ربما على العكس تماماً، فالأمن في المملكة المتحدة مضبوط بوسائل غير مرئية ومعايير تدرس الدول الأوروبية تطبيقها. معايير تجعل موظف البلدية شخصاً مهاب الجانب، وهو غير مسلح إلا بكاميرا على صدره، طالما أنه ينفّذ القانون.
قد تكون هذه الكلمة، "القانون"، هي المفتاح في الحالات العربية. فغياب هذا المصطلح، أو على الأقل عدم الثقة في إجراءاته، يدفع المواطنين إلى تطبيق ما يرونه حقاً لهم بأنفسهم، ومن بين هؤلاء رجال الشرطة الذين ينالون حصانة فوق الحصانة، وهو ما يجعل أيديهم رخوة على الزناد.