صبيحة اليوم الأحد، في الرابع من فبراير/ شباط 2018، احتفلت جمعية مرضى السرطان في تونس باليوم العالمي المخصص لهذا المرض الخبيث، معبّرة عن إصرارها على مواجهته. فكان رقص على الأرض وأمل في الأجواء.
بجسدها الذي أنهكه العلاج الكيميائي، جلست فاطمة حلايلي (72 عاماً) تحت أشعّة شمس صبيحة هذا اليوم تصفّق وتبتسم لأطفال ونساء يرقصون في مقرّ جمعية مرضى السرطان في العاصمة التونسية. بدت مستمتعة بهذا اليوم، فهي معنيّة به تماماً كما هي حال الجميع هنا، إذ هو اليوم العالمي للسرطان وقد اختارت الجمعية إحياءه بالرقص والغناء لعلّها تمنح المرضى جرعة أمل وبصيص نور.
فاطمة من محافظة نابل، شماليّ البلاد، وقد أصيبت بسرطان الثدي قبل نحو عامَين بحسب ما تخبر "العربي الجديد" من دون أن تدرك خطورة الأمر. تقول: "على الرغم من أنّني شعرت في البداية بورم في ثديي وخضعت لفحص طبي، فإنّني لم أعر الأمر أيّ أهمية. ظننت أنّ المرض الذي أصبت به عاديّ، خصوصاً أنّني لم أسمع به من قبل. لكنّه في العام الماضي، كبر حجم الورم، وهو الأمر الذي جعلني أسرع إلى الطبيب لتبدأ رحلة العلاج الكيميائي".
غداً الإثنين، تخضع فاطمة "لجلسة علاج كيميائي في مستشفى صالح عزيز في العاصمة تونس، وهو واحد من أبرز المستشفيات الحكومية المتخصصة في علاج مختلف أمراض السرطان. هو المستشفى العمومي الوحيد تقريباً". وإذ تشير إلى أنّ جلسة الغد هي جلستها ما قبل الأخيرة، تؤكّد فاطمة أنّها "لطالما كنت قادرة على تحمّل الألم، على الرغم من أنّ العلاج الكيميائي مؤلم ويجعلني أشعر أحياناً بوخز في جسدي وبتعب شديد". تضيف أنّ "أبنائي كانوا خير سند لي في محنتي مع مرض السرطان".
بالنسبة إلى فاطمة فإنّ "أكبر عائق أمام مريض السرطان هو عدم توفّر مستشفيات في المحافظات الداخلية، الأمر الذي يجعل كثيرين يتغيّبون عن جلسات العلاج وعن تناول الأدوية اللازمة بسبب الإرهاق الذي يتسبب فيه التنقل وكذلك التكلفة الباهظة". تضيف: "لولا مساعدة جمعية مرضى السرطان التي تقع على بعد أمتار من المستشفى لجهة الإقامة والمساعدة النفسية لما خضعت للعلاج. العناية التي قدّمتها لي كبيرة".
لطيفة الجبيلي (57 عاماً) رفيقة فاطمة في الجمعية، كانت كذلك تشارك في الاحتفال باليوم العالمي للسرطان صبيحة هذا الأحد. هي من منطقة حفوز في القيروان وسط غرب تونس، وتؤكد لـ"العربي الجديد" أنّها ورفيقاتها يتبادلنَ التجارب والقصص لكي ينسينَ المرض. تخبر أنّها أصيبت بالسرطان قبل 11 عاماً، "لكنّني لم أستسلم وتغلبت عليه طيلة هذه الفترة بالأمل والعزيمة، على الرغم من تساقط شعري وكذلك بكائي المستمر في البداية ظناً منّي أنّني سوف ألاقي حتفي من جرّاء الورم الذي أصابني والعلاج الكيميائي". تقول: "اخترت الصمود، ولم أفوّت جلسة علاج على الرغم من أنّ العاصمة تبعد عن القيروان نحو 160 كيلومتراً".
وتشير لطيفة إلى أنّ "أكبر العوائق التي يواجهها مريض السرطان هو غياب المستشفيات المتخصصة في علاج السرطان وكذلك المراكز التي تؤمّن العلاج الكيميائي، لا سيّما مع تكلفتها الكبيرة في القطاع الخاص". ولا تخفي أنّها عانت في البداية من مشقات كثيرة، لا سيّما مع صعوبة التنقل وإيجاد مأوى في العاصمة.
وتقرّ لطيفة بأنّها تأثّرت وما زالت بحالات كثيرة صادفتها في مشوارها مع المرض. وتخبر عن "مريضة من محافظة القصرين وسط غرب تونس، وهي أمّ لطفلة في الثانية من عمرها، اضطرّت إلى تركها لمدّة أشهر من أجل متابعة العلاج". وتلفت إلى أنّ "كثيرات لا يجدنَ أيّ مساندة من قبل عائلاتهنّ ويتخلى الأهل عنهنّ، فيكون الألم أشدّ قساوة".
من جهتها، تقول رئيسة جمعية مرضى السرطان، روضة زرّوق، "العربي الجديد" أنّه "بمناسبة اليوم العالمي للسرطان، اختارت الجمعية بعث الأمل في المرضى وتشجيعهم على حبّ الحياة". وزرّوق عانت كذلك من السرطان طويلاً، "وخضعت لعلاج كيميائي وتساقط شعري وخبرت صعوبات عدّة، لكنّني اخترت عدم الاستسلام للمرض". تضيف أنّها كانت تقيم حفلات في بيتها بالتزامن مع علاجها وتدعو إليها الأهل والأصدقاء وتتحدّث أمامهم عن تجربها، إلى حين قرّرت تأسيس الجمعية التي استقبلت حتى يومنا نحو ثلاثة آلاف حالة.
وتؤكّد زرّوق أنّ "الأمل والعزيمة هما اللذان مكّناني من محاربة السرطان. كذلك استمددت قوتي من مريضات كثيرات، وأنا أنصح الجميع اليوم بعدم الخوف وبالصمود". لكنّها من جهة أخرى تشدّد على أهميّة الكشف المبكر للأمراض السرطانية الذي يكفل إنقاذ حياة المريض إلى جانب الوقاية من خلال اتباع نظام غذائي صحي على سبيل المثال.
في السياق، كان رئيس الجمعية التونسية لمكافحة السرطان، الدكتور فرحات بن عياد، قد أشار في تصريح صحافي أدلى به أخيراً إلى أنّ أكثر من 15 ألف إصابة جديدة بالسرطان تسجّل سنوياً في تونس بين مختلف فئات المجتمع. أضاف أنّ سرطان الثدي يأتي في المرتبة الأولى بالنسبة إلى السرطانات التي تصيب النساء يليه سرطان عنق الرحم، أمّا بالنسبة إلى الرجال فإنّ سرطان الرئة يحتلّ المرتبة الأولى يليه سرطان القولون والأمعاء الغليظة.
وفي إطار اليوم العالمي للسرطان، اختارت وزارة الصحة التونسية شعار "سرطان القولون: التقصي هو الحل"، في خطوة منها للتشجيع على الكشف المبكر والوقاية من هذا المرض. وإذ أوضحت الوزارة أنّ الإصابة بسرطان القولون ترتفع لدى الأشخاص الذين يعتمدون نظاماً غذائياً مشبعاً بالدهون، بيّنت أرقامها ارتفاعاً في الإصابات بهذا النوع من السرطان خلال عام 2017 الماضي، مع 18.4 إصابة جديدة لكل 100 ألف نسمة بالنسبة إلى الذكور و14.2 إصابة جديدة لكلّ 100 ألف نسمة بالنسبة إلى الإناث. وتشير التقديرات لعام 2024 أنّ الإصابات قد تصل إلى نحو 33.3 إصابة جديدة لكلّ 100 ألف بين الذكور و18.6 إصابة جديدة لكلّ 100 ألف بين الإناث.