يبدو أن الأمور داخل قيادة "الحزب الاشتراكي الألماني" لن تستقيم بسرعة كما توقع البعض، مع إعلان الحزب أخيراً نتائج التصويت بالموافقة على عودة الائتلاف الكبير "غروكو"، مع "الاتحاد المسيحي".
وعاد الحديث عن التزاحم على الوزارات، ليخيّم على أجواء الحزب، أما نجم الحدث فهو وزير الخارجية الحالي زيغمار غابريال، الذي يحظى بتأييدٍ كبير لدى القاعدة الحزبية، إنما تشوب علاقته مع بعض القادة داخل "الاشتراكي" الكثير من الخلافات. من بين هؤلاء القادة، رئيسة كتلة "الاشتراكي" داخل البوندستاغ، أندريا ناليس، المرجح انتخابها خلال المؤتمر الحزبي المقرر في أبريل/نيسان المقبل، زعيماً جديداً لأعرق الأحزاب الألمانية.
ويقيّم "الاشتراكي" حالياً أسماء وزرائه للحكومة الألمانية المرتقبة، وهو مطالب بأن يحسم أمره حتى نهاية الأسبوع الحالي، بخصوص الوزارات الست التي حصل عليها نتيجة اتفاق الائتلاف، بعدما حسم في الشكل أنها ستوزع مناصفةً بين الرجال والنساء، وباح علناً باسم الشخصية التي ستتولى وزارة المالية، التي انتزعها من "المسيحي الديمقراطي"، إذ ستؤول للرئيس المؤقت للحزب أولف شولتز، الذي حصل أيضاً على منصب نائب المستشارة أنجيلا ميركل، وهو شارك بفاعلية في مفاوضات الائتلاف، ويعترف الجميع بخبرته وإلمامه بالملف المالي. وتأمل ميركل أن يكون شولتز خير خلف لفولفغانغ شويبله، الذي أمّن موازنات مستقرة لبرلين.
أما الصراع الداخلي الأهم، فيدور حول الشخصية التي ستتولى وزارة الخارجية. وتشير المعلومات إلى أن الوزير الحالي زيغمار غابريال وضعه غير مستقر، ومن المرجح أن يخسر منصبه الوزاري لصالح أحد زملائه في الحزب.
وتطرح لهذه الغاية أسماء عدة، بينها وزير العدل الحالي هيكو ماس، ووزيرة الأسرة كاترينا بارلي، فيما يسود اعتقاد بأن اسم نائب رئيس كتلة الحزب داخل البوندستاغ، آخيم بوست، هو من الأسماء المرشحة بقوة، نظراً لما يتمتع به من خبرة ودراية في الشؤون الدولية، ولعمله كمدير تنفيذي لـ"الاشتراكي" في البرلمان الأوروبي، وكذلك نائب رئيس البوندستاغ توماس أوبرمان، الذي ترك منصبه بعد الانتخابات العامة في سبتمبر/أيلول الماضي كرئيس لكتلة "الاشتراكي" داخل البوندستاغ.
لكن هناك اعترافا ضمنيا من قياديي "الاشتراكي" بمكانة غابريال وقدرته على التحكم بمفاصل الدبلوماسية الألمانية، وأن جميع الأسماء البديلة المطروحة للسياسة الخارجية تعتبر خفيفة الوزن بالمقارنة مع اسمه، وهم يعتقدون أنه لو ترك الأمر لأغلبية الألمان لقرروا بقاءه في منصبه، وهذا ما يبرهن بحسب المراقبين على أهمية الحفاظ على الأسماء الأكثر شعبية داخل "الاشتراكي" في الحكومة. لكن الزعيم السابق للحزب في حال من عدم الود مع ناليس، والأمر الآن متروك لها، إذ من المفترض أن تكشف، وبسرعة، عن أسماء ممثلي حزبها داخل الحكومة، التي من المرجح أن تبصر النور أواخر مارس/آذار الحالي.
وفي هذا الصدد، يتأسف خبراء في الشؤون الحزبية الألمانية على ما آلت إليه الأوضاع داخل "الاشتراكي"، ويدعون ناليس إلى التمثل بميركل وجرأتها، عندما قررت أخيراً منح وزارة الصحة لأحد أكثر المنتقدين لسياستها داخل حزبها، وهو الشاب ينز شبان، مع اعترافهم بأن الوضع بين غابريال وناليس مختلف جزئياً، وأن الأخيرة تردد دائماً أنها تريد أن يكون هناك انسجام داخل الحزب، وأن يعمل الوزراء كفريقٍ واحد.
وبالنسبة لهؤلاء الخبراء، فإن العمل الجماعي مع غابريال غير مضمون، وهم يقفون في هذا الإطار عند موقف الأخير بخصوص تمديد العقوبات على روسيا، عندما عبّر عن موقفه الشخصي بضرورة رفع العقوبات، فيما الحكومة الاتحادية كانت منسجمة مع القرار الأوروبي الذي مدّد حينها العقوبات على موسكو، عدا الاختلاف في شخصية كل من ناليس، وغابريال الصعب ضبطه، نظراً لحضوره داخل الحزب وكزعيم سابق لـ"الاشتراكي"، إلى شبكة العلاقات التي نسجها على مدار سنوات عمله السياسي، فضلاً عن انسجامه مع المستشارة ميركل وطروحاتها.
مما تقدم، يقول الخبراء إن "الاشتراكي" بات مطالباً بلملمة صفوفه قبل أن يصبح كتلة ناخبة لحزب ميركل، والتعلم من الأخطاء الاستراتيجية، بينها كيفية التعامل مع رئيس الحزب لأنها باتت مشكلة أساسية، وضرورة الالتفاف حول زعيمهم وشدّ عصبهم بوجه خصومهم من الأحزاب السياسية، وعدم التملص من مسؤولياتهم وإلقاء التهم وتحميل الرئيس المسؤولية كما لو أنه تفرد بالقرارات.
كما أنه يجب على القيادة السياسية في الحزب، بحسب الخبراء، أن تكون مسؤولة عن القرارات المصيرية، وعدم انتظار أن يسقط نجم أحد قياداتها، كما حصل مع شولتز أخيراً، كي يستفيد آخرون من التركة، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى تدمير ذاتي للحزب، ويهدد بأن يصبح كالرهن العقاري، داخل الائتلاف الكبير.