ألمانيا تخشى السيناريو الفرنسي: تدابير أمنية احترازية

13 يناير 2015
تأكيد رفض السماح لليمين المتطرف باستغلال الوضع (Getty)
+ الخط -

في ظل الحديث عن توسع دائرة الإرهاب لتطال بعض الدول الأوروبية بعد استهداف مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية منتصف الأسبوع في باريس، تشهد المدن الألمانية إجراءات أمنية احترازية تحسباً لأي اعتداء قد يطال أراضيها. وكان لافتاً في هذا الإطار المراقبة المشددة التي فرضت على بعض محطات القطارات والمطارات ومحيط المدارس والجامعات. وقد تم الاستعانة لهذه الغاية، على غير العادة، بالكلاب البوليسية، إضافة إلى تعزيز دوريات عناصر الشرطة.

وقد تحدثت التقاريرعن احتمال عودة عدد من المجاهدين الذين يحملون الجنسية الألمانية، مشيرة الى أنّ عددهم قد يصل إلى 150 شخصاً، ثلاثون منهم اختبروا المعارك، وهو الأمر الذي يرجح "قيامهم بأعمال إرهابية".

ويثير موضوع الجهاديين جدلاً واهتماماً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية الألمانية، نظراً لوجود جالية كبيرة من المسلمين في ألمانيا التي يتجاوز عدد افرادها خمسة ملايين نسمة، منهم العرب والأتراك ومهاجرو دول أوروبا الشرقية، ولا سيما أولئك الذين يهتمون أكثر من غيرهم بالفكر السلفي. ويقدر عدد هؤلاء بسبعة آلاف شخص موزعين على كافة الأراضي الألمانية، ويعتبر 260 منهم من الأخطر، وهم موضع ملاحقة دقيقة من السلطات الرسمية والأمنية. وتلفت التقارير إلى أنه وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة السورية، انخرط أكثر من 550 شخصاً يحملون الجنسية الألمانية في صفوف الحركات الإسلامية المتطرفة في كل من سورية والعراق. وقد أخضعوا لتدريبات على استخدام الأسلحة والمتفجرات، لكن لا يزال هناك صعوبة في التعرف وإلقاء القبض على المغادرين نظراً للقوانين التي تنظم حرية التنقل في دول الاتحاد الأوروبي بموجب تأشيرة "شينغن"، ومن المرجح أن يكون العدد قد تضاعف خلال المدة الأخيرة.

وبحسب تقارير أجهزة الاستخبارات الألمانية، قتل أكثر من 60 مواطناً خلال مشاركتهم في الحرب مع تلك التنظيمات الإسلامية المتطرفة في كل من سورية والعراق.

وفي إطار ملاحقة المتشددين ومحاسبتهم، مثل الخميس الماضي مواطن ألماني وآخر تركي أمام القضاء في برلين بتهمة انتمائهما لتنظيم "جند الشام" الذي يصفه المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، بأنه يتمتع بقدرات قتالية عالية، ويتعاون مع " جبهة النصرة " فرع تنظيم القاعدة في سورية.

وفي بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت السلطات المحلية في مدينة بريمن الألمانية (شمالي البلاد) عمدت إلى إغلاق أحد مساجد المدينة للاشتباه بتقديمه الدعم للإسلاميين المرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية". وفي حين أشارت المعلومات إلى أن الخطب التي كانت تُلقى فيه تشيد بعمل الجهاديين في سورية والعراق، وأن العاملين في المسجد كانوا يعملون على تجنيد الشباب وإرسالهم إلى القتال في صفوف التنظيمات الإرهابية في الخارج، قال أحد سكان المنطقة لـ"العربي الجديد" إنّ من بين القيّمين على المسجد مواطنين ألمانيين اعتنقوا الإسلام قبل سنوات قليلة.

وعكست تصريحات المسؤولين الألمان منذ وقوع اعتداء باريس، القلق الأمني والمخاوف الرسمية من أي اعتداءات. وقد عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن أسفها لانضمام بعض الألمانيين إلى صفوف المجاهدين والتنظيمات المتطرفة، فيما أعلن وزير الداخلية الألماني دي مزيير أن هناك تخوفاً من وقوع هجمات إرهابية، مؤكداً في الوقت نفسه، أنّ الجهات الألمانية لديها خطة موضوعة لمثل هذه التهديدات. وأشار إلى أنه "ليس من المفيد التحدث علناً عما نقوم به من إجراءات احترازية وكيف ومتى". وكان دي مزيير، في وقت سابق من هذا الشهر وقبيل اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي، شدّد على أهمية بذل كل الجهود لعدم سفر أصحاب الفكر الجهادي، بهدف منع عودتهم كمقاتلين للقيام بأعمال إرهابية في أوروبا.

في المقابل، شدّد عدد من المسؤولين الأمنيين على استقرار الوضع الأمني، وأنه تم التشدّد في المراقبة وتبادل المعلومات استناداً إلى ما يعرف بـ"خطة الرصد"، مع التأكيد على أهمية تلقي وحدات المراقبة المدربة تدريباً خاصاً، وهي وحدات تركز على مراقبة نشاطات هؤلاء الأشخاص، وفي كثير من الأحيان مكالماتهم الهاتفية ومحادثاتهم ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم، إضافةً إلى أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، عوضاً عن الاستعانة بالعناصر الأمنية والتسبب بحال من الهلع بين صفوف المواطنين.

وكانت ميركل قد عبّرت عن دعمها ومشاركتها فرنسا وأهالي الضحايا الحزن، جاء خلال مشاركتها في حفل استقبال العام الجديد الذي أقامته يوم الجمعة الماضي كتلة حزبها (حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي) في البرلمان الألماني داخل مجلس مدينة هامبورغ.

وقالت ميركل إنه "حين تتعرض قيم الحرية للخطر، علينا أن نقف معاً. الحرية أكسير الحياة الذي يجب أن يدافع المرء عنه". وأضافت "يجب أن نقف متحدين في أوروبا هذه الأيام، وبالأخص إلى جانب فرنسا".

وفي خطوة لافتة، زار وزير العدل الألماني هايكو ماس مسجداً في العاصمة برلين خلال أداء صلاة الجمعة، تقديراً منه لتنديد الأقلية المسلمة بالاعتداء الذي طال فرنسا. ودعا ماس إلى تعزيز أواصر الحوار والمعرفة بين المسلمين وغيرهم من مكونات المجتمع الألماني، باعتبارها أفضل وسيلة لإزالة المخاوف المتبادلة. وأكّد على رفض السماح لليمين المتطرف باستغلال الهجوم الدموي الذي طال فرنسا لتبرير تظاهراتهم التي لا تدعو إلا إلى الكراهية.

المساهمون