ألمانيا: اليمين الشعبوي يهز عرش حزب ميركل

05 سبتمبر 2016
حزب البديل تفوق على حزب ميركل (أكسل شميت/ Getty)
+ الخط -
جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية المحلية، أمس الأحد، في ولاية مكلنبورغ فوربومرن الألمانية، والتي تمكّن فيها حزب "البديل من أجل ألمانيا" من فرض نفسه كثاني أكبر قوة حزبية في الدائرة الانتخابية للمستشارة أنجيلا ميركل، لترخي بظلالها على الحياة السياسية.

ويتوقع أن تؤثر نتائج الانتخابات على المزاج السياسي في ألمانيا، لا سيما وأن وقع النتيجة له دلالاته مع خسارة الحزب الحاكم "المسيحي الديمقراطي" الذي تتزعمه ميركل، أمام حزب يميني شعبوي حديث النشأة، وتمكنه من الحلول في المركز الثاني بعد حصوله على نسبة 20,8 % من الأصوات، مقابل 19 % لحزب ميركل، والذي خسر 4 % من الأصوات عن انتخابات العام 2011 وحل في المركز الثالث.


وبذلك يكون حزب "البديل" قد حقق طموحاته وقلب الموازين في انتخابات الولاية، الواقعة شمال شرق البلاد، والتي يبلغ عدد سكانها 1,6 مليون نسمة وناخبيها 1,3 مليون، ويحكمها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والذي يتزعمه نائب المستشارة زيغمار غابريل منذ 10 سنوات.


وهكذا يواصل حزب "البديل" سلسلة من النجاحات، حيث تفوق من أول مشاركة له في الانتخابات، ومن المرجح استمرار تحالفه مع "الاشتراكي الديمقراطي" الذي حلّ في المركز الأول بنسبة 30,4% مع "المسيحي الديمقراطي"، وتشكيل حكومة ائتلافية، أو تحالف "الاشتراكي الديمقراطي" مع حزب اليسار، للحصول على أكثرية من 36 مقعداً من أصل 71 عدد أعضاء برلمان الولاية، علماً أن الأخير من الأحزاب التي خسرت أكثر نسبة من الأصوات بحصوله على 13 % أي بنسبة 6 % أقل عن العام 2011.

ويبدو واضحاً للمراقبين أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" استطاع مقارعة الأحزاب التقليدية، وفرض نفسه مرة أخرى، كثاني أكبر قوة، بعد "الاشتراكي الديمقراطي" في الولاية، وتمكّن من دخول برلمان الولاية التاسعة بعد كل من بادن، فورتنمبرغ، وبريمن، وهامبورغ، وساكسونيا، وتورينغن، ورايانلند بفالس، وغيرها من الولايات الألمانية الست عشرة.

واستغل حزب "البديل" سياسة "الأبواب المفتوحة" التي اعتمدتها المستشارة مع اللاجئين، وتلقى اعتراضاً لدى فئة لا يستهان بها من الشعب الألماني، حتى إن أحد مرشحيه لم يخف تعبيره عن الفوز بالقول: "ربما هو الآن بداية نهاية مستشارية أنجيلا ميركل"، فيما اعتبر نائب رئيس الحزب الكسندر غاولاند أنّ نتيجة الانتخابات ستشكل "قوة رمزية" للانتخابات العامة في العام 2017.


إلى ذلك، أظهرت الدراسة الأولوية للانتخابات أنّ حزب "البديل" استطاع تعبئة الشارع، وبث الحماسة لدى فئة غير المعنيين واللامبالين من الناخبين، ولعب على وتر السياسة العامة العرجاء للحكومة، وأوحى للناخبين بأنّهم "متروكون" من قبل سلطتهم السياسية، التي تجاهلت مطالبهم لسنوات.

كما تمكّن الحزب، من خلال حملات التجييش ضد الأحزاب التقليدية، من تجيير الأصوات لصالحه، والتي أثمرت نتائجها في صناديق الاقتراع، حيث كانت فيها أصوات فئة العاطلين عن العمل والشباب من الخريجين وطلاب الجامعات، كما النساء والموظفين المتقاعدين، مرجّحة، وسمحت له بالتفوّق على أحزاب مثل الخضر واليسار والوطني الحر.

كما كان لافتاً حصول "الحزب الوطني الديمقراطي" اليميني المتطرف على 3% فقط من الأصوات، علماً أن استطلاعات الرأي الأخيرة التي جرت قبل الانتخابات، بيّنت أن نسبة 38% من الناخبين لم تكن قد حسمت خيارها بعد.



أمام هذا الواقع، رأى خبراء في الشؤون السياسية الداخلية الألمانية، أنّ القضايا السياسية الوطنية في الحملة الانتخابية للأحزاب الحاكمة، لم تلعب دوراً يرتقي إلى ما يمكن وصفه بـ "المؤثر والجدي"، بل ركّزت على شعارات مبتذلة وعناوين عريضة، مستخدمة مصطلحات الوطن والسياحة، من دون حسم توجهاتها في ملفات تقلق المواطن الألماني، رغم الوضع الاقتصادي الجيد في البلاد.

ولفتت الخبراءَ الشعارات التي استخدمها حزب "البديل"، ومنها نشر المخاوف بين الشعب ضد اللاجئين، والذين لا تزيد نسبتهم أساساً عن 3,7 % في الولاية، والتي مكنتهم من الاستفادة من السخط على سياسة الترحيب التي اعتمدتها ميركل قبل عام، علماً أنّه تبيّن أنّ ثلث الناخبين بنوا تصوراتهم وقراراتهم الانتخابية على قضية الهجرة واللاجئين وتبعاتها، في حين أنّ نسبة 27% من الناخبين بنوا تصوراتهم على سياسات العدالة الاجتماعية، و20% على العمل، و12% على التعليم، و10% على الجريمة والأمن الداخلي، و38% على البطالة.
وفي المحصلة، اعتبر الخبراء أنّ نتيجة الانتخابات يجب أن تشكل حافزاً لاستيقاظ الائتلاف الحاكم، حيث تحتاج سياسة برلين إلى تغيير المسار، وتحمل نتائج السياسات المتبعة في إدارة ملف اللاجئين، والهجرة غير الشرعية والاندماج، وغيرها من الملفات المتعلقة بالأمن الاجتماعي والضرائب.
وبحسب الخبراء، لم يعد ممكناً تجاهل مزاج المواطنين، بعد استيلاء اليمين الشعبوي على مقاعد البرلمان ولاية تلو الأخرى، وتحقيقه موجة من النجاحات، وتمكنه من إقصاء أحزاب فاعلة في الحياة السياسية، ومنها حزب الخضر الذي لم يحصل إلا على ما نسبته 4,8% من الأصوات، حيث أصبح حكماً خارج أسوار برلمان الولاية.
يشار إلى أن ولاية برلين ستشهد انتخابات برلمانية بعد أسبوعين، فيما تجرى الانتخابات في ولاية شليسفيغ هولشتاين في 7 أيار/ مايو العام المقبل، وفي ولاية شمال الراين وستفاليا في 14 منه، حيث ستكون أيضاً بمثابة اختبار جديد للمزاجية السياسية في ألمانيا، وتعتبر مصيرية بالنسبة لميركل، في حال قررت الترشح لولاية رابعة، وذلك قبل الانتخابات العامة المقررة في خريف العام المقبل.

المساهمون