02 نوفمبر 2024
ألمانيا الموحّدة وأوروبا المنقسمة
أحياناً، تمرّ السنوات والعقود رتيبة وهادئة، ولا يحدث شيء. وفجأة يتغيّر كل شيء في لحظات متسارعة، إلى درجة عجز التاريخ عن اللحاق بزمنها. قبل أقلّ من ثلاثة عقود، كان جدار ينهار في برلين، لم يكن أحد يعتقد، في مطلع الثمانينات، أن حجراً واحداً من الجدار سيقع. حتى أن الانتفاضة البولندية ضد الشيوعية لم تكن معياراً بالنسبة لكثيرين. مع ذلك، في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 1990، كانت ألمانيا تستجمع كيانها التائه في الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، لتُصبح رمزاً أساسياً في وحدة بلدان ما بعد بدء عهد انهيار الاتحاد السوفياتي، وذلك في وقتٍ كانت تعلن فيه 15 دولة انفصالها عن السوفييت، وكانت يوغوسلافيا على مشارف حربها الأهلية (1992 ـ 1995) التي استولدت لاحقاً ست دول على أنقاضها، وتحوّل كوسوفو إلى محطة نزاع بين الاعتراف باستقلالها من عدمه.
محطات عدة رافقت ذكرى "يوم الوحدة الألمانية" الـ27، هذا العام، بدءاً من غياب رائدها الأساسي، المستشار الألماني هلموت كول، الذي توفي في 16 يونيو/ حزيران الماضي، مروراً بارتباك أوروبا في ملفاتٍ أساسيةٍ معنيٍة بها، وصولاً إلى صعود نجم القوميات القديمة ـ الجديدة. شكّل كول علامة فارقة في مواكبة التغييرات المتلاحقة في الكتلة الشرقية، مع نهاية سني الحرب الباردة، لا بل كان متلهفاً لإتمام الوحدة الألمانية، عبر السعي إلى تسهيل الوضع القانوني للشرق. يُسجّل له أنه لم يتوقف لحظةً عن مساعيه، على الرغم من محاولات آخر رئيس سوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، عرقلة عملية التوحيد من أجل ضمان الحصول على دعمٍ اقتصادي لموسكو. كما أن كول لم يقف أمام "رهبة" اللحظة التاريخية، فاستوعب تهديم جدار برلين، وسقوط جمهورية ألمانيا الشرقية بسرعة. صحيح أن الأضرار الكبيرة كانت هائلةً على ألمانيا الغربية، وصحيح أن آثار عملية التحول الاقتصادي ودمج الألمانيتين لم تُعالج بالكامل، إلا أن الاستفادة من الظرف التاريخي في حدّه الأقصى عُدّ نصراً لكول.
وفي ظلّ الذكرى الـ27، صارت أوروبا، التي نَجَت عموماً من التحوّلات السياسية الجذرية في العامين الأخيرين، وكادت أن تضع التطرف اليميني على رأس سلم القيادة، في وضع صعب، في ظلّ عدم قدرتها على معالجة خلافاتها الداخلية، وعدم إمكانية تأدية أي دور رئيسي في المناطق المتاخمة لها، سواء في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا. ولعلّ مشكلة الهجرة وملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والقضية الأوكرانية، والمأزق الليبي، وخروج بريطانيا من الاتحاد، وتصادم خطوط الغاز المتوقع بين روسيا والولايات المتحدة في الشمال الأوروبي، وعدم أداء الأوروبيين أدواراً مؤثرة في سورية والعراق، كلها ملفات ضربت القارة العجوز في أسسها، وجعلها تتأخر خطوة إلى الوراء. كما أن وقوف الزعماء الأوروبيين بشكل أشبه بـ"تلاميذ" أمام أستاذ، حين كان يخطب فيهم الرئيس الأميركي، في مايو /أيار الماضي في قمة الأطلسي، كان مرعباً. حينها أصرّ دونالد ترامب على الأوروبيين على دفع مزيد من الأموال لإبقاء الأطلسي، بدلاً من الاستناد إلى الأموال الأميركية. لم يتمكّن قائد أوروبي من مواجهة ترامب.
نكسة أخرى تعاني منها أوروبا: الحراك القومي فيها، تحديداً كتالونيا التي تحوّلت إلى منعطف تاريخي وجيوبوليتيكي، أكثر خطراً مما كانت عليه إمكانية استقلال اسكتلندا عن بريطانيا عام 2014. فمن شأن استقلال الإقليم عن إسبانيا أن يشرّع الأبواب لاهتزاز المنظومة الأوروبية، خصوصاً في قضية الهجرة، والبدء في تمويل الخزينة الإسبانية، المتعثرة أساساً. لا يريد الأوروبيون "يونان" أخرى في إسبانيا، ولا أبوابا مفتوحة للمهاجرين الآتين من أفريقيا، في حال انشغال مدريد بوضع حدّ للاستقلال الكتالوني. لذلك، تبدو أوروبا كأنها "ديكتاتور" ساكت عما ارتكبته الشرطة الإسبانية بحقّ متظاهري كتالونيا، يوم الأحد الماضي. خلاصة الذكرى الـ27 للوحدة الألمانية أن برلين ترفض العودة إلى الوراء، بينما باتت أوروبا في قلبه.
محطات عدة رافقت ذكرى "يوم الوحدة الألمانية" الـ27، هذا العام، بدءاً من غياب رائدها الأساسي، المستشار الألماني هلموت كول، الذي توفي في 16 يونيو/ حزيران الماضي، مروراً بارتباك أوروبا في ملفاتٍ أساسيةٍ معنيٍة بها، وصولاً إلى صعود نجم القوميات القديمة ـ الجديدة. شكّل كول علامة فارقة في مواكبة التغييرات المتلاحقة في الكتلة الشرقية، مع نهاية سني الحرب الباردة، لا بل كان متلهفاً لإتمام الوحدة الألمانية، عبر السعي إلى تسهيل الوضع القانوني للشرق. يُسجّل له أنه لم يتوقف لحظةً عن مساعيه، على الرغم من محاولات آخر رئيس سوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، عرقلة عملية التوحيد من أجل ضمان الحصول على دعمٍ اقتصادي لموسكو. كما أن كول لم يقف أمام "رهبة" اللحظة التاريخية، فاستوعب تهديم جدار برلين، وسقوط جمهورية ألمانيا الشرقية بسرعة. صحيح أن الأضرار الكبيرة كانت هائلةً على ألمانيا الغربية، وصحيح أن آثار عملية التحول الاقتصادي ودمج الألمانيتين لم تُعالج بالكامل، إلا أن الاستفادة من الظرف التاريخي في حدّه الأقصى عُدّ نصراً لكول.
وفي ظلّ الذكرى الـ27، صارت أوروبا، التي نَجَت عموماً من التحوّلات السياسية الجذرية في العامين الأخيرين، وكادت أن تضع التطرف اليميني على رأس سلم القيادة، في وضع صعب، في ظلّ عدم قدرتها على معالجة خلافاتها الداخلية، وعدم إمكانية تأدية أي دور رئيسي في المناطق المتاخمة لها، سواء في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا. ولعلّ مشكلة الهجرة وملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والقضية الأوكرانية، والمأزق الليبي، وخروج بريطانيا من الاتحاد، وتصادم خطوط الغاز المتوقع بين روسيا والولايات المتحدة في الشمال الأوروبي، وعدم أداء الأوروبيين أدواراً مؤثرة في سورية والعراق، كلها ملفات ضربت القارة العجوز في أسسها، وجعلها تتأخر خطوة إلى الوراء. كما أن وقوف الزعماء الأوروبيين بشكل أشبه بـ"تلاميذ" أمام أستاذ، حين كان يخطب فيهم الرئيس الأميركي، في مايو /أيار الماضي في قمة الأطلسي، كان مرعباً. حينها أصرّ دونالد ترامب على الأوروبيين على دفع مزيد من الأموال لإبقاء الأطلسي، بدلاً من الاستناد إلى الأموال الأميركية. لم يتمكّن قائد أوروبي من مواجهة ترامب.
نكسة أخرى تعاني منها أوروبا: الحراك القومي فيها، تحديداً كتالونيا التي تحوّلت إلى منعطف تاريخي وجيوبوليتيكي، أكثر خطراً مما كانت عليه إمكانية استقلال اسكتلندا عن بريطانيا عام 2014. فمن شأن استقلال الإقليم عن إسبانيا أن يشرّع الأبواب لاهتزاز المنظومة الأوروبية، خصوصاً في قضية الهجرة، والبدء في تمويل الخزينة الإسبانية، المتعثرة أساساً. لا يريد الأوروبيون "يونان" أخرى في إسبانيا، ولا أبوابا مفتوحة للمهاجرين الآتين من أفريقيا، في حال انشغال مدريد بوضع حدّ للاستقلال الكتالوني. لذلك، تبدو أوروبا كأنها "ديكتاتور" ساكت عما ارتكبته الشرطة الإسبانية بحقّ متظاهري كتالونيا، يوم الأحد الماضي. خلاصة الذكرى الـ27 للوحدة الألمانية أن برلين ترفض العودة إلى الوراء، بينما باتت أوروبا في قلبه.