تعيش بيروت في ذهن المعماريين كمدينة بجسدين، أحدهما مهجور ومنهك والآخر حديث فتي لكنه مضطرب. أما العماري ألكسندر خوري فينحّي الاثنين ويحلم ببيروت ثالثة، مدينة يوتوبية العمران.
يرسم خوري في معرضه الذي يفتتح في 28 آب/ أغسطس الجاري في غاليري "مايناس وان" في بيروت، مجموعة من اللوحات التي تقدّم المدينة المعقّدة بطريقة ناعمة خارجة على الخطوط المُحكمة والمستقيمة، إنها عامرة بالأمكنة الطرية والراقصة والسهلة الحركة.
غير أن هناك لوحات أخرى قاتمة تتكدّس فيها الأبنية والخطوط والطرق، لا مكان فيها للأفق. إنها صورة المدينة الواقعية، مقابل تلك المدينة المتلوية المفتوحة على الأفق.
في حديث إلى "العربي الجديد" يقول خوري: "نحن نخنق المدينة. أردت أن أقول من خلال الرسم إن من الممكن اللعب بالمدينة، اقتراح منظور جديد لعمرانها، ليكون من الممكن اقتراح حلول لها".
يستطرد: "كان لدينا شيء وأضعناه"، ثم يصف البيوت البيروتية القديمة ببلكوناتها وأدراجها التي تدخل إليها من مكان وتخرج من آخر.
رغم الـ "نوستالجيا" الواضحة في تعبير المعماري عن شكل قديم من العمارة كان يألفها في المكان، فإنه لا يهجو العمران الجديد الآن، بل يريد أن يتعامل معه ويجد له ميزة ومدخلاً لخطةّ للمدينة تحميها من تطاول الأبراج.
الأبراج ليست سيئة، لكن يُساء استخدامها في فضاء المدينة التي تتطاول عمودياً بشكل مرهق، حتى أن كل مبنى جديد يوصد الأفق في وجه سكان مبنى آخر: "نحنا بنسكّر على بعضنا"، على حساب الامتداد الأفقي الأكثر استرخاء وانسجاماً.
ولكن هل ثمّة حل؟ المعماريون يقومون بمشاريع فنية تشكيلية كثيرة مؤخراً، هل هذا مؤشّر على العجز عن فعل شيء واقعي إزاء تخطيط المدينة. هنا، يبيّن ألكسندر: "إذا قمنا بعمل "ستوب" لكل شيء يحدث الآن، نجد حلاً وخطة للمدينة. الوقت لم يفت بعد على إيجاد حل، المشكلة أنه كلما تأخّرنا تصبح الحلول أصعب".
تبدو مدينة بيروت الثالثة قاحلة بالأبيض والأسود من بعيد في لوحات خوري. لكن حين تدقّق النظر، تجد بيوتاً يمكننا المشي على جدرانها والشقلبة على سقوفها. ربما من هنا يأتي عنوان المعرض "رقص/ مدينة".