لكن في المقابل، بدت صفقة سوتشي، أمس الخميس، غير مضمونة بالنسبة للأتراك، الذين بدا، في قمة فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني، أنهم "نالوا" حق إزالة "الخطر الكردي" عن حدودهم في مقابل الموافقة على الحل الروسي ــ الإيراني. غير أن تصريحات صدرت أمس، من أنقرة ومن موسكو ومن دمشق، أظهرت أن ظروف التسوية ليست جاهزة بعد، وأن انقلاباً سريعاً من قبل روسيا ربما يكون قد حصل على التفاهمات مع الأتراك، من بوابة إشراك قوى كردية تصنفهم أنقرة بالإرهابيين في مؤتمر سوتشي، والمقصود بهؤلاء حزب الاتحاد الديمقراطي وأجنحته من "سورية الديمقراطية" ووحدات حماية الشعب والإدارة الذاتية الكردية. وكشف الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس الخميس، أن مؤتمر الحوار السوري (سوتشي) المقرر عقده ليكون بداية "الحل" على الطريقة الروسية الإيرانية التركية، سيعقد "رغم تحفظات أنقرة" في إشارة إلى رفض تركيا مشاركة فصائل كردية مقاتلة تصنفهم كإرهابيين. وأعلن بيسكوف للصحافيين: "نعلم أن شركاءنا الأتراك لديهم تحفظات حيال موضوع بعض القوى التي يعتبرون أنها تشكل تهديدا لأمنهم، لكن هذا لا يعني أن العمل لن يجري. يقوم خبراؤنا بعمل مكثف لكي يقرروا ويتفقوا على لوائح (المشاركين)". ومثلما كان متوقعاً، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، أنه سيتقرر على الأرجح تقليص حجم القوة العسكرية الروسية في سورية. أما مستشارة الأسد، بثينة شعبان، فقالت إن مؤتمر سوتشي المقرر من دون تحديد موعد له، "لن ينجح إلا إذا أنهت جماعات المعارضة حربها ضد الحكومة وألقت سلاحها، بحسب ما نقلت عنها وسائل إعلام روسية وسورية حكومية.
ولم يشذّ الكلام التركي عن أجواء عدم نضوج ظروف الصفقة، فأعلن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ماهر أونال، أن أنقرة تؤيد بالفعل الحل السياسي في سورية "لكنها تحتفظ بخطوطها الحمراء في قضية بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة". وقال أونال إن "تركيا أوضحت تحفظاتها على أن يكون للأسد أي دور مستقبلي في سورية" خلال قمة سوتشي. وأوضح أونال أن أردوغان أكد في الاجتماع الثلاثي على أنه "ليس من منطق المفاوضات ان يكون لها موقف محدد اليوم بشأن الحل السياسي وما إذا كانت عملية الانتقال ستكون مع الأسد أو بدونه"، موضحاً أن تركيا وروسيا وإيران "ستلعب دور الوساطة في المفاوضات".
وتوحي مجمل التطورات والمواقف والتصريحات التي تلت "احتفال" الثلاثي الروسي ــ التركي ــ الإيراني بوصفة سوتشي للحل السوري، على قاعدة انتخابات جديدة وحوار سوري ــ سوري خارج مرجعيات جنيف وإعداد دستور جديد وإعادة إعمار من غير المعروف من سيتكفل به، بأن ألغاماً كثيرة ربما تعيق تنفيذ تلك الصفقة التي لم تعلق الإدارة الأميركية عليها حتى مساء الخميس، والتي لم يعرف بعد كيف ستكون ردة فعل السوريين عليها، رأياً عاماً وفصائل ومعارضة ونظاماً.
أما في الرياض، فكان 140 معارضاً يخرجون ببيان ختامي لاجتماع توسيع صفوف المعارضة، تمسّك بالخطوط العريضة لبيان الرياض 1 لناحية الإصرار على رحيل الأسد ونظامه في بداية المرحلة الانتقالية، ورفض بقاء أي مقاتلين أجانب إلى أي معسكر انتموا، مع التمسك بوحدة سورية مستقبلاً وبنظام مدني تعددي ديمقراطي، مع تفادي استخدام مصطلح "علماني" مثلما جرت العادة منذ طرحت إشكالية شكل النظام السياسي بالنسبة للمعارضة السورية. وتبنى الرياض 2، على غرار الرياض 1، مشروع سورية كدولة ذات "نظام حكم ديموقراطي على مبدأ اللامركزية الإدارية، غنية بتنوعها القومي والديني والطائفي، تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وتعتمد مبدأ المواطنة المتساوية، ونظام حكم يمثل كافة أطياف الشعب السوري دون تمييز أو إقصاء على أساس طائفي أو عرقي، ويرتكز على مبادئ المواطنة، وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة والمحاسبة وسيادة القانون على الجميع".
وحمل المعارضون النظام مسؤولية فشل المفاوضات حتى الآن، واضعين شرط إجراءات بناء الثقة كأساس لاستئناف المفاوضات التي يرغبون بأن تكون مباشرة مع النظام وغير مشروطة. ولطالما رفض النظام في جولات جنيف السبع أي تفاوض مباشر مع المعارضة. والتفاوض مع النظام، بحسب بيان الرياض 2 هو "من أجل التوصل لحل سياسي ينهي سلطة بشار الأسد مع بدء مرحلة انتقالية تقودها هيئة حكم كاملة الصلاحيات تضع دستورا جديدا تجرى على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية"، وهو ما يتناقض بالكامل مع ما تتبناه روسيا وإيران والنظام السوري، إذ هذه الأطراف تحصر تفسيرها للحل السياسي بإجراء انتخابات جديدة وبإشراك بعض المعارضين في حكومة سورية معروف أن لا صلاحيات لديها في ظل وجود الأسد، وبإعداد دستور جديد تتنوع التقديرات حول عناوينه الرئيسية. وتمسكت المعارضة مرة أخرى بثوابت الثورة السورية، إثر مخاوف سادت في الشارع السوري المعارض عن تنازلات من قبل قوى الثورة والمعارضة استجابة لضغوط إقليمية ودولية.
وأكد البيان الصادر عن اجتماع المعارضة الرسمي الثاني في الرياض، والذي اعتبر بمثابة "وثيقة الرياض2" على ضرورة "محافظة قوى الثورة والمعارضة على السقف التفاوضي الذي حددته تضحيات الشعب السوري التي لا يمكن التفريط بها على الإطلاق، وذلك وفق ما نص عليه بيان جنيف-1 بخصوص إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيىء بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون مغادرة بشار الأسد، وزمرته، وأركانه سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية". كما أكد البيان على "رؤية مشتركة يتفق عليها السوريون لحل سياسي بناءً على بيان جنيف-1 لعام 2012، والقرارات الدولية 2118 و2254". كما تبنوا التعريف السابق للإرهاب في سورية، وهو يشمل الإرهاب التكفيري وذلك الذي يمارسه النظام والمليشيات الإيرانية والتدخلات الخارجية، ربما لتفادي تسمية "الإرهاب الروسي" في قتل السوريين وتدمير بلدهم.
واستبعد الناطق باسم هيئة التفاوض، المستقيل، رياض نعسان آغا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلتحق كل المعارضة السورية بمسار سوتشي، مشيراً إلى أنه "لا مانع من الانخراط في هذه العملية إذا كانت تلبي مطالب الشعب السوري".