أكذوبة الدخول الثقافي بالمغرب

15 أكتوبر 2015
إنها ثقافة الترفيه وتزجية الوقت (مواقع التواصل)
+ الخط -
تزامن الدخول المدرسي في المغرب، هذه السنة، مع الدخول السياسي.. وقد احتلت مقررات وزارة التربية الوطنية واجهات المكتبات، وهذا الدخول المدرسي يشكل فرصة ذهبية لأصحاب المكتبات لتعويض خسائر بقية الشهور، حيث تزين واجهات محلاتهم اللوازم المدرسية والكتب والمحافظ، بعد أن احتلتها طوال السنة بضاعة كاسدة: روايات، دواوين شعرية، مجاميع قصصية، وكتب فكرية، والتي تمتنع المطابع الكبرى عن طباعتها صيفاً، متفرغة لمقررات الوزارة.


تم الاحتفاء بالدخول السياسي من خلال إتاحة الفرصة لوجوه اعتادت النفاق السياسي، وبيع الأوهام للشعب المغلوب على أمره، لكي تطل عبر شاشات التلفزيون، ومن خلال المنشورات الدعائية المتناثرة على قارعة الطريق، وجند أصحاب الحملات الانتخابية شباناً نخرت أجسادهم البطالة، ونساء بئيسات، مقابل دراهم معدودات والعديد من الوعود الوردية..

الغريب أن مهرجان الانتهازية السياسية يتم بمباركة الجميع، في حين تغيب النخبة المتقاعسة دوماً عن هذا المشهد الاحتفالي، تاركة الساحة للمرتزقة والدجالين، مثلما تتخلف هذه النخبة عن المشاركة في التأسيس لدخول ثقافي حقيقي وجاد، ففي المغرب لا يمكننا الحديث عن دخول ثقافي إلا مع اقتراب معرض الكتاب، والذي تعتبره وزارة الثقافة دخولها الثقافي الحقيقي، بخلاف موسم الدخول الأدبي في فرنسا، والذي يتم فيه الاحتفاء بمئات الإصدارات الجديدة، في شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام، ومع ذلك لا يستطيع "المغرب الفرنكفوني" تقليد فرنسا، رغم أنه يدين لها بالولاء والتبعية الثقافية، وهناك من يعتبر المغرب مازال "محتلا ثقافيا" من طرف فرنسا، ولم يحظ باستقلاله اللغوي بعد.

والأنكى أنهم يقحمون على مهرجانات الصيف الغنائية والترفهية، -وما أكثرها في المغرب، فقد صار لكل مدينة مهرجانها- صفة "الثقافية"، "إنها (بتعبير د. سعيد يقطين) ثقافة السمر والسهر، والليل طويل؟ إنها ثقافة الترفيه وتزجية الوقت. إنها ثقافة "القصارة"، ومعناها "تقصير" الزمان حتى لا نحس بوطأته. إنها ثقافة "مقاومة الزمن". ولذلك لا نجد لهذه الثقافة أي أثر في تحول المجتمع أو تطوره. فلا مجال فيها للحوار ولا للتفاعل أو لممارسة النقد والنقد الذاتي".

بينما تحرص فرنسا على إحياء تقليد (الدخول الثقافي) أو الأدبي، خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، بنشر ما يفوق سبع مئة رواية، وهو حدث أدبي يربك الكتاب والقراء والناشرين والإعلام.

في حين تنشغل صحافتنا الثقافية، بداية كل خريف، بالحديث عن الدخول الثقافي، على غرار الدخول السياسي، المدرسي والرياضي. فهل يمكننا الحديث عن هذا (الدخول الثقافي) مع إغفال تلك الحقيقة القاسية: تفشي الأمية الثقافية؟ .. حتماً، سنشعر بالخزي، لو تهوّرنا وقارنا بين كل ما يطبع في الوطن العربي، من الماء إلى الماء، خلال فصل الخريف؛ مع ما ينشر في فرنسا استعداداً لدخولها الأدبي.

(المغرب)
المساهمون