أكاديمي سوري: التدخل الروسي في سورية ضمان البقاء في"المتوسط"

22 أكتوبر 2015
الأكاديمي محمود الحمزة (العربي الجديد)
+ الخط -

قد يتجاوز تدخل موسكو العسكري في سورية اعتبارات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدعم شرعية النظام السوري والحرب على الإرهاب، لما هو أبعد من ذلك وفقاً لوصف مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، بأنه يسير باتجاه تغيير "قواعد اللعبة". كما واستند مراقبون على وجهة النظر هذه بتصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي أكد أن سورية باتت "مستنقعاً لروسيا".

ولا تعدو العمليات العسكرية الروسية في سورية دعم النظام السوري فحسب، طبقاً لرؤية رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر، محمود الحمزة، فهي تتعدى ذلك إلى حماية مصالح موسكو الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بعدما بدأت ملامح فشل القوى الداعمة للنظام السوري بشكل جلي،ّ لا سيما قوات حزب الله اللبناني والمليشيات التي ترسلها طهران، بمعنى أن "التدخل الروسي جاء لكيلا تخرج موسكو من تقاسم النفوذ بعد إخفاق طهران، التي أثبتت عدم قدرتها على تحقيق الدفاع عن النظام السوري بالشكل اللازم، والذي أصبح الآن لا يسيطر سوى على 20 بالمائة من مساحة البلاد، بالرغم من توسّع صلاحياتها عقب الاتفاق النووي الذي أجرته مع المجموعة الدولية".

"جيل العربي الجديد" أجرت حواراً مع الأكاديمي السوري وكبير الباحثين في أكاديمية العلوم الروسية – موسكو، محمود الحمزة، الذي اعتبر أن "دعم روسيا للنظام السوري، ورأسه بشار الأسد، لم يقتصر على تدخلها العسكري الأخير، إنما كان موقف الروس واضحاً منذ البداية في تقديم الرعاية الاستراتيجية له، بل تعداه إلى اعتبار بقاء النظام السوري بمثابة النصر الخاص لروسيا"، مضيفاً أن "اللقاءات التي أجرتها على أراضيها، بما عرف بمباحثات موسكو1 موسكو2، لم تفلح في تمرير حلول سياسية لصالح النظام، وعلى العكس يمكن القول إنها فشلت".

"أعتقد أن روسيا قررت إقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية، منها لمستقبل وجودها في البحر المتوسط، ومنها لحماية الدويلة العلوية، التي أصبحت حدودها معروفة للكثيرين"، حيث يرجح الأكاديمي السوري أن يكون الاعتقاد السابق هو أحد أبعاد التدخل الروسي في سورية"، لافتاً إلى أن أبعاداً أخرى قد يتضمنها التدخل كاحتمال أن "موسكو تريد تقديم نفسها للغرب على أنها حليف لهم ضد الإرهاب، الذي يهدد أوروبا وكذلك لإيقاف موجة الهجرة السورية إلى بلدانهم، بالإضافة إلى سعيها لتخفيف العقوبات الغربية المؤلمة على اقتصادها؛ بسبب الأحداث في أوكرانيا".

وسرى الحديث بين الأوساط السياسية السورية على أن للتدخل الروسي علاقة بالصراع على الغاز، بيد أن الحمزة استبعد ذلك بقوله: "موضوع الغاز ليس مؤكداً، لكن يقال إن قطر كانت تريد تمديد خطوط الغاز عبر سورية وتركيا إلى أوروبا، بما سينعكس سلبا على مصلحة روسيا، المُصدّر الأكبر للغاز الطبيعي إلى أوروبا. إلا أن هذه المقولة غير مثبتة، وحتى الحديث عن اكتشاف منابع ضخمة للغاز في المياه السورية في البحر المتوسط ليست موثقة تماماً".

قبيل العمليات العسكرية لموسكو في سورية نفى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أثناء مقابلة أجرتها معه قناة "سي بي إس" الأميركية، أية مساع تقوم بها بلاده للحد من تواجد "أكثر من 2000 مقاتل من دول الاتحاد السوفييتي على الأراضي السورية"، حيث أكد أن روسيا تعمل على إبعاد خطرهم من خلال تقديم المساعدة للأسد كي يقوم بقتالهم، بينما شاع بعد إغارة الطائرات الروسية على الأراضي السورية أن تكون بصدد محاربتهم في سورية بشكل مباشر. وحسبما يرى محمود الحمزة، في تعليقه على هذا الأمر، فإن "التدخل العسكري الروسي بكل الأحوال لا يبرره القول إنه يمكنك أن تحارب على أرض غيرك حماية لنفسك، وإلا فالعلاقات الدولية تحولت إلى شريعة الغاب"، مردفاً "أن خطر المتطرفين على روسيا قائم، ولكن الحل ليس بالتدخل العسكري وإنما بمعالجة مشاكل المسلمين في روسيا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا".

ويستطرد رئيس المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر، خلال حوار "جيل العربي الجديد" معه، بتطرقه إلى المبادرة الروسية بخصوص مكافحة الإرهاب، إذ يرى أن موسكو بدأت فعلياً تنفيذها، لكن لم يؤيدها إلا القليلون "بالكلام فقط ولم ينضم إليها أحد عملياً".

وحول تصريح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بشأن تحول سورية إلى مستنقع لروسيا، يُخمّن الأكاديمي السوري بأن "الروس تدخلوا عسكرياً بضوء أخضر أميركي؛ بقصد توريط الروس وخلق أفغانستان ثانية في سورية، وهذا سيحدث بمجرد حصول المعارضة المسلحة على صواريخ أرض جو، والمؤشرات تتحدث عن ذلك فعلاً".

وفي ما يخص موقف الاتحاد الأوروبي من التدخل الروسي في سورية، رأى الحمزة بأن "الموقف الأوروبي ينطلق من مصالح أوروبا، التي تعاني من هجرة السوريين إليها وهي تحلم بالقضاء على الإرهاب وداعش"، لكنه يستدرك حديثه بتشديده على أن "الدول الأوروبية محكومة بالسياسة الأميركية التي تقود العالم الغربي كله، وهي التي تتواصل مع روسيا وهي التي تقرر بالنهاية الخط العام للموقف الغربي، فالأوربيون ليس لديهم دور مستقل فعال وإنما أيضا يعانون من المواقف الأميركية والروسية، وحتى العقوبات الغربية على روسيا تضررت منها أوروبا وليس أميركا".

كما تطرق محمود الحمزة إلى الموقف السعودي من التدخل الروسي، بقوله "العلاقات الروسية السعودية بالفعل حصل فيها انفراج بعد توتر كبير بسبب الموقف من الوضع في سورية، وبالذات حول مصير الأسد، والموقف السعودي واضح حتى اليوم، فوزير الخارجية السعودي صرح: (الأسد عليه أن يرحل إما سياسيا أو عسكريا)"، متسائلاً بنفس الوقت عن ماهية الجهود التي تبذلها المملكة، فحسب تصوره "الثوار على الأرض بحاجة ماسة لصواريخ مضادة للطائرات لإفشال الهجوم الروسي السافر"، حيث يعتقد أن "المملكة لن تتخلى عن قضية الشعب السوري ولو من وجهة نظر إنسانية، عداك عن أن الثوار السوريين يخوضون معركة ضد القوى التي تقودها إيران، وهي الخطر الأكبر على الخليج العربي برمته".

وأكد الأكاديمي السوري، في ختام حديثه مع "جيل العربي الجديد"، أن أسباب التعاون بين روسيا والسعودية هو الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، عندها بادر الروس والسعوديون وبقية دول الخليج إلى فتح قنوات بينهم رداً على ذلك الاتفاق الذي لا يراعي مصالحهم، مشدداً على أنه بنفس الوقت لا يرى آفاقاً للتعاون الروسي الخليجي والعربي بشكل عام، ما لم تحل المشكلة السورية، وكذلك "لن تستقر الأوضاع في سورية ما دام بشار الأسد فيها، ولن تنفع التدخلات العسكرية في تثبيت حكمه، فيجب محاكمته بدلاً من دعم نظامه".

(سورية)

المساهمون