يُطلّ تيم بيرغلينغ (1989 - 2018)، الشاب الوسيم الملقّب بـ أفيتشي Avicii من على جموعه المؤلّفة من الفتيات والفتية، كواحد من القادة الديماغوجيين القُدامى، وإن بقبعة بيسبول وقميص تحته سروال من الجينز الفضفاض. يلوّح بإحدى ذراعيه كأنه في خضمّ خطبة عصماء، أو كمن يُلاكم السماء، لتردّ عليه الأجساد قفزاً وتهليلاً، تُبرِقُ بأيديهم عِصيّ أضواء الليزر المحمول، بينما تشعل الأنوار فضاء الساحة. ذلك هو أفيتشي، النجم مُقابلاً جمهوره من على خشبة المسرح، وخلف طاولة تدوير الأسطوانات (DJ). أما تيم اليافع العشريني، فهو على الدوام، في النهار كما في الليل، ملازمٌ "اللاب توب"، سماعتاه على أذنيه يُؤلف الموسيقى، أينما حل وحيثما ارتحل؛ في السيارة والطائرة التي تحمله إلى الحفلة، على موائد الغداء والعشاء، في الحمام، في المشفى وقُبيل أن يشرع الجرّاح في استئصال المرارة.
أدخل أفيتشي عامل الطرب على الموسيقى الإلكترونية، ولوّن تكنو المراهقين، عن طريق غنائية فريدة، طفولية وبريئة، أعجبت الصغار؛ فأزهرت خواطرهم وانتعشت بها قلوبهم، لترقص عليها نفوسهم ابتداءً، فأجسامهم انتهاءً. يبعث في دواخلهم اللذّة خلال عدّة ساعات يُمضيها مؤلّفاً، ثم عدة دقائق أُخر يبثها على المسرح، بين سحب الدخان وعبر مُكبّرات الصوت، على هديرها يحرك تيم أمواج البشر.
وجد تيم توأم روحه، لم تكن فتاة أحلامه، وإنما المُنتج السويدي من أصل إيراني آراش بورنوري، الذي وعد اليافع الصغير بنجومية تفتح له العالم وشهرة لا حدود لها إلا السماء. بدأت مسيرة الاثنين ولم تنته إلا بعد أن أدى أفيتشي ما يزيد على 800 عرض فنّي في غضون ثمانية أعوام، دار بها على معظم عواصم العالم، غدا من بين كبار الصناعة الفنية وهو لم يجتز الخامسة والعشرين.
بيد أن تيم، الصبي الهشّ الخجول والمُنكفئ على نفسه أخذ يتعب. في البداية، ظن أن العالم حاسوبٌ وأن الحياة أغنية، لم يكن يعي أنه اليوم بات نجماً، وما النجومية سوى مُنَتج يُباع ويُشترى، في سوق فنيّة بملايين الدولارات، تدخل فيها رؤوس أموال وشركات إنتاج، تحجز الصالات والأستوديوهات وغرف الفنادق. هكذا، بات تيم حبيس سجنٍ مادي منيع، جدرانه من أنوار، تحرسه الأرباح والمصالح.
لم يعد تيم يُطيق حياة السجن، أعياه التعب وأنهكه الألم. في عام 2016 وفي غفلة عن منتجه آرش ومقرّبيه قرر الاعتزال. قد ظن، وهو الطفل الذي لم يختبر في حياته سوى مقعد المدرسة وخشبة المسرح، أن نزول القمة مثل صعودها. لم يعلم أن برحيله عن المشهد الفني، سيفسخ عقوداً مكتوبة ويُضرّ باتفاقات معقودة وحجوزات مدفوعة، وسيخسر بذلك مدير أعماله وعديداً من أصدقائه.
"لا أحد منّا اليوم بات يقوى على الإمساك بزمام عواطفه، أغلبنا يجهد في تجاهل أننا أصبحنا مجّرد ردود أفعال. لهذا قررت التوقف عن التجوال وتقديم الحفلات حول العالم، لأني أدركت في النهاية أنني غير قادرٍ على قراءة عواطفي بالشكل الصحيح". هكذا، برر أفيتشي لصحيفة رولينغ ستون قرار اعتزاله. بعد أعوام ثلاثة، وفي أحد فنادق العاصمة العمانية مسقط، وضع تيم بيرغلينغ حدّاً لحياته.
في خطوة باتت رائجة ومعهودة، في نشر عملٍ لفنان أو أديب مات دون أن يُكمله، جرى إصدار ألبوم أفيتشي الأخير والمعنون "تيم" بداية الشهر الماضي. وخلافاً للمعتاد في أن يكون نشر أعمال الفنان بعد رحيله فُرصة إثراء إضافية قد تكون أخيرة لورثته، تقرر وهب إيرادات الألبوم ريعاً لصالح جمعية خيرية تُعنى بالتوعية ضد الانتحار، أُطلق عليها اسم تيم بيرغلينيغ تيمناً به وتخليداً لاسمه.
بالرغم من أن الإصدار ما هو سوى سعي لاستكمال ألبوم عكف أفيتشي على إنهائه ولم يتسنّ له ذلك، يتّخذ TIM شكلاً تأبينياً له، من حيث تسلسل الأغاني واختيار عناوين تُحاكي الرحيل، كـ Heaven وFades away ختاماً، إضافة إلى استعارة مختارات من إنتاجات سابقة كأغنية Heart upon my sleeve الني سبق إصدارها آلياً ضمن ألبوم مُبكّر معنون بـ True.
حاولت الباقة أن تعكس محطات تيم الأخيرة التي خاض فيها صراعاته الوجودية. هكذا، تفتتح الألبوم مثلاً أغنية بعنوان Peace of mind، أي راحة البال. تُميّزها الألوان الأوركسترالية التي أخذت تُلهم تيم مع الوقت، وبالأخص في المراحل المُتأخرة. ثم أغنية SOS؛ نداء استغاثة. حيث يُغني آلك بلو مُستجدياً: "هل تسمعني أُطلق نداء استغاثة؟ أعنّي على جعل ذهني يستقر وفكري يرتاح".
في أغنية Tough love تُسمع ألوان الوتريات الشرقية بأسلوب ما يُعرف في موسيقي الهاوس بالـ Arabia. في أغنية Bad reputation يُسمع أثر موسيقى الكاريبي، سواء لجهة الآلات المُستخدمة كالستيل بلان المعدني أو الأداء الغنائي. في Aint nothing تعود النُسج الأوركسترالية المُصاحبة بِعودة معاني الرحيل، كالكلام عن آخر الأغاني واستعادة ذكريات أجمل السهرات. أغنية Hold the line كأنها تسعى إلى استخلاص عبرة تفاؤلية من نهاية حياة تيم المأساوية. هي تتحدث عن التمسك بالحياة والأخذ بزمامها. تلك النبرة الإيجابية تستند فنيّاً إلى بُنى أغنية التكنو التقليدية، حيث نبضات الإيقاع واستعمال القناطر البرّاقة المعروفة بالجيوب Pockets. أما Excuse me sir فتقترب من حدود لون الروك لجهة توظيف الغيتار الأكوستيك وإيقاع الغروف الثقيل.
اقــرأ أيضاً
Heart upon my sleeve بمثابة جوهرة الألبوم؛ أولاً، من حيث الغنى بالعناصر الفنية، كاستهلالية مجموع آلات التشيلّو. وأيضاً، لتعبيرية أداء المغني Imagine Dragon، إضافة لكونها ذات شكل مُركّب مُفعم بعنصر المُفاجأة وتعاقب سلسلة من الصدمات الشعورية. أما Fades away فمسك الختام في بحثها الميلانكولي عن معاني الحياة الباقية من بين اللحظات الزائلة. في الفن كما في الأدب، لم تكن الأعمال التي صدرت بعد موت أصحابها، إلا في ما ندر، بمستوى نتاجهم وهم أحياء. يعود هذا إلى غيابهم، سواء عن سيرورة الإنجاز، أو عن إضفاء اللمسات الأخيرة على خواتم الإنتاج. يُسهم أيضاً في ضعف الأعمال، تكاثر الجهات والآراء على حساب مركزية القرار الفني. يبقى ألبوم "تيم" في نهاية المطاف، محاولة استرجاع له واستدراكٍ، ربما، لما فاته.
وجد تيم توأم روحه، لم تكن فتاة أحلامه، وإنما المُنتج السويدي من أصل إيراني آراش بورنوري، الذي وعد اليافع الصغير بنجومية تفتح له العالم وشهرة لا حدود لها إلا السماء. بدأت مسيرة الاثنين ولم تنته إلا بعد أن أدى أفيتشي ما يزيد على 800 عرض فنّي في غضون ثمانية أعوام، دار بها على معظم عواصم العالم، غدا من بين كبار الصناعة الفنية وهو لم يجتز الخامسة والعشرين.
بيد أن تيم، الصبي الهشّ الخجول والمُنكفئ على نفسه أخذ يتعب. في البداية، ظن أن العالم حاسوبٌ وأن الحياة أغنية، لم يكن يعي أنه اليوم بات نجماً، وما النجومية سوى مُنَتج يُباع ويُشترى، في سوق فنيّة بملايين الدولارات، تدخل فيها رؤوس أموال وشركات إنتاج، تحجز الصالات والأستوديوهات وغرف الفنادق. هكذا، بات تيم حبيس سجنٍ مادي منيع، جدرانه من أنوار، تحرسه الأرباح والمصالح.
لم يعد تيم يُطيق حياة السجن، أعياه التعب وأنهكه الألم. في عام 2016 وفي غفلة عن منتجه آرش ومقرّبيه قرر الاعتزال. قد ظن، وهو الطفل الذي لم يختبر في حياته سوى مقعد المدرسة وخشبة المسرح، أن نزول القمة مثل صعودها. لم يعلم أن برحيله عن المشهد الفني، سيفسخ عقوداً مكتوبة ويُضرّ باتفاقات معقودة وحجوزات مدفوعة، وسيخسر بذلك مدير أعماله وعديداً من أصدقائه.
"لا أحد منّا اليوم بات يقوى على الإمساك بزمام عواطفه، أغلبنا يجهد في تجاهل أننا أصبحنا مجّرد ردود أفعال. لهذا قررت التوقف عن التجوال وتقديم الحفلات حول العالم، لأني أدركت في النهاية أنني غير قادرٍ على قراءة عواطفي بالشكل الصحيح". هكذا، برر أفيتشي لصحيفة رولينغ ستون قرار اعتزاله. بعد أعوام ثلاثة، وفي أحد فنادق العاصمة العمانية مسقط، وضع تيم بيرغلينغ حدّاً لحياته.
في خطوة باتت رائجة ومعهودة، في نشر عملٍ لفنان أو أديب مات دون أن يُكمله، جرى إصدار ألبوم أفيتشي الأخير والمعنون "تيم" بداية الشهر الماضي. وخلافاً للمعتاد في أن يكون نشر أعمال الفنان بعد رحيله فُرصة إثراء إضافية قد تكون أخيرة لورثته، تقرر وهب إيرادات الألبوم ريعاً لصالح جمعية خيرية تُعنى بالتوعية ضد الانتحار، أُطلق عليها اسم تيم بيرغلينيغ تيمناً به وتخليداً لاسمه.
بالرغم من أن الإصدار ما هو سوى سعي لاستكمال ألبوم عكف أفيتشي على إنهائه ولم يتسنّ له ذلك، يتّخذ TIM شكلاً تأبينياً له، من حيث تسلسل الأغاني واختيار عناوين تُحاكي الرحيل، كـ Heaven وFades away ختاماً، إضافة إلى استعارة مختارات من إنتاجات سابقة كأغنية Heart upon my sleeve الني سبق إصدارها آلياً ضمن ألبوم مُبكّر معنون بـ True.
حاولت الباقة أن تعكس محطات تيم الأخيرة التي خاض فيها صراعاته الوجودية. هكذا، تفتتح الألبوم مثلاً أغنية بعنوان Peace of mind، أي راحة البال. تُميّزها الألوان الأوركسترالية التي أخذت تُلهم تيم مع الوقت، وبالأخص في المراحل المُتأخرة. ثم أغنية SOS؛ نداء استغاثة. حيث يُغني آلك بلو مُستجدياً: "هل تسمعني أُطلق نداء استغاثة؟ أعنّي على جعل ذهني يستقر وفكري يرتاح".
في أغنية Tough love تُسمع ألوان الوتريات الشرقية بأسلوب ما يُعرف في موسيقي الهاوس بالـ Arabia. في أغنية Bad reputation يُسمع أثر موسيقى الكاريبي، سواء لجهة الآلات المُستخدمة كالستيل بلان المعدني أو الأداء الغنائي. في Aint nothing تعود النُسج الأوركسترالية المُصاحبة بِعودة معاني الرحيل، كالكلام عن آخر الأغاني واستعادة ذكريات أجمل السهرات. أغنية Hold the line كأنها تسعى إلى استخلاص عبرة تفاؤلية من نهاية حياة تيم المأساوية. هي تتحدث عن التمسك بالحياة والأخذ بزمامها. تلك النبرة الإيجابية تستند فنيّاً إلى بُنى أغنية التكنو التقليدية، حيث نبضات الإيقاع واستعمال القناطر البرّاقة المعروفة بالجيوب Pockets. أما Excuse me sir فتقترب من حدود لون الروك لجهة توظيف الغيتار الأكوستيك وإيقاع الغروف الثقيل.