ذلك أن هناك من يستطيع، دائماً، تحويل العاديّ إلى فصلٍ جديدٍ من حكايات السينما فيها، كأن يُصبح جسر قديم أشبه بصالة عرض تُقدِّم، إلى فقراء العاصمة، شيئاً من متنفّسٍ يُسلّيهم، وينسيهم ـ ولو للحظات ـ مصاعب الحياة اليومية وضغوطها التي لا تنتهي.
جسرٌ مُشيَّدٌ منذ 140 عاماً تقريباً، يتحوّل إلى "قاعة عرض بدائية"، ويُصبح "متنفّساً لسائقي عربات الـ "ريكشا" والعمّال المهاجرين الفقراء، للهروب من مصاعب الحياة اليومية، والحرّ القائظ، إلى عالم بوليوود الساحر، بما فيه من أغانٍ ورقصات وقصص حبّ".
وبحسب تقريرٍ لسونيل كاتاريا (رويترز)، فإن الجسر الحديدي الذي يعلوه الصدأ، "يوفّر سقفاً لدار العرض، التي تُقدِّم 4 أفلام يومياً، وتغطّي أرضها وجدرانها قطع قديمة من القماش، يتمّ شراؤها بأسعارٍ زهيدة من فرن لإحراق الجثث". والقاعة مظلمة، لكنها "منسِّمة"، يلجأ إليها هؤلاء جميعهم بعد إنهاء أعمالهم في الشوارع المزدحمة والمختنقة، بسبب الحر الذي تتجاوز درجات حرارته الـ 47 درجة مئوية، أحياناً.
يُضيف التقرير أن منظّمي العروض يجمعون "مدّخراتهم لتأجير شاشة تلفاز، ومشغل للأقراص المدمجة"، كما أنهم يفرضون "رسم دخول" بقيمة 10 روبيات (15 سنتاً أميركياً)، أي "واحد بالمئة من سعر تذكرة الدخول في أفخر دور العرض في العاصمة"، علماً أن الدولار الأميركي الواحد يُساوي نحو 67 روبية.
من ناحية أخرى، يقول محمد نور الإسلام، تاجر خردة وأحد روّاد دار العرض القائمة تحت الجسر المطل على نهر "يامونا"، إن مشاهدة الأفلام تمنعه من "ارتكاب رذائل"، كتعاطي المخدّرات والمقامرة. وينقل عنه تلفزيون "رويترز" قوله إن "الأفلام أفضل بكثير"، مشيراً إلى أن رجالاً عديدين "يدمنون على القمار والمخدّرات والكحول، ويمضون وقتهم في الشرب أو التدخين".
يتابع نور الإسلام، الذي جاء إلى دلهي من ولاية الـ "بنغال" الغربية في شرق البلاد، قبل 4 عقود، وهو صبي في العاشرة من عمره: "لكن بعضاً منا لا ينغمس في هذه الرذائل، ويأتي إلى هنا لمشاهدة الأفلام. نحن مدمنون على الأفلام".
أما مانوج كومار، سائق "ريكشا" من بيهار، فيقول إن الأفلام التي يشاهدها مع آخرين تساعدهم على نسيان مشاكلهم: "عندما أكون متوتراً، أذهب إلى دار العرض، وأشاهد فيلماً، فأشعر أن توتري هذا يخفّ". يُذكر أنه، مع حلول الليل، تصبح دار العرض ملاذاً ليلياً "لمن يمضون يومهم في الحرّ القائظ".
إلى ذلك، فإن إشفاق، أحد مؤسّسي دار العرض، يدير كشكاً صغيراً للأطعمة بالقرب منها. ويقول إنها مكان ممتاز للناس، "كي يستريحوا بعد ساعات من العمل الشاق"، مضيفاً أن "المكان واسع ومفتوح"، وأن "هناك نسمة هواء باردة ولطيفة، لأن المكان قريب من النهر. يبدو الأمر كأن هناك جهاز تكييف".
ويقدِّم إشفاق وجبات تتراوح أسعارها بين 5 و10 روبيات. لكنه يشعر بالقلق من أن تُغلق السلطات الدار، "التي تدار بشكل غير شرعيّ". علماً أنه في يوم عادي، يستخدم نحو 100 شخص دار العرض لمشاهدة الأفلام، وللاستراحة والنوم أيضاً.