وتظهر الوثائق المسربة أن القارة السمراء باتت خلال العقود الأخيرة مسرحاً لنشاط أكبر أجهزة الاستخبارات العالمية، إلى درجة أن ضابط استخبارات أجنبياً يقيم في بريتوريا وصف أفريقيا بأنها "الدورادو الجاسوسية". وتبرز الوثائق أن المنافسة على أفريقيا اشتدت خلال السنوات الأخيرة بين الصين، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي، وبين الولايات المتحدة ودول أوروبية تسعى إلى تعزيز وجودها العسكري والأمني.
وتشير الوثائق الى أن ما تتمتع به جنوب أفريقيا من إمكانات ونفوذ على مستوى القارة السمراء، وتوفرها على بنى تحتية متطورة في مجال الاتصالات، جعلها مدخلاً ومستقراً لعملاء أجهزة استخبارات عالمية وساحة لأنشطة تجسس معقدة.
اقرأ أيضاً: برقيات التجسس: جنوب أفريقيا قبلة استخبارات العالم
وتورد إحدى الوثائق، التي حصلت عليها "الغارديان" و"الجزيرة"، أسماء وعناوين وصور وبيانات لنحو 140 جاسوساً يعملون في بريتوريا لصالح أجهزة استخبارات دولية، متخذين من مهن أخرى غطاء لنشاطهم الاستخباراتي. وعلى الرغم من النفوذ العسكري والدبلوماسي والأمني الأميركي والفرنسي والبريطاني في أفريقيا، إلا أن هذا لم يمنع نشاط أجهزة استخبارات تابعة لدول أخرى مثل الهند، السنغال، إسرائيل، إيران، الصين، وروسيا. وتظهر الوثائق أن اهتمام عملاء أجهزة الاستخبارات الأجنبية في أفريقيا يتنوع ويغطي مروحة واسعة من الأهداف، بدءاً من متابعة تحركات الجماعات الإرهابية، وصولاً الى تجنيد العملاء أو اغتيال الخصوم، مروراً بسرقة المعلومات الاقتصادية والتكنولوجية.
وتشير الوثائق إلى أن وكالات التجسس العالمية تفضل العمل في جنوب أفريقيا نظراً لترهل أجهزتها الأمنية، وضعف إجراءات الأمن على الملفات الإلكترونية، وإمكانية اختراق مكاتب الأجهزة الأمنية، وسهولة الحصول على المعلومات من الأجهزة المتعددة والمتنافسة.
نشاط الموساد
وتكشف الوثائق المسربة عن جانب من نشاط أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في أفريقيا، إذ يشير تقرير لوكالة استخبارات جنوب أفريقيا "إس آي إس" والوكالة الوطنية للمعلومات "إن آي إيه" يعود تاريخه لشهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2009 إلى أن إسرائيل "تعمل بجدٍ لتطويق وعزل السودان من الخارج، وإزكاء التمرد في الداخل. وهي حريصة منذ فترة طويلة على الاستفادة من الثروة المعدنية في أفريقيا. وتخطط للحصول على الألماس الأفريقي الجيد لنقله ومعالجته في إسرائيل، إذ إنها تعد ثاني أكبر معالج للألماس في العالم".
كما تشير الوثيقة إلى "أن أعضاء في وفد برئاسة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، قاموا بالوساطة لإبرام عقود لشركات إسرائيلية لتدريب مليشيات في أفريقيا".
وتكشف الوثائق أن العلاقة بين وكالة الاستخبارات الجنوب افريقية "أن آي إيه" وجهاز الاستخبارات الاسرائيلي "الموساد" مرت بمراحل متباينة، "فقد كانت وطيدة في عهد التمييز العنصري، ثم تباعدت في السنوات الأولى لحكم المؤتمر الوطني الأفريقي المساند للفلسطينيين، وتمرّ راهناً بمرحلة غامضة". وتكشف الوثائق أن جهازي "الموساد" والاستخبارات الداخلية "الشين بيت" معروفان باستخدامهما شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية "العال" كغطاء لأنشطة عملاءهما. وأشارت الوثائق الخاصة بطبيعة عمل عملاء جهاز "الموساد" إلى أن هذا الأخير لا يجبر عملاءه من النساء على توظيف الجنس كـ"سلاح"، وإن كان مثل هذا السلوك متوقعاً. وإذا ما اضطر "الموساد" لاستخدام هذا الأسلوب، فإنه غالباً ما يوظف نساء يعملن أصلاً بائعات للجنس". في المقابل لا يتشدد قادة الموساد مع العملاء من الرجال في استخدام الجنس لإسقاط السكرتيرات أو المضيفات وغيرهن من مصادر المعلومات.
أسوأ تسريب أمني
تظهر حكومة جنوب أفريقيا مرتبكة في كيفية التعامل مع تداعيات أسوأ تسريب أمني في تاريخها الديمقراطي منذ انتهاء عهد التمييز العنصري قبل عقدين. فبينما التزمت وكالة أمن الدولة "إس إس إيه" الصمت، دعا التحالف الديمقراطي المعارض إلى جلسة عاجلة للبرلمان، وعقد اجتماع عاجل للجنة البرلمانية المكلفة بالشؤون الاستخباراتية للوقوف على مدى خطورة الوثائق المسربة، ومدى تأثيرها على عمل وكالة الاستخبارات الوطنية وسمعتها.
كما حذر الحزب المعارض من خطورة استخدام التسريبات كذريعة للمضي قدماً في سنّ التشريعات المقيدة للحريات العامة وخاصة حرية الصحافة. كما حذرت منظمة "الحق بالمعرفة" الأهلية من استغلال الأجهزة الأمنية لواقعة التسريبات لفرض مزيد من الرقابة على تدفق المعلومات بإقرار مشروع قانون السرية.
وبانتظار المزيد مما ستكشف عنه التسريبات، ستظل الأوساط السياسية والأمنية في جنوب أفريقيا منهمكة لمعرفة مصدر الوثائق المسربة. "إنه سر كبير، ولا بد أن المصدر شخص نافذ يمكنه الوصول إلى جميع هذه المعلومات وإرسالها إلى وسائل الإعلام، لا بد أنه شخص كبير جدا وحاقد جداً، على حد تعبير الدبلوماسي السابق لجنوب أفريقيا في واشنطن، توم ويلر.
اقرأ أيضاً: حرب الجاسوسية تستعر: أميركا في مرمى 140 جهازاً