شهدت صناعة أغلفة الكتب في مصر تطوراً لافتاً في السنوات العشر الأخيرة، سواء على مستوى التصميم أو في جودة الطباعة. وتصدّر فنانو الغرافيتي والكاريكاتير ومصممو الغرافيك ومصورو الفوتوغرافيا مشهد تصميم الأغلفة، بعد أن ظل مقتصراً على الفنانين التشكيليين لعقود طويلة.
لكن هذا التطور واكبه انتشار لظاهرة سرقة بعض مصممي الأغلفة، لتصميمات ورسومات وصور من على شبكة الإنترنت، أو من ملصقات الأفلام، أو من أغلفة الكتب الأجنبية. ولا يكاد يمرّ شهر دون أن يُوجّه إتهام لدار نشر بسرقة تصميم أحد الكتب، رغم سهولة معرفة وكشف هذه السرقات، عن طريق استخدام محركات البحث الرقمية.
واحدة من أحدث هذه السرقات؛ تعرضت لها فنانة الغرافيتي المصرية الشابة إيناس عوض، حين فوجئت بوجود أحد رسوماتها على غلاف كتاب "شجرة، وطن، دين .. رسائل واحد مصري" للشاعر وليد علاء الدين، وتصميم الغلاف للجزائري خالد بزوم.
تقول إيناس في حديثها لـ"العربي الجديد": "الصورة الموجودة على غلاف الكتاب، واحدة من الرسومات التي صمّمتها، أثناء مشاركتي في مشروع غرافيتي لتمكين المرأة بعنوان "ست الحيطة" في عمّان بالأردن، وفوجئت عندما شاهدت غلاف الكتاب، ووجدت الرسمة مع بعض التعديلات البسيطة، دون الإشارة مطلقاً لكون هذه اللوحة من أعمالي".
تُشير إيناس إلى أنها تواصلت مع مؤلف الكتاب، وبدوره تواصل مع مصمم الغلاف خالد بزوم، الذي قدم اعتذاراً ونشره على صفحته الشخصية على فيسبوك، موضحاً أنه أخذ فكرة التصميم من صورة مجهولة شاهدها على الإنترنت، ولم يكن يعرف أنها أحد رسومات الفنانة إيناس عوض.
قبلت إيناس الاعتذار مع وعد بذكر اسمها في الطبعات القادمة للكتاب، لكنها لم تحصل على أي عائد مادي، من استغلال عملها الفني؛ "أنا عاشقة للفن قبل كل شيء، ولم أفكّر في الجانب المادي حينما علمت بسرقة التصميم، كل ما كان يشغلني هو استعادة حقّي المعنوي، ومحاولة مواجهة ظاهرة السرقة" تقول إيناس، بينما تبتسم موضحة أن حلمها الرئيسي كفنانة غرافيتي هو استعادة جدران الشوارع من جديد بعد أن تم تأميمها.
الكاتب ومصمّم الأغلفة المصري أحمد مراد، واحد من أبرز الشخصيات التي اتهمت بسرقة العديد من تصميمات وأفكار أغلفة الكتب التي "صمّمها"، يعتمد مراد على اقتباس معظم أغلفته من ملصقات الأفلام الأجنبية، أو باستخدام صور من على شبكة الإنترنت دون الحصول على حق استخدامها أو الإشارة لمصدرها.
مراد الذي عمل مصوراً للرئيس المخلوع مبارك، يملك حرفية عالية في استخدام برامج الغرافيك، وقد ساعدته كثيراً في عمله، في ظل انتقال صناعة أغلفة الكتب من الاعتماد على أعمال الفنانين التشكيليين، إلى الاعتماد على الصور والتصميمات التي تطوّرها برامج الغرافيك، ومن أبرز أغلفة الكتب التي اتهم مراد بسرقتها غلاف رواية "تراجيم" للكاتبة فاطمة الزهراء الرياض، المأخوذ من غلاف كتاب Der Duft des Blutes، وغلاف رواية "آخر أيام الأرض" لخالد المهدي، وقد صدرت الرواية بغلافين منسوخين عن ملصقي فيلمين شهيرين: Conan the Barbarian و The Hills Have Eyes.
يعود تاريخ تصميم أغلفة الكتب في مصر إلى منتصف القرن العشرين، وقد شهدت فترة الستينيات ازدهاراً كبيراً، تحول معه الغلاف إلى لوحة فنية، بعد أن كان مجرد بطاقة ورقية تحمل اسم المؤلف وعنوان الكتاب. شاركت في صناعة الأغلفة وقتها أسماء بارزة من الفنانين التشكيليين، مثل الفنان جمال قطب مصمم أغلفة روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس، والفنان حلمي التوني بعالمه الزخرفي المبهج، والفنان محيي الدين اللبّاد واعتماده على موتيفات ورموز بصرية من الحياة اليومية المعيشة.
لكن العقود التالية شهدت تراجعاً حادّاً في جودة الأغلفة، في ظل تراجع عام للشأن الثقافي. لكن مع بداية الألفية الجديدة، والنجاح الشعبي للعديد من الروايات، وظهور عشرات دور النشر الجديدة، عادت صناعة الأغلفة لصدارة المشهد، وأصبحت تعتمد بصورة كبيرة على مصممي الغرافيك ورسامي الكاريكاتير والغرافيتي، وليس الفنانين التشكيليين فقط.
حول هذا التغيير يُشير الناشر محمد البعلي مدير "دار صفصافة للنشر" إلى أن دور النشر تتعاون مع مصممي الغرافيك من الشباب لسببين: الأول لأن أجورهم أقل من الفنانين التشكيليين، والثاني لأنهم أكثر مرونة ويمكن التفاهم معهم حول تعديل الغلاف، كما أن التعاون مع رسامي الكاريكاتير والغرافيتي يجلب دعاية للكتاب، لأنهم موجودون بقوة على صفحات التواصل الاجتماعي.
من جانبه يقول الفنان ومصمم الأغلفة أحمد سالم: "الكثير من دور النشر لم تعد تتعامل مع صناعة الأغلفة بجدية، وقامت بالسماح بدخول أشخاص ليس لهم علاقة بفن تصميم الأغلفة، بحجة رخص أسعارهم، وبالتالي أصبحنا نجد أغلفة كتب في غاية الرداءة، وأغلفة أخرى ليس لها علاقة بمحتوى الكتاب".
ويضيف: "بعض الناشرين يبحثون عن أي صورة للغلاف بدون النظر لقيمتها الفنية، المهم أن تُرضي صورة الغلاف الكاتب، الذي يقوم بدفع ثمن الكتاب بالكامل، وبالتالي تكون النتيجة النهائية منتجاً ثقافياً رديئاً".