أغاني العائدين

14 مايو 2015
+ الخط -
أريد أن أسمع حكايات عن هواتف ذكية عادت إلى أصحابها من تلقاء نفسها بعد أن تمت سرقتها بالإكراه على أيدي لصوص يشهرون عليك سلاحهم أثناء عودتك إلى وحدتك في الساعة الثانية بعد منتصف الليل لاستئناف القراءة في رواية لموراكامي لا تريد لها أن تنتهي حتى تجد إجابات تستطيع أن ترد بها عليها حين تسألك لماذا عدت الآن؟ 

أنا لا أعرف كيف أشرح لها ولا أجد إجابات على أسئلة الأطفال الذين يسألون عن أين ذهب آباؤهم؟ ولماذا تأخروا في العودة؟ وهل حقاً هم عائدون؟ كما وقفت عاجزاً أمام أسئلة ابن أخي. لذلك أنا أكره علامات الاستفهام، تصيبني بالإحباط عندما تكون هي الإجابة الوحيدة على رجائك في كل مرة تشعرني بأنني مذنب وتزيد من توترك وقلقك. أكرهها لا لأنني غير مذنب، لكن أنا أعرف ما اقترفت من حماقات ولأن مشاعر الندم قاتلة.

أريد أن أسمع حكايات عن أصدقاء عادوا من تلقاء أنفسهم دون الحاجة إلى عمل محاضر إثبات حالة في أقسام الشرطة غير ذات الجدوى والنفع ودون أن يكونوا مضطرين لتقديم شهادات مرضية أو تبريرات وشروحات تفسّر غيابهم بدون عذر، فنحن بعد أن ننضج ونتخرج من المدرسة لا يوجد ما يجبرنا على الالتزام بالعمل بقوانينها في علاقاتنا. تكفينا عودتهم على أية حال.
اليوم هو السادس على فقداني لهاتفي الذكي وانقطاع خدمات الانترنت، والسابع والثلاثون بعد الألف على آخر مرة هاتفتني فيها. لا بد أن ثمة أشياء قد تغيّرت، أنظمة سياسية أو حدود جغرافية. آخرون دخلوا السجون وآخرون خرجوا منها. أصدقائي الذين يعرفون أصدقاء لهم على صلة غير وثيقة باللصوص أخبروني بأنه من السهل عليهم أن يعيدوا إليّ هاتفي طالما أنني أحفظ جيداً وجه اللص حامل السلاح، وأن المسألة ليست إلا مسألة وقت، لكنني بعد مرور ثلاثة أيام تلاشى وجه اللص من ذاكرتي وصار وجهها بملامحه الطفولية أكثر وضوحاً. لا بد أنه أيضاً قد شابه بعض التغيّر. ربما صار أكثر نضجاً وتفتّحاً. ربما زاده الغياب والبعد قسوة، وهذا لن يساعد أصدقائي في محاولات بحثي. الاستعانة بالشرطة في هذه الحالة غير ذي جدوى أيضاً، فربما يُسمعني المأمور لوماً يُشعرني بعجزي وقلّة حيلتي، ربما يُشعرني بتفاهتي كما فعل زميله رئيس المباحث عندما لامني على سهري خارج البيت حتى منتصف الليل عندما لجأت إليه وكأن الليل صار ملكاً للّصوص فقط. أنا أصلاً آخر ما أود سماعه في حالتي هو اللوم و"التقطيم".

أريد أن أسمع حكايات عن العائدين وأغانيهم، وأحب قراءة قصص من كتبوا عن سجنهم. عندي يقين بأن ما من مسجون يقضي مدته كاملة في السجن سيمنحني فقدي لهاتفي الذكي الوقت لقراءة المزيد منها، ويقين آخر متزعزع بأنني ربما سأنتهي من كتابة رواية عندما أبلغ الخمسين من عمري، وأتذكر بين الحين والآخر بأن لي أصدقاء يحبونني، لذلك أتمسك بسماع الحكايات والأغاني، حتى يعاود هاتفي رنينه، حتى لا اعتاد الاستيقاظ وحيداً.


(مصر)
المساهمون