على ما يبدو أنّ أطفال قطاع غزّة لن يغادروا فناء مدارسهم لقضاء إجازتهم الصيفية، فبعد تحرّرهم من المقاعد الدراسيّة عادوا إليها مرّة أخرى؛ بسبب افتقار مدينتهم المغلقة لوجود أماكن ترفيهية، وتهالك متنزّهاتها، وكذلك الحصار.
فلم تقتصر المدارس الغزيّة على كونها أماكن لجوء للنازحين من الحروب التي استهدفت القطاع، بل اتسعت لتكون أيضًا مخيّمات صيفيّة تعقد فعاليتها ضمن 115 مدرسة تساهم في أسابيع المرح التي تنظّمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا".
يشارك في هذه المخيّمات نحو 200 ألف من الطلاب، في أنشطة ما بين كرة القدم للفتيان وكرة السلة للفتيات، وبين الرسم، والحرف اليدويّة، والقلاع "نطاطة"، وكذلك لعبة "الترامبولين" للأطفال الأصغر سنًا.
بينما كانت تعلو ضحكات الأطفال المشاركين لعبة القفز في ساحة مدرسة بيت لاهيا شمال قطاع غزّة، كان الطفل يوسف صالح 14 عامًا يتحدث عن إجازته قائلًا: "بحب الإجازة كتير واللعب فيها بس إحنا بغزة ما عنا أماكن كثيرة نروح عليها مشان هيك بنشارك بألعاب الصيف وبنقضي أيّام الإجازة".
كانت تظهر على الطفل ملامح السعادة لمشاركته في المخيّم ومحادثة أصدقائه، لكنه ينتقد عدم عقد رحلات ترفيهية خارجه، ولم يستلم الزيّ المخصّص والقبعة والحذاء الرياضي.
وبالانتقال إلى مدرسة بنات غزّة الجديدة، غرب المدينة، حيث تشارك الفتيات في نشاطات متنوّعة، منهن من يقمن بالتلوين، وأخريات يُزيّن الأدوات الفخارية والرسم عليها.
تشارك رزان يوسف (13 سنة)، زميلاتها في الدبكة الشعبية، مردّدة أغاني "زريف الطول" التي تصدح في المكان، تقول الفتاة: "نحاول من خلال المخيّمات الصيفية أن ننسى ظروف المعاناة والحصار المفروض علينا، لكن نفضّل فيما لو كانت هذه الأنشطة في مسارح ومراكز غنائية خارج حدود المدرسة".
وتمنّت المتحدّثة أن تتمكّن، من خلال المخيم، من زيارة الشق الآخر من الوطن، وهنالك ما يقارب الثلاثين طالبًا جاؤوا من الضفة الغربية إلى القطاع هذا العام؛ لمشاركة زملائهم الغزّيين أسابيع المرح.
ومما لا يُخفى أنّ المخيّمات الصيفيّة دمجت ذوي الإعاقة البصرية في مدينة غزّة، بالإضافة إلى سبعة مراكز للتأهيل المجتمعي. كما أعدّت الأونروا القائمة في المخيمات أنشطة خاصّة بكل منطقة مثل "إعادة التفكير وإعادة التدوير" في رفح، ومعرض "إكسبو تك" في خانيونس، وأنشطة باللغة الإنجليزية في المنطقة الوسطى ورسائل البحر في غزّة، وتستضيف منطقة الشمال مبادرة "العدل والمساواة".
كما يستفيد ما يقارب 1971 منشطا يجدون في المخيمات الصيفيّة فرصة عمل لهم، إضافة إلى تمكين الاقتصاد المحلّي في القطاع الذي تعتبر فيه مستويات البطالة من بين أعلى المعدّلات في العالم.
ولأن فرص العمل في تخصّصات التربية الرياضيّة محدودة في غزّة، وقلّما يتوافر منصب شاغر في هذه المهنة، وجدت المنشطة آيات مقداد في عملها بمخيّمات ألعاب الصيف المدرسيّة ضالتها بعد انتظار طال وسط صفوف الخريجين لمدّة خمسة أعوام، حول ذلك تقول: "متحفّزة في العمل ضمن أسابيع المرح، وفيها أشارك تخصّصي الجامعي الذي طالما اجتهدت لتطبيق ما تعلّمته فيه على أرض الواقع وتدريب الفتيات على مهارات كرة السلة وتعليمهن الألعاب الشعبية ولعبة البلالين".
وتستغرق مدّة عمل المنشطين ثلاثين يومًا موزّعين على فترات زمنية، ومجموعات طلابية بمختلف المراحل العمرية، وتتقاضى مقداد يوميا ما يعادل 19 دولارًا.
وتضيف المنشطة أن أطفال غزّة بحاجة ماسّة لهذه المخيمات كوسيلة لتفريغ ضغوطات الحصار والحروب التي استهدفتهم، خلال الأعوام السابقة؛ لإعادة حِس المرح لديهم وإسعاد طفولتهم، حتى وإن كانت ضمن إطار المدرسة، فلا بديل غير ذلك.
وفي مقابلة أخرى، مع المنشّط طارق أبو الطرابيش، الذي يقوم بتدريب الأطفال الناشئين حول مفهوم الجندر وأهميّة تطبيقه في مرحلة مبكرة، بدا غير راضٍ عن انعقاد فعاليّات المخيمات الصيفية داخل ساحات المدرسة، متمنيًا لو كانت تلك النشاطات خارج حدود المدرسة، حتّى تُعطي الطفل مساحة أكبر في الترفيه، وإكسابه مهارات متنوّعة على كافّة الأصعدة.
وعلى الرغم من أن المخيّمات تركز بشكل أوّلي على التخفيف من حدّة الآثار السلبية التي يعيشها الأطفال تحت وطأة الحصار، إلا أنها تبقى في إطار محدود طالما أنها لم تخرج عن الدائرة المدرسية، فالطفل مازال بحاجة إلى بيئة ترفيهية واسعة بقدر اتساع أحلامه.
مدير البرامج الترفيهية التي تنظّمها "الأونروا"، يوسف موسى، أفاد بأن ميزانية أسابيع المرح لا تقل عن مليونين ونصف المليون دولار، وهى فترة قضاء الأطفال في المخيّمات الصيفية الممتدة على طول القطاع الغزي، وتعتمد في ذلك على الاختيار الأنسب للمنشّطين ما بين فنانين، رياضيين، ممرضين، وأخصائيي علاج نفسي من 60 إلى 65، لم يحصل أحد منهم على عمل، مقابل 30% عملوا قبل ذلك.
أضاف موسى أن أسابيع المرح تعدّ فرصة للمساهمة الإيجابية في تعزيز الصحّة النفسية والجسديّة للأطفال اللاجئين في غزّة، استكمالًا لتدخّلات برنامج الصحّة النفسية المجتمعية في "الأونروا"، وتوفر بيئة لعب حرّة ومتساوية للفتيان والفتيات، كما تساعدهم في تطوير آليات تكيف إيجابية مع الضغط النفسي.
وعزا سبب انعقاد نشاطاتها في مدارس الغوث إلى صغر مساحة قطاع غزة ومحدودية الأراضي الخالية التي لا تستوعب الكم الهائل من الطلاب المشاركين وبلغت نسبتهم حوالي 85% من الأطفال، وعَقّب على امتناعهم عن القيام برحلات صيفية بأن الأماكن العامة والمتنزّهات تفتقد لإجراءات السلامة، ونسبة تلوث البحر الذي اعتاد أن يستجم فيه الأطفال وصلت إلى أكثر من 73%، حسب بيان سلطة جودة البيئة في قطاع غزة. وبسبب ذلك يتّخذ أطفال القطاع المحاصر من مدارسهم مكانًا للترفيه، مستثمرين وقت إجازتهم الصيفيّة حتى لا تذهب سدًى، فلا خيارات أمامهم غير ذلك.