لا يزال الفتى رائد مرار (16 عاماً)، وهو من أبناء حي الطور المقدسي، يتذكر، بدقة، تفاصيل اعتقاله واقتياده إلى مركز شرطة صلاح الدين في القدس المحتلة. مرار خضع لاستجواب قاس، تخلله ضرب وصفع وتنكيل بجسده الفتي. حدث ذلك قبل نحو شهرين، بينما كان يلهو مع أقرانه بالقرب من مدرسته (الأيتام الإسلامية).
يومها مرّت دورية لحرس الحدود بالقرب منهم، فأصابتها أغصان أشجار كان الفتية يتقاذفونها في ما بينهم. وعلى الفور قفز الجنود وبدأوا بملاحقة الفتية.
تمكن زملاء رائد من الفرار، لكنه وقع في أيدي جنود الاحتلال، بعد سقوطه عن جدار خلال محاولته الهرب، ليحاصره جنود الاحتلال، قبل أن يوجّهوا له صفعات أيديهم وركلات أرجلهم.
حدث كل ذلك قبل الوصول إلى مركز شرطة الاحتلال، عند مدخل شارع صلاح الدين، فهناك معاناة أخرى.
يروي مرار، لـ"العربي الجديد"، تجربته في الاعتقال. يقول: "لم يتوقف جنود الاحتلال عن ضربي وصفعي، وكلما أخبرتهم أننا لم نقذف الدورية متعمدين، ازداد عدد الصفعات التي أتلقاها قوة وعنفاً".
ويتابع "توقف الضرب بعدما حضر أحد المحققين، وأمرني بخلع كل ملابسي رفضت تنفيذ طلبه، إلا أنه وجه صفعة جديدة لي، وألقى بكل قوته، ما تسبب في إيقاعي أرضاً، لعيمد جنود الاحتلال إلى نزع ملابسي رغماً عني".
لم يقتصر إذلال الفتى المقدسي على نزع ملابسه، بل تعداه إلى تفتيشه في مناطق من جسده، بحثاً عن الممنوعات، على حد زعم عناصر جيش الاحتلال.
بعد ذلك، نقل مرار إلى معتقل المسكوبية في القدس الغربية، وهو من أسوأ المعتقلات الإسرائيلية، قبل أن تقديمه لقاضي محكمة الصلح. الأخير أمر بالإفراج عنه شرط الحبس المنزلي لمدة أسبوعين.
تحولت تفاصيل اعتقال مرار، بكل وحشيتها، إلى كابوس يلاحقه خلال ساعات الليل.
يصف والد مرار ما حدث لابنه بـ "الجريمة". ويصرّ على ضرورة مساءلة المحققين ومعاقبتهم، الذين لن يجرؤوا، بحسب أبي رائد، على فعل الشيء نفسه مع فتى من المستوطنين.
ما حدث مع مرار يتكرر مع الكثير من الفتية المقدسيين، بدءاً بالاحتجاز غير القانوني، وصولاً إلى التنكيل النفسي والجسدي.
هذا ما يؤكده مدير نادي الأسير في القدس، ناصر قوس، الذي يشير إلى أن التفتيش في "مناطق حساسة" من أجساد الفتية، كان يقتصر على مهربي المخدرات ومتعاطيها من البالغين وكبار السن. أما أن يحدث هذا مع قاصرين، فيعني أن ثمة جريمة ترتكب، وانتهاكاً فظاً لخصوصياتهم، ما يعني حاجتهم إلى علاجات نفسية ومتابعة دائمة.
يتحدث قوس عن 40 طفلاً مقدسياً، دون سن الثامنة عشرة، معتقلين لدى قوات الاحتلال، بعدما صدرت بحقهم قرارات من محاكم مدنية وعسكرية إسرائيلية. كذلك يشير إلى تسجيل أكثر من 500 حالة اعتقال، غالبيتها من الفتية والأطفال، خلال العام الماضي، في حين وصل عدد هؤلاء، في الربع الأول من العام الجاري، إلى نحو 200 طفل وفتى.
ويوضح أنهم أخضعوا جميعاً لعقوبات مزدوجة من الاحتجاز في المعتقل، ثم الحبس المنزلي لفترات تتراوح ما بين أسبوع وستة أسابيع، فضلاً عن فرض غرامات مالية على عائلة الفتى. وهو ما يضاعف العبء الاقتصادي على العائلات، التي تعاني، أصلاً، من أوضاع معيشية مزرية.
عبد الرحمن اسحق الزغل فتى آخر، من أبناء منطقة رأس العمود شرق البلدة القديمة، تعرّض للاعتقال بتهمة استهداف جنود الاحتلال بالحجارة.
حكمت إحدى محاكم الاحتلال على الفتى بالإقامة الجبرية المنزلية، ورفضت المحكمة إلغاء حكمها، بعد صدور قرار آخر قضى بإبعاد الفتى إلى تل أبيب، حيث يعمل أحد أشقائه، ليقيم عبد الرحمن مع عمه أكثر من 30 يوماً.
يروي عبد الرحمن، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل ما جرى معه، يقول: "اعتقلت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2009، خلال مواجهات مع جنود إسرائيليين في ذروة أحداث اقتحام المسجد الأقصى من قبل مجموعات يهودية، ومكثت لمدة أسبوع في سجن المسكوبية..
ومن ثم أحلت إلى المحكمة المركزية، التي قررت إبعادي عن مكان سكني في حي رأس العمود إلى تل أبيب، مكان عمل شقيقي الكبير.
وأضاف "مكثت لديه مدة شهرين، إلى حين انعقاد الجلسة الثانية للمحكمة، التي أقرت بعودتي إلى مكان إقامتي الأصلي، مع استمرار فرض الإقامة الجبرية علي".
وعن آثار تجربة الاعتقال، يقول عبد الرحمن: "خلفت التجربة، ولا سيما الإقامة الجبرية، لدي إحساساً بالغربة والقهر". وأضاف "كنت أمكث بالبيت وحيداً،.. ما جعلني في حالة نفسية صعبة".
ومضى يقول: "بعد عودتي إلى بيتي في القدس لم أتحرر من سجني، اذ تم تقييد حريتي مرة أخرى بعدم مغادرتي البيت إلا للمدرسة وبرفقة أحد والدي". وهو ما يشكل، بحد ذاته، عبئاً على العائلة، نتيجة مرض الأب وعمل الأم لتعيل الأسرة المكونة من ستة أفراد.
تعلق الأسيرة المحرّرة، ومديرة مركز رأس العمود التعليمي، منية القاسم، على حالات اعتقال الأطفال المقدسيين بالقول: "تؤدي العقوبات المفروضة على الأطفال والفتية إلى حدوث تشوّهات نفسية، تنعكس في سلوكهم؛ فمنهم من يلجأ للانطواء على الذات، ومنهم من يعيش حالة عنف تجاه الأسرة".
وتضيف "بل إن بعضهم ينظر إلى نفسه بأنه رجل قبل الأوان، وينتابه شعور بالفخر والاعتزاز بنفسه، وهذا ليس صحياً وسليماً، وعليه نسعى إلى التواصل الدائم معهم والوصول إليهم حتى في منازلهم، لنقدم لهم ما نستطيع من مساعدة".