أصوات أخرى

14 مارس 2016
صوت فيروز كل صباح (Getty)
+ الخط -
فيروز كل يوم، منذ عقدين ونصف، صباحات تتكرر، وجوه لا تتغير، حفر في القلب، يا برد ما زال هناك قطعة تستطيع أن تنهشها، تستطيع أن تخلد فيها للأبد.

أخي صحا منذ يومين حادثني قليلا، لا أسمعه جيداً، بجانبه صديقي لم يصحُ حينها، صورة متكسّرة، صوت متقطع، أخي مسافة أيضاً، حجم من الحب لا يصاب بالبرد، صديقي كتلة دفء لو تصحو فقط.

أمي ترسل أدعيتها للسماء، أسمع الدعاء أيضاً، كل هذا الدفء يا قلب، أمي كتلة نبض، أنفاس، صوتها يلعن كل هذا البرد، يجعله ينهش نفسه، أمي كانت ولاتزال في ثوب المخمل المُفصل في الأعياد، وجه أمي تقاسيم عود، تفاصيل ودموع مازالت تسكب لنكبر، لكأننا غرس، كل شيء صعب بلا أم، حتى الجنة التي لا تطؤها وأمك افترشتها لك، مجرد جهنم مجملة، دقائق وينقطع الاتصال، دقائق يا أمي ثم ينهشني البرد، وتتسع رقعة جهنمي المجملة.

صديقي يكتب عن وحدته، صديقتي تكتب عن وحدتها، نحن كوم قش بلا اشتعال، تحت البرد نارنا الصغيرة، كومة قش في كل مكان، صوته يشي بحزن علينا، صوتها يشي بفرح قادم، أمل يوزع كل دقيقة، ثم يخمد في الثانية الأخيرة، حين الريح تباعد كل هذا القش إلى منافٍ أخرى.

صوت فيروز أكثر من ذي قبل، "خايف أقول الي بقلب"، وجوه تحتسي القهوة كل يوم لا أعرفها، ولا تعرفني، صار اسمي صانع القهوة على الرصيف، صوت فيروز أكثر، "باعدتنا الطريق عن طريق العتيق، ألف وجه كل يوم مع البرد، ألف كومة قش لنيران أخرى لا أعرفها، تقاسمني الغربة والوطن، كأننا خلقنا لكل هذا الحزن، فقط.

الوطن، الغابة والبنادق التي تجبرنا على فضح أسمائنا الأصلية، وأرقام خاناتنا، حواجز التفتيش عواصف تزول، تعصف وتشتد في الغربة، في الوطن، تحت اللحى، بين الأظافر، ثم تخمد في كل أذار حين ننصت لصوت مستقبلنا الذي لم يتوقف منذ دهر، "جاي النصر وجاي الحرية".
ألو…. ألو.


لا كهرباء، لا أصدقاء إذاً، صوت فيروز أيضاً، "بيتي انا بيتك"، المسافة كيلو متر واحد، أربعة وجوه لنار لا تخمد، لقلبي الذي لا يرتجف برداً هناك، غادرونا على مهل، رقصنا معهم كوطن ينتفض ليحيا، كشعب يعرف أركان أرضه فيزأر في وجه كل شيء، ثم ما يلبث أن يقتله البرد في كل وداع، هناك هم أيضاً كومة قش صغيرة، نيرانها بعيدة، لكن الريح لا تقوى هناك، تصفر، تعوي، وتذهب وتبقى كأثر قبلة، انطبعت ثم غارت في القلب الفارغ كصحراء كل ما فيها، كومة قش تتدحرج، بلا نهاية.


إقرأ أيضاً: بيانو أبيض كبير..في مخيم على الحدود اليونانية المقدونية
دلالات
المساهمون