تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "يمكن للقارئ الإيراني أن يرى نفسه في رواية كاتب عراقي أو كويتي أو فلسطيني أكثر من أي رواية غربية"، يقول المترجم محمد حزبائي زاده.
■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
- وُلدت في عائلة عربية وترعرت في مجتمع عربي، لذلك كنتُ قريباً من اللغة العربية. ثم دخلت المدرسة، وبما أنّ اللغة الرسمية والسائدة في النظام التعليمي هي اللغة الفارسية؛ لم تتوفّر لي فرصة تعلُّم القراءة والكتابة باللغة الأمّ. سنحت لي فرصة صغيرة عبر تعلُّم الفرائض أن أطلع على جماليات اللغة العربية الفصحى. كأنها ومضات تكشف لي ما ينتظرني خلف هذه اللغة. ودخلت الثانوية وحصلت على فرصة للتعرُّف على اللغة العربية عن طريق مادة العربية، ثم حان دور الجامعة، وكانت أفضل فرصة بالنسبة إليَّ حينها، والسبب يعود إلى وفرة الكتب العربية. كتب أدبية وفكرية وأيضاً مجلّات. حين عملتُ كصحافي، دخلتُ تجربة أول ترجمة، تتلخّص في نصوص صحافية وأخبار ونصوص قصيرة.
■ ما أول كتاب ترجمتَه وكيف جرى تلقّيه؟
- كما أيّ مترجم لن ينسى العلاقة التي جمعته مع أول كتاب. إنه الحوار المطوّل لعبده وازن مع محمود درويش، وجدتُه في مجلّة "الكرمل" وعملت عليه. ثمّ أضفت إليه عشرة نصوص شعرية لدرويش. كنتُ أريد أن تصدر النصوص باللغتين، ولكن للأسف رفضت دار النشر هذه الفكرة، بينما كانت فكرتي اختيار نصوص تحاول تغطية كل أعماله الشعرية لكي تساعد القارئ الإيراني على التعرُّف إلى محمود درويش والنقلات الشعرية التي مرّ بها. وأصارحك؛ لم يحصل الكتاب على إقبال واسع.
رغم سيطرة الأسماء اللامعة فإنّ الوضع أفضل من السابق
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
- آخر كتاب صدر لى ترجمة رواية "يا مريم" للروائي العراقي سنان أنطون. أمّا الترجمات التي ستصدر لي قريباً، فأنا أنتظر الآن نُسَخَ ترجمة رواية "مقتل بائع الكتب" للروائي العراقي سعد محمد رحيم، ثم ترجمة رواية "طقس" للروائي أمير تاج السر الذي سبق وترجمت له روايتين: "العطر الفرنسي" و"صائد اليرقات"، وقد حصلت كلتا الترجمتين على إقبال جيد، خاصة ترجمة "صائد اليرقات"؛ إذ وصلت إلى الطبعة الرابعة. ومن الترجمات التي أنجزتُها رواية "النبيذة" لإنعام كجه جي. وقبل أربع سنوات صدرت ترجمتي لروايتها "سواقي القلوب". وتنتظر ترجمة رواية "السبيليات" للروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل ترخيص وزارة الإرشاد لترى النور. وأنجزت أيضاً ترجمة رواية "سيّدات القمر" لجوخة الحارثي، والتي ستصدر عن قريب. قبل أيام، أكملت ترجمة رواية "فهرس" لسنان أنطون ورواية "النوم فى حقل الكرز" للمغترب العراقي أزهر جرجيس.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
- لا أواجه مشكلةً خاصةً كمترجم من الأدب العربي. توجد صعوبات، لكنها تشمل كل من يعمل فى هذا المجال. لقد تغيّرت النظرة بالنسبة إلى الأدب العربي وتحسّنت أوضاع الترجمة و طباعتها نسبياً. لدى أكبر دور النشر في إيران الآن قوائم للكتب العربية التي تشغل اهتمامها. رغم أنّ الحصة الكبرى تذهب إلى الأسماء اللامعة، ولكني أرى مجالاً متاحاً أفضل من السابق بكثير. ويعود الفضل للمترجمين واختياراتهم ومستوى عملهم. فمع دخول كلّ اسم جديد تتغيّر النظرة إلى الأدب العربي المعاصر.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
- أتفق معك، لا ننسى أنه حتى في الأدب يُعطى الشعر الأهمية. وهناك أسماء تتكّرر، من أبرزها نزار قباني. هناك مشروع ترجمة يقوم به شخص واحد وهو الأستاذ السيد باقر آل مهدي، بدأه بكتب للمفكّر المغربي محمد عابد الجابري. لكن بشكل عام هناك أزمة في ترجمة الكتب المعرفية والفكرية في المجتمع الإيراني، ويعود سببها إلى عدم اقبال الناس عليها. وقد يكون السبب اجتماعياً. قد يكون من المفيد قبل ترجمة أعمال المفكّرين أن يقدّمهم المترجم عبر طرح أفكارهم بصورة ملخّصة كمقالات أو مختارات فكرية، ثمّ في الخطوة الثانية تُترجَم أعمالهم. لكن بصورة عامة الاهتمام بترجمة الكتب الفكرية والمعرفية الآتية من العالم العربي لا يُقاس مع الترجمات الأدبية.
نقص فادح في ترجمة الكتب المعرفية والفكرية إلى الفارسية
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي، أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟
- لا يوجد أيّ تعاون، وكلّ ما في الأمر مبنيٌّ على اختياراتي وتواصلي مع الكتّاب مباشرة. أتمنّى أن يكون تواصل وتعاون، أو على الأقل فتح أبواب للمشاركة في معارض الكتب والندوات للتعرُّف بشكل مباشر على آخر ما يصدر باللغة العربية.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
- هنا أحبّ أن أنقل تجربة شخصية قد تساعد في الإجابة! حين قدّمتُ ترجمة رواية "العطر الفرنسي" و"صائد اليرقات" لدار نشر "هيرمند"، سألني مدير الدار: هل أنت كاتب الرواية أم مترجمها؟ سألته عن سبب توجيه مثل هذا السؤال، فأجابني: كأنّ الأحداث والشخصيات حدثت وتعيش هنا في هذا المكان! وهذا يعني أنّ هناك وجوه تشابه أكثر بكثير من شمال أوروبا أو أميركا الشمالية. يمكن للقارئ الإيراني أن يرى نفسه في رواية كاتب عراقي أو كويتي أو فلسطيني.
بطاقة
وُلد محمد حزبائي زاده لعائلة عربية في قرية "الرحيمانية" من ضواحي مدينة "المحمّرة" عام 1967. درس في جامعتي مشهد وطهران وعمل في الصحافة، قبل أن ينتقل إلى الترجمة من العربية إلى الفارسية، حيث ترجم روايات: "حين تركنا الجسر" لعبد الرحمن منيف، و"النبيذة" و"سواقي القلوب" لإنعام كجه جي، و"العطر الفرنسي" و"صائد اليرقات" لأمير تاج السر، و"يا مريم" لسنان أنطون. ويصدر له قريباً: "مقتل بائع الكتب" لسعد محمد رحيم، و"السبيليات" لإسماعيل فهد إسماعيل، و"سيّدات القمر" لجوخة الحارثي. وكان أول عمل ترجمه عام 2010 عبارة عن حوار مطوّل مع محمود درويش أجراه عبده وازن.