أسماك سامة في بحر غزة... تفريعة قناة السويس تدمر البيئة البحرية للقطاع

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
28 يونيو 2018
304B2675-53A0-43C1-AA0A-D1941DC8A1EA
+ الخط -
يتوخى الأربعيني الغزي أحمد النجار، حذره الشديد أثناء نزع سمكة البلامة السامة من شباك صيده، إذ يوجد السم أسفل الأشواك المتواجدة على ظهر السمكة التي تعيش بالمناطق الساحلية بالبحر المتوسط، وفق ما يوضحه الموقع الرسمي للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية في مصر.

وانتشرت البلامة واسمها العلمي Echiichthys vipera والمعروفة بين صيادي غزة بـ"عقربة النيل" وغيرها من الأسماك السامة قبالة شواطئ غزة خلال العامين الماضيين، كما يقول النجار، والذي لم يكن يعرفها من قبل رغم أنه يعمل بالصيد منذ 26 عاما.

ويربط النجار في إفادته لـ"العربي الجديد"، بين انتشار سمكة البلامة وغيرها من الأنواع السامة، بافتتاح مصر التفريعة الجديدة لقناة السويس، في شهر أغسطس/آب عام 2015 إذ بدأت "البلامة" وما يعرف بسمكة "الأرنب أو القراض" ( Rabbitfish) والمعروفة علميا بـ Lagocephalus sceleratus بالانتشار في مياه غزة، وتننتمي لعائلة الأسماك المنتفخة (Tetradontidae) ويرجع خطرها إلى أنها تسبب تسممات هضمية خطيرة جدا بسم تيدرودوتاكسين، وتتواجد السمكة في المناطق الساحلية بالبحرين الأحمر والأبيض وخليج السويس، وهي سمكة خطيرة غير عدائية تنفخ نفسها عند الشعور بالخطر استعداداً للهجوم، وتتواجد السموم في الكبد والأمعاء والجلد والمناسل والخياشيم، ولا توجد في اللحم، وفق تأكيد النشرة العلمية للهيئة العلمية للثروة السمكية الصادرة في إبريل/نيسان من عام 2009، وكذلك سمكة Terapon puta المعروفة بين الصيادين بـ"الجاسوس أو البامية"، وتعرف في مصر والخليج بـ"سمكة الزمرور"، وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، أستاذ العلوم البيئية المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية في غزة، والباحثة هدى أبو عمرة، التي أجرت دراسة ضمن رسالة ماجستير يشرف عليها عبد ربه، حول الأسماك الغازية، وكشفت بأن 38 نوعا من تلك الأسماك وصلت خلال الأعوام الثلاثة الماضية للحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، من بينها 22 نوعا خطرا، غالبيتها قادمة من البحر الأحمر، عبر تفريعة السويس، بما يشكل 29.69%، من مجموعة الأسماك العظمية الموجودة في البحر المتوسط.

وتملك الأسماك العظمية هياكل مكوّنة من العظام، على عكس الأسماك الغضروفية، والأغلبية العظمى من الأسماك تنتمي إلى هذا النوع شديد الانتشار كما يؤكد المختصان.



مصادر الأسماك السامة الغازية

تمنع بحرية الاحتلال صيادي غزة من العمل في كامل مساحة شاطئ القطاع، التي تبلغ 41 كيلومترا، إذ تحرمهم من العمل في المنطقة الغنية المليئة بالسمك وتترك لهم 35 كيلومترا من بين مساحة الشاطئ بعمق ستة أميال بحرية فقط، في ظل منع الصيادين من العمل مسافة 3 كيلومترات شمال قطاع غزة "حدود القطاع مع كيان الاحتلال"، ومسافة مثلها جنوب القطاع على الحدود مع مصر.

ويحدد عبد ربه مصادر الأسماك السامة الغازية لبحر غزة كما يقول، بقناة السويس القديمة والتفريعة الجديدة، إذ كانت تلك الأسماك تدخل بأعداد بسيطة في الماضي، لكنها زادت بشدة بعد التفريعة الجديدة، والتي تعد مصدراً لحوالي 65% من هذه الأنواع التي تصل من البحر الأحمر.

والمصدر الثاني والحديث لأستاذ العلوم البيئية المشارك عبد ربه، هو مضيق جبل طارق، حيث تصل أنواع من المحيط الأطلنطي، معظمها يستوطن الحوض الغربي للبحر المتوسط، كما تصل عبر خزانات البواخر العملاقة، التي تملأ بالمياه قبل تحرك السفن، بهدف إحداث نوع من التوازن على متن السفينة، ثم تفرغ هذه الخزانات حمولتها في الموانئ القريبة من شواطئ القطاع مثل موانئ الاحتلال أو الموانئ اللبنانية والمصرية، بعد إنزال البضائع والنفط، وهذه المياه قد تحمل بيضا أو أسماكا صغيرة، تنتقل للمتوسط.



الأنواع الخطرة

رصدت الباحثة أبو عمرة العديد من أنواع الأسماك الغازية في بحر قطاع غزة، أهمها سمكة الأرنب "القراض"، ومن ضمن أنواعها الأرنب المرقط السام "SILVER CHEEKED PUFFERFISH" وأرنب إكليل الرأس"smooth puffer"، وأرنب بني مرقط Tylerius spinosissimus"، إضافة لسمكة الأسد وتسمى red lion حيث تشبه الأسد في منطقة الرأس وهي سامة جداً.

وأوضحت أن هذه الأنواع ومعها القرموط البحري، وهي أسماك تشكل فصيلة Clariidae من رتبة Siluriformes، وبها أشواك وغدد سامة وغير صالحة للأكل، يحبذ التخلص منها، وحتى عدم لمسها، وإن بدا شكلها جميلا وجذابا، قائلة "قد يجذب المظهر البعض للمسها فيقع فريسة لسمها".


مخاطر تهدد صيادي القطاع

تحذر الباحثة هدى أبو عمرة والدكتور عبد ربه من مخاطر هذه الأسماك، إذ أكد كلاهما أنها تشكل تهديدا خطيرا وجديا للبيئة البحرية في الحوض الشرقي للمتوسط، إذ تلاحق الأسماك المستوطنة، وتغير الطبيعة البحرية.

وأوضح عبد ربه لـ"العربي الجديد"، أن غالبية الأسماك التي تصل من البحر الأحمر عبر قناة السويس، وتستوطن الحوض الشرقي من البحر المتوسط ويشمل "سواحل فلسطين، لبنان، سورية، وتركيا"، سامة وشرسة، ولا تجد في المتوسط أعداء طبيعية لها تحد من انتشارها، وبالتالي فهي تنتشر وتتكاثر بسرعة، والأخطر أنها تهاجم الأسماك المستوطنة "الأصلية"، وقد تفتك بها، وبالتالي تتراجع أعداد هذه الأسماك على حساب الأنواع الغازية.

بينما تؤكد أبو عمرة أن فتح تفريعة قناة السويس الجديدة أتاح للأسماك باب هجرة جديدا من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ما يسبب تدميرا متتاليا للبيئة البحرية، كما تهدد الأسماك الغازية النظام البحري وتعمل على تدمير موائل (بيئات) الأسماك المحلية، وتشكل تهديدا على مستقبل الأنواع المستوطنة من الأسماك التي يعرفها الصيادون، ويتناولها السكان.

لكن عبد ربه لفت إلى أن بعض الأسماك الغازية التي تجد لها أقرباء من نفس النوعية في البحر المتوسط من الممكن أن تتزاوج معها، وتنتج أجيالا جديدة، وبالتالي تحدث تغيرات جينية على أسماك معروفة، وهي ظاهرة تسمى علميا بـ"الفقد الوراثي".

وتشكل الأسماك الغازية معضلة للصيادين، سواء الهواة أو المحترفين، بحسب ما يقوله الخمسيني رائد كلاب الذي يعاني من انتشار تلك الأسماك عديمة الجدوى الاقتصادية والممتلئة بالأشواك السامة، في البحر ما يجعلها تطرد كل الأنواع الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى امتلاء شباكه بها كما أن سمكة القراض أو الأرنب، التي تمتلك أسنانا حادة وقاطعة، تقطع الشباك وخيوط الصيد، وتنهش الطعم، ما يكبد الصيادين خسائر، تدفعهم لتجنب رمي صناراتهم وشباكهم في البحر لأيام، كما يقول الصياد أكرم نصر، مبينا أنه بسبب "سمك الأرنب توقف لفترات طويلة عن وضع شبكته على مسافة قريبة من الشاطئ، نظرا لما تسببه تلك السمكة من خسائر كبيرة، بقرضها الشباك بأسنانها الحادة".

خسائر كبيرة لصيادي القطاع بسبب الأسماك الغازية والسامة (العربي الجديد)



أسماك غير مجدية

تعد الأسماك الغازية في مجملها غير مجدية اقتصادياً، إذ أنها صغيرة الحجم، تحوي أشواكا سامة تخدع الناظرين لكونها مزركشة وملونة، ولا تفيد الصيادين بشيء، في ظل خطورتها عليهم، كما تكلفهم خسائر كبيرة جراء قرض وتقطيع الشباك، كما يقول الدكتور عبد ربه.

بينما ضربت الباحثة أبو عمرة مثالاً لبعض الأنواع السامة وخطرها، وهو سمك القرموط البحري، وهو يختلف عن أسماك القرموط التي تعيش في المياه العذبة، لكن التسمية جاءت لاشتراك النوعين في الفصيلة، إذ يشكو الصيادون بكثرة ألما شديدا جدا أحياناً يؤدي إلى تشوهات في أصابع اليد في حال تعرضوا للوخز، لما يحويه هذا السمك من سم مركز في أشواك منطقة الرأس، وهو ما يؤكده الباحث في التنوع الحيوي والبيئي بسلطة جودة البيئة الحكومية أيمن دردونة، والذي يعتبر أن تفريعة قناة السويس الجديدة زادت وسرعت من عمليات تنقل الأسماك والكائنات البحرية من البحر الأحمر في اتجاه الحوض الشرقي للبحر المتوسط، حيث تصب هذه التفريعة في مسافة تقدر بـ 200 كيلومتر ما بين التفريعة الجديدة وقطاع غزة.


أنواع مفقودة

تراجعت أنواع الأسماك الاقتصادية بالقرب من شاطئ غزة كما يقول الصيادان أحمد موسى وبهاء عبد الله، واللذان أشارا إلى أنهما وباقي الصيادين لاحظوا تراجعا كبيرا في وجود بعض أنواع الأسماك المستوطنة التي اعتاد الصيادون على إخراجها من البحر في بعض المواسم، خاصة النوعين الأكثر شهرة المرمار والمعروف شعبيا بالمرامير، وهو سمكة رملية، وتفضل الرمال البيضاء وتعيش على اللافقاريات والقشريات، ويتواجد سمك المرمار بكثرة في البحر المتوسط، خصوصا في خط الساحل الشمالي، والاسم العلمي له Lithognathus mormyrus ،Pagellus mormyrus، وكذلك سمكة المغازل المعروفة شعبيا بالمزاليط أو البراكودة أو العقام بالتسمية العربية، واسمها العلمي Sphyraena vinidensis، وهي عائلة كبيرة من الأسماك الضخمة المستطيلة الشكل، ويعتقد الصيادان أن الأمر متعلق بانتشار سمكة الأرنب الشرسة، وهو ما أكده أستاذ العلوم البيئية المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية عبد ربه، قائلا إن بعض أنواع الأسماك الغازية شرسة، وتهاجم الأسماك المحلية، ما تسبب في تقليل أعدادها، الأمر الذي يؤكده الصياد بهاء عبد الله، بينما يقف قبالة شواطئ مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، قائلا "حتى إذا نجحنا في صيد هذين النوعين، فإننا في الغالب نخرج رأس سمكة فقط، فمجرد وقوع السمكة في الصنارة تهاجمها أسماك الأرنب وتقوم بالتهامها، فيتبقى لنا رأسها فقط".

حظر بيع الأسماك السامة

تحظر لجنة الرقابة العليا للأغذية، المشكلة من وزارتي الصحة والاقتصاد الوطني بيع سمكة الأرنب السامة، وفق ما تؤكده رباب عاشور مديرة مديرية الاقتصاد الوطني بمحافظة خان يونس، والتي قالت إن سبب الحظر "يرجع لما لها من أضرار خطيرة على من يتناولها، قد تصل إلى حد الوفاة أحياناً".

وأكدت عاشور أن منع هذه السمكة كان عبر خطين متوازيين، الأول تحذير الباعة من وضعها على بسطاتهم، ومصادرة أي كميات منها، ومعاقبة من يبيعها، والثاني نشر حملات توعية وتثقيف لعامة الناس، حول مخاطرها والضرر من أكلها.

وشددت عاشور على أن اللجنة تواصل متابعة كل ما يصل إلى أسواق القطاع من سلع جديدة، سواء أسماكا أو غيرها، وتقوم بفحصها، والتأكد من سلامتها، وفي حال كان هناك خطورة منها يتم حظرها فوراً، قائلة "نمنع بيع الأسماك التي يتواجد السم في لحمها مثل الأرنب، أما الأسماك التي تحوي أشواكها سموما مثل سمكة البلامة فخطرها فقط عندما تكون حية، وحين تشك الصياد، لكن لحمها خال من السم".

لكن الصياد محمود منصور يرى خطورة كبيرة في سمكة البلامة، بعد أن تعرض للوخز من إحدى تلك الأسماك عبر شوكة الظهر، ما تسبب في شعوره بآلام شديدة، أقعدته في الفراش لثلاثة أيام.

وقال منصور، "ظنناها مغازل، وهو نوع محلي منتشر بكثرة في البحر المتوسط، وبمجرد الإمساك بها لإخراجها من الشبكة شكتني شوكتها السامة، حينها شعرت بألم ودوار شديد، فاصطحبني رفاقي للمستشفى، وتلقيت إسعافات أولية، لكن أثرها امتد لأيام، ومنذ ذلك الحين لا أخرج سمكة من الشبكة حتى أتحقق من نوعها، وأحرص بشدة من الأسماك الجديدة التي نرى المزيد منها بصورة مستمرة".​