أسبوع سياسي فارق في واشنطن: الجمهوريون متخوّفون والديمقراطيون متوتّرون

11 نوفمبر 2019
ترامب متخوف من إجراءات عزله (Getty)
+ الخط -
تدخل رئاسة دونالد ترامب هذا الأسبوع في منعطف نوعي مفتوح، إذ تنتقل إجراءات عزله في فصلها الأول من خلف الأبواب المغلقة في لجان مجلس النواب إلى الشاشة الصغيرة، ومن التحقيقات السرية إلى جلسات الاستجواب العلنية المنقولة بصورة حيّة إلى بيوت الأميركيين ليكونوا العامل المؤثر إلى حدّ بعيد في تقرير نتيجة الفصل الثاني الحاسم من المحاكمة في مجلس الشيوخ. ويأتي هذا الانتقال بعد أسبوع من انتخابات فرعية في ولايتين، حملت إشارات غير سارة للبيت الأبيض والجمهوريين معاً.

في المقابل يمضي الحزب الديمقراطي إلى هذا الطور من الإجراءات بخطى ثابتة، لكن من غير ضمان أن يتجاوب الرأي العام مع قضيته ضد الرئيس، مع ما قد يترتب على ذلك من كلفة سياسية في عام انتخابي. يرافق ذلك قدر من التشكيك في صفوفه بخصوص قدرة مرشحيه على كسب معركة الرئاسة ضد ترامب. وقد انعكس ذلك في احتمال انضمام أسماء جديدة إلى قائمة المتنافسين على الترشيح ولو في هذا الوقت المتأخر، الأمر الذي أثار حالة من البلبلة في أوساط قواعده ومؤيديه.

وبذلك يقف كلاهما على أرضية غير مستقرة، الجمهوري فيها متخوف والديمقراطي متوتر، وإن كان الثاني في وضع أفضل حتى الآن، في المعركتين الانتخابية والقانونية.


بعد غد الأربعاء، تفتتح لجنة الاستخبارات في مجلس النواب أولى جلساتها العلنية للاستماع إلى اثنين من الدبلوماسيين في قضية أوكرانيا: السفير الأميركي بالوكالة في أوكرانيا وليام تايلور، ونائب مساعد وزير الخارجية جورج كنت.

ويوم الجمعة المقبل، تستمع اللجنة إلى إفادة السفيرة الأميركية السابقة هناك، ماري يوفنوفيتش. الثلاثة من الطراز الموثوق، مهنياً وشخصياً. وقد سبق وتم استجوابهم في جلسات مغلقة وكشفوا عن معلومات تراهن اللجنة على مدى فعاليتها عندما يدلون بها أمام الكاميرا لإقناع الرأي العام بأن الرئيس ترامب استعان بجهة أجنبية لمساعدته ضد خصمه الانتخابي وبالتالي ارتكب مخالفة دستورية تستدعي عزله من منصبه.

وتقوم القضية ضد ترامب على أساس أنه سعى إلى مقايضة المساعدة العسكرية لأوكرانيا مقابل قيامها بفتح تحقيق جديد في وضع شركة محلية كان ابن المرشح الرئاسي جو بايدن عضواً في مجلس إدارتها وبما يؤدي إلى إدانته بشكل يلوث سمعة والده ويضعف حظوظه في المعركة ضد ترامب. القضية تتوقف على المدى الذي بلغه الرئيس في سعيه هذا وما إذا كان قد بلغ حدود قبول رشوة سياسية من أوكرانيا مقابل إفراجه عن المساعدة.

الجدل على أشده بين الطرفين، الجمهوري يعترف بأن المحاولة كانت خطأ غير مقبول لكنه لا يرقى إلى مستوى المقايضة التي تنطوي على رشوة. الديمقراطي يؤكد على العكس. حالة من النوع التي تحتمل التفسيرين، إلا إذا جاءت الجلسات العلنية بأدلة دامغة ضد الرئيس. وقد يعطيها مستشار ترامب السابق جون بولتون شحنة زخم كبير إذا تم استجوابه، "لما لديه من معلومات هامة عن هذه القضية". ولهذا لا مبالغة في القول بأن ترامب يجد نفسه الآن في وضع محفوف بالخطر إذا تأثرت أكثرية الرأي العام بحيثيات الادعاء وبما قد يحمل جمهوريين في مجلس الشيوخ على نقل البندقية من كتف إلى أخرى.

وفي اعتقاد جمهور من أهل القانون أن الحيثيات "قوية وتقضي بمواصلة الإجراءات بالسرعة الممكنة"، حسب لورانس ترايب، أستاذ القانون الدستوري في جامعة "هارفارد". والاعتقاد بأن من شأن ذلك أن يتكرر معه السيناريو الذي حصل مع الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في "ووترغيت" ولو أن الظرف الراهن مختلف في معطياته وبيئته السياسية التي تتميز بانقسام نادر بعمقه في التاريخ الأميركي وبما يُستبعد معه انسلاخ الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن الرئيس.

لكن مع ذلك، شبح هذا الاحتمال يحوم فوق البيت الأبيض. وما يعزز تخوف هذا الأخير أن رصيد الرئيس في أوساط المستقلين ومنهم ذوو الميول الجمهورية، قد تآكل حسب ما كشفت عنه الانتخابات المحلية، الأسبوع الماضي في ولايتي كنتاكي أحد معاقل الجمهوريين، وفرجينيا التي كانت أغلبية الكونغرس المحلي فيها بيدهم لأكثر من عقدين من الزمن. مؤشر من شأنه أن يزيد من عدم اطمئنان ترامب.

غير أن هذا الوضع المهدّد للرئيس ترامب لا يوفر بالضرورة للديمقراطيين النوم على حرير الاطمئنان، فهم أيضاً يقفون على أرضية غير متماسكة وإن نسبياً. معركة العزل التي دخلوا فيها، دون كسبها عقبات كبيرة. بناء قضية ملزمة تغيّر وجهة الرياح السياسية خاصة في مجلس الشيوخ، مسألة صعبة إلا إذا كانت نخب المؤسسة قد وصلت إلى قناعة تامة بأن الكيل قد طفح وأن الوضع الراهن ما عاد من الممكن استمراره. لكن هذا من نوع الرغبات التي يبديها البعض من دون توفر ما يسوّغها.

في الوقت ذاته يواجه الحزب الديمقراطي متاعب انتخابية قد تتحول إلى عوائق فعلية في طريق معركته الرئاسية. المرشح الأقوى منذ البداية، جو بايدن، بدأت أوضاعه تهتز ورصيده ينكمش. هو تفوق على الآخرين على أساس أنه "الأصلح" والأكثر مقبولية كبديل للرئيس ترامب. هذه الحسابات بدأت تضعف لصالح من يخشى الديمقراطيون أنهم "غير مقبولين من أكثرية الناخبين بسبب آرائهم الاشتراكية" مثل السناتور إليزابيت وارن والسناتور بيرني ساندرز.

ومن هنا برز من جديد قبل أيام اسم الملياردير مايكل بلومبيرغ كمرشح محتمل قد يدخل الحلبة قريباً. وهناك همس بأن آخرين قد ينضمون إلى مسيرة الترشيح مثل ميشال أوباما زوجة الرئيس السابق وربما هيلاري كلينتون ولو أن الاحتمال إشاعة أو ربما جس نبض. وكيفما كان الحال فإن مجرد الحديث عن التحاق متأخر بعملية الترشيح يعكس حالة من القلق الانتخابي في صفوف الديمقراطي.

وبذلك تعكس حالة الحزبين حقيقة عدم الاستقرار في المشهد السياسي الأميركي الراهن واستطراداً في توجهاته وسياساته المحلية والخارجية.

المساهمون