أسبوع حاسم لكاميرت بالحديدة: عد عكسي لتطبيق المرحلة الأولى

25 ديسمبر 2018
يأمل أهالي الحديدة استمرار الهدوء في مدينتهم(عبدو حيدر/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ رئيس فريق الأمم المتحدة المكلّف بالإشراف على تنفيذ اتفاق الحُديدة في غرب اليمن، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، أمس الاثنين، مهمته في المدينة الساحلية بزيارة إلى مينائها الذي يعتمد عليه ملايين السكان للحصول على الغذاء، وإلى الأحياء القريبة من مناطق الاشتباكات بين القوات المحسوبة على الشرعية اليمنية والمدعومة من التحالف الإماراتي السعودي ومسلحي الحوثيين. وترافقت الزيارة مع استمرار خرق الاتفاق بما في ذلك حديث الحوثيين، عبر وكالة "سبأ" التي يديرونها، عن قصف استهدف شرق وجنوب مدينة الشعب السكنية بمدينة الحديدة، فضلاً عن استهداف محيط فندق الواحة بمديرية الحالي، وقصف منطقة كيلو 7 بالمديرية، إلى جانب قصف قرية الزعفران في منطقة كيلو 16 بمديرية الدريهمي بعد ساعات من وصول كاميرت.

وكان ليل الأحد - الاثنين، شهد اندلاع معارك عنيفة وسط اتهامات من القوات المحسوبة على الشرعية للحوثيين بشنّ هجوم على مواقعها في مدينة الصالح وسوق الحلقة، شرقي مدينة الحديدة، ما يشير إلى أن كاميرت سيكون أمام مهمة صعبة لضمان نجاح وقف إطلاق النار لتأمين استمرار اتفاق الحديدة والالتزام بالمهلة الزمنية المحددة له.



وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، بأن رئيس لجنة إعادة الانتشار الممثل لفريق الأمم المتحدة الجنرال باتريك كاميرت، زار ميناء الحديدة والتقى المسؤولين عن إدارة الميناء كما اطلع على المنشآت المتضررة من القصف.
من جهته، قال نائب مدير الميناء، يحيى شرف الدين، إنّ كاميرت "زار الميناء وتنقّل في أرجائه وشاهد آثار قصف". وأضاف في اتصال هاتفي أجرته معه وكالة فرانس برس: "لقد وعدنا المسؤول (كاميرت) بأن تنتهي الحرب. قال إن النزاع اليمني كان منسيّاً لسنوات، لكنّ المجتمع الدولي أصبح مصمّماً على إنهائه". وبحسب شرف الدين، فإن كاميرت "شدّد على أهمية تطبيق الاتفاق".

وشملت الزيارة الميدانية لكاميرت الأحياء القريبة من نقاط الاشتباكات المباشرة على أطراف المدينة الجنوبية والشرقية، في ظل وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ منذ الـ18 من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، مع خروقات يومية يتبادل فيها الطرفان الاتهامات.

وقالت الأمم المتحدة، في بيان أمس، إنّ كاميرت "يشعر بالتفاؤل إزاء الحماسة العامة من قبل الطرفين للعمل على الفور". وبحسب البيان، فإنّ "الأولويات خلال الأيام المقبلة ستتمثّل في تنظيم أول اجتماع للجنة تنسيق إعادة الانتشار" والمقرّر غداً الأربعاء.
وكان كاميرت قد وصل، مساء الأحد، إلى الحديدة على رأس فريق المراقبين الذي يترأسه والمقرر أن يشرف على وقف إطلاق النار وتنفيذ مضامين الاتفاق المبرم بين الحكومة اليمنية والحوثيين في السويد.
ويأتي أول وجود عملي للفريق الأممي في الحديدة بعد أسبوع من دخول الهدنة حيز التنفيذ، وفي ظل ترحيب الطرفين (الحكومة والحوثيين)، بعمل البعثة الأممية وبالقرار الدولي الذي صدر لدعم اتفاق الحديدة ويحمل الرقم 2451، يوم الجمعة الماضي.
ويلزم اتفاق استوكهولم الطرفين بإعادة انتشار مشترك للقوات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومدينة الحديدة إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ. كما ينص على الالتزام بعدم استقدام تعزيزات عسكرية من قبل الطرفين إلى محافظة ومدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة من المدينة.
أما لجنة تنسيق إعادة الانتشار المشتركة، فتضم ثلاثة أعضاء عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين، برئاسة كاميرت، والذي تتضمن صلاحياته تقديم تقارير أسبوعية من خلال الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي، حول امتثال الأطراف لالتزاماتهم في هذا الاتفاق. وإلى جانب إشرافها على إعادة الانتشار والمراقبة، ستتولى اللجنة عملية إزالة الألغام من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى. وتعد الألغام تحدياً رئيسياً في الحديدة وحتى باقي المناطق اليمنية بعدما استخدمها الحوثيون بشكل مكثف في المناطق التي اجتاحوها.

وبموجب اتفاق استوكهولم، يتم تنفيذ اتفاق الحديدة على مراحل، على أن تشكل عملية إعادة الانتشار من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى والأجزاء الحرجة من المدينة المرتبطة بالمرافق الإنسانية المهمة المرحلة الأولى، ويتم استكمالها في غضون أسبوعين من دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أي أنه لم يبق أمام إتمام هذا الشق من الاتفاق سوى أسبوع، على اعتبار أن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 18 ديسمبر. كما يتمّ استكمال إعادة الانتشار المشترك الكامل لكافة القوات من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى خلال مدة أقصاها 21 يوماً من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بحسب النص المنشور على موقع البعثة الأممية إلى اليمن.
واستحوذت التطورات في الحديدة على الجزء الأكبر من الأحداث في اليمن في عام 2018، انتهت بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فيها وتبني مجلس الأمن الدولي القرار 2451، ما أدخل الصراع حولها مرحلة جديدة عنوانها الأساس الشق السياسي لا العسكري.
وكانت القوات المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات قد أطلقت عملية عسكرية واسعة للتقدم صوب مدينة الحديدة الاستراتيجية، الشريان الذي تصل عبره معظم الواردات والمساعدات الإنسانية إلى البلاد، اعتباراً من يونيو/ حزيران الماضي، وتمكنت من تحقيق اختراق بعبور أجزاء واسعة من المديريات الساحلية وصولاً إلى أطراف المدينة، حيث مطار الحديدة الدولي وحتى المدخل الشرقي إلى المدينة (طريق صنعاء)، بعد معارك عنيفة دارت رحاها على مدى الأشهر الماضية، وذهب ضحيتها المئات من القتلى إضافة إلى آلاف الجرحى من الطرفين.
في المقابل، أكدت مختلف التطورات أن معركة الحديدة لم تكن مجرد تحدٍ عسكري، إذ تم حشد العديد من الألوية وألوف المقاتلين المحسوبين على الشرعية والتحالف، في مقابل توجيه الحوثيين جزءاً كبيراً من مقاتليهم وأسلحتهم وجهودهم العسكرية نحو الحديدة.

ومع ذلك، فقد أثبت العامل السياسي أنه الأقوى فعالية، على نحوٍ تحولت معه الحديدة إلى معركة صراع تحضره إرادات الدول الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا في المقدمة)، ونجح العامل الأخير في فرض التهدئة بأصعب ظرف ميداني ممكن. واستفادت واشنطن ولندن من المأزق الذي وضعت الرياض نفسها فيه بعد التورط في جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأدى المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي عُين من قبل أنطونيو غوتيريس في فبراير/ شباط ودشن عمله مبعوثاً في مارس/ آذار، دوراً رئيسياً في التوصل إلى الاتفاق.
مع بدء التصعيد العسكري في الحديدة قبل أشهر، شرع غريفيث بجولات مكوكية مكثفة بين العواصم المعنية، بما فيها صنعاء والرياض وأبوظبي، مشمولاً بدعم غير مسبوق من مجلس الأمن الدولي، الذي كثّف جلساته المنعقدة بشأن اليمن، منذ منتصف العام 2018. واستمع إلى العديد من الإحاطات المقدمة من المبعوث الأممي، وتتمحور إجمالاً حول الحديدة واستئناف مشاورات السلام.
حظي غريفيث بدعم قوي من بريطانيا، التي تتصدر إدارة الملف اليمني في مجلس الأمن. وفي السياق، تفيد مصادر يمنية مقربة من الحكومة الشرعية، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الضغوط التي تقودها بريطانيا كانت على رأس العوامل التي حددت مساراً مختلفاً لمعركة الحديدة. كما كان حضورها واضحاً من خلال اللقاءات التي يعقدها سفيرها لدى اليمن مايكل آرون مع المسؤولين والقيادات اليمنية، بالترافق مع كل جولة للمبعوث الأممي في المنطقة. وعندما وصل التصعيد العسكري إلى ذروته في الحديدة، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تحرك وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت بزيارة إلى كلٍ من الرياض وأبوظبي، توقفت على ضوئها معارك الحديدة، مع عدم إهمال دور واشنطن، التي طالبت خارجيتها في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، من جميع الأطراف بما في ذلك السعودية والإمارات، العمل على العودة إلى المسار السياسي ووقف الحرب في غضون 30 يوماً.
مطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بدأت ثمرة الجهود الدبلوماسية المكثفة للمبعوث الأممي، ومن خلفه الدعم البريطاني الأميركي والمواقف الدولية التي ارتفعت للتحذير من الكارثة الإنسانية المترتبة على استمرار الحرب في اليمن، لتنعقد أول جولة مفاوضات مباشرة منذ أكثر من عامين، استضافتها السويد، واختتمت أعمالها في الـ13 من ديسمبر، بإعلان اتفاق الحديدة، كأول محطة مفاوضات يمنية تحقق تقدماً مدعوماً بضغوط دولية قوية على الأطراف. وشمل الاتفاق أيضاً، آلية تنفيذ الإفراج المتبادل عن الأسرى والمختطفين، وتشكيل لجنة بشأن التهدئة في تعز.

ومع صدور القرار الدولي 2451 بشأن اليمن، والذي تقدمت به بريطانيا يوم الجمعة الماضي، واستخدمته سيفاً مصلتاً على الأطراف في الأشهر الماضية، تكون الأزمة قد دخلت مرحلة جديدة جعلت من اتفاق الحديدة قراراً دولياً. وبالتالي نجحت الجهود الدبلوماسية والمسار السياسي على حساب التصعيد العسكري، الذي كان قد اقترب من وسط المدينة منتصف الشهر الماضي. وبذلك، فإن المعركة المصيرية في الحديدة حُسمت لصالح الطرف الثالث الوسيط، وهو الأمم المتحدة، التي سيتولى مراقبوها بقيادة الهولندي باتريك كاميرت الإشراف على تنفيذ اتفاق الحديدة والقيام بدور قيادي في إدارة موانئ الحديدة الثلاثة (الحديدة، الصليف، رأس عيسى).
في ضوء ما سبق، يستعد اليمنيون لدخول عام جديد بمعطيات مختلفة، سواء على صعيد الحرب، إذ بات الحسم العسكري أصعب من أي وقتٍ مضى وفقاً لمآلات معركة الحديدة على الأقل، أم على صعيد ما يفرضه القرار الدولي 2451 من استحقاقات سياسية مختلفة عن تلك التي كان يتصدر عنوانها القرار السابق 2216 (2015)، والذي كان التحالف والحكومة يعتبرانه أساساً مشروطاً لأي حل سياسي، بما فيها من مطالب بانسحاب الحوثيين من المدن وتسليم الأسلحة.

دلالات