ورغم أن مساره التاريخي يعكس تطوّرًا في أدائه، لم تتمكّن إدارته من تجنيبه مصيرًا كهذا، ولم تقدر على إصدار بيانٍ واضح، مكتفية بكلامٍ عام يُستشفّ منه وجود قرار صارم ونهائيّ بإلغائه كلّيًا، بناء على أمثلة إماراتية سابقة.
وإذْ يستحيل التغاضي عن تغييرات حاصلة في بعض الجغرافيا الخليجية، كأن تُقرِّر المملكة العربية السعودية مثلاً البدء بالخروج، ولو قليلاً، على محرّمات تتحكّم باجتماعها، فتسمح بافتتاح صالة سينمائية، إلا أن الربط بين "انفتاح" سينمائيّ سعودي ملتبس وغامض وانغلاق سينمائيّ إماراتي أكثر التباسًا وغموضًا، يعكس شيئًا من فوضى المشهد العام في منطقة تخوض حروبًا متنوّعة.
لكن، بعيدًا عن كلّ إسقاط ممكن، بات "مهرجان دبي السينمائي الدولي" في حكم الغياب المطلق، مع أن "تصريحًا" مقتضبًا للغاية، منشورًا على صفحة "فيسبوك" الخاصة بالمهرجان، يقول إن هذا الأخير سيُقام مرة واحدة كلّ عامين، وإن الدورة الـ15، التي يُفترض بها أن تُقام في ديسمبر/ كانون الأول 2018، مؤجّلة إلى الشهر نفسه في العام 2019 المقبل.
يقول التصريح المقتضب إن اللجنة التنظيمية للمهرجان "تتبنّى استراتيجية جديدة تواكب التغييرات الحاصلة في صناعة السينما"، وذلك بهدف "مواصلة ريادته كأحد محافل الاحتفاء بالإبداع السينمائي"؛ مؤكِّدًا على أن تنظيمه سيتمّ "بصفة دورية كلّ عامين، لتنعقد دورته الـ15 عام 2019".
Facebook Post |
يتذكّر كثيرون كلامًا شبيهًا بهذا قيل، بشكلٍ رسمي، مع إعلان إيقاف "مهرجان أبوظبي السينمائي" الذي نظّم دورته الـ8 والأخيرة عام 2014. ويتذكّر كثيرون، أيضًا، أن أحدًا من المعنيين بالهمّ السينمائي لا يزال يجهل، لغاية الآن، سببًا جوهريًا واحدًا أفضى إلى إيقاف "مهرجان الخليج السينمائي" (2008 ـ 2013)، الذي أسّسه مسعود أمرالله آل علي، وأشرف عليه ونظّم دوراته كلّها (أثناء تولّيه الإدارة الفنية لمهرجان دبي)، علمًا أن هذا المهرجان "أنهى" عمله فجأة، قبل أسابيع قليلة جدًا من بدء دورته الأخيرة، وبعد إرسال دعوات للضيوف لحضورها. وقيل يومها إن خلافًا نشأ بين أفراد منتمين إلى عائلة حاكمة واحدة، أدّى إلى هذا الإلغاء المفاجئ.
الارتباك لا يزال حاضرًا لدى متابعين لـ"مهرجان دبي السينمائي الدولي"، منذ الإعلان عن "إنهاء خدماته" الممتدة على 14 عامًا/ دورة عرضت ما لا يقلّ عن 3000 فيلم. لكن الأسوأ من الارتباك كامنٌ في غياب أي معلومة مفيدة وصحيحة وواضحة.
لكن تساؤلات مختلفة يطرحها قرار الإلغاء: أيكون السبب انعكاسًا لمزاجية مموّلي المهرجان، الذين لم يعد أحدٌ منهم راغبًا في وضع ميزانيات سنوية له يُقال، مرارًا، إنها كانت دائمًا أقلّ من اللازم؟ أو أن صراعًا داخل العائلات الحاكمة أفضى إلى جعل المهرجان "كبش فداء"؟ أيكون الدافع إلى إيقافه النهائي منبثقٌ من حالة تخبّط إماراتي داخلي، في ظلّ الحروب الخارجية للدولة؟ أو أن المتحكّمين بزمام الأمور عاجزون عن التنبّه إلى أن المهرجان ليس ترفيهًا وسهراتٍ فقط، بل ثقافة متكاملة، أدركها إماراتيون قليلون، من دون أن يتمكّنوا من إشاعتها لدى "أصحاب القرارات النهائية" في الدولة؟
لن تنتهي التساؤلات، رغم أن لا إجابة واحدة مؤكّدة. لكن الواضح أن متّخذي قرار كهذا غير مبالين بتاريخ المهرجان وإنجازاته في المشهدين السينمائيين الخليجي والعربي. ذلك أن التجارب العربية المتنوّعة تُفيد بأن أول ضحية للتبدّلات أو للانكسارات أو للإفلاس على مستوى السلطات، في مختلف شؤون الحياة العامة، لن تكون إلا الثقافة ومشتقّاتها، والسينما أساسية في ثقافة كلّ اجتماع إنساني.