نال قطاع الكهرباء في سورية، الحصة الأكبر بعد النفط من التخريب، جراء الحرب التي أعلنها النظام السوري على الثورة منذ مارس/آذار 2011، وتكبدت محطات الكهرباء نحو 800 مليار ليرة (470 مليون دولار)، بحسب أرقام وزارة الكهرباء.
ولا يعاني القطاع من عمليات التخريب فقط، لكنه يتعرض أيضاً لعملية سطو من رجال أعمال وصناعيين، والعجيب أن النظام بدلاً من أن يضع حلولاً للأزمة وحماية محطات الكهرباء، استغل الفرصة لتوزيع كعكة إصلاح القطاع على حلفائه، ومنهم إيران، عبر توقيع عدة عقود توريد آلات ومعدات للمحطات.
إيران المستفيد
ويبدو أن قطاع الكهرباء سيسلم، مثل غيره، لشركاء الخراب، وهذا ما لم يخفه وزير كهرباء نظام بشار الأسد، عماد خميس، الذي أكد في تصريحات سابقة، وجود خطة عمل كبيرة مع الشركات الإيرانية الصديقة، إذ إن هناك تعاقدات ومفاوضات لتجهيزات الشبكة الكهربائية.
وهو ما أكده مدير المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء مصطفى شيخاني، حول توقيع 3 عقود مع شركة ساينر الإيرانية لتوريد تجهيزات ومواد لصالح شبكة التوزيع المتوسط والمنخفض، بقيمة ملياري ليرة، بغرض تأمين متطلبات إعادة تأهيل الشبكات.
وكانت سورية وقعت عقداً مع شركة مبنى الإيرانية لتقديم قطع تبديلية للمجموعات الغازية في محطة السويدية بقيمة 500 مليون ليرة، والذي سبقه عقود مع الشركة ذاتها، في مجال محطات التوليد، والتي تشمل مشروع توسيع محطة تشرين الحرارية، وتوسيع محطتي السويدية وجندر في ريف حمص وسط البلاد.
خسائر باهظة
وتتكبد سورية خسائر باهظة في قطاع الكهرباء، حيث تتكلف يومياً ما لا يقل عن 100 مليون ليرة لإصلاح الأضرار، حسب وزير الكهرباء، الذي أشار إلى أن قيمة الوقود اللازم لتشغيل المحطات في سورية تبلغ نحو 800 مليار ليرة سنوياً.
وشكك الخبير الفني السابق بشركة نقل الكهرباء، عبد الجليل سعيد، في هذه الأرقام قائلاً لـ"العربي الجديد"، لا يمكن لوزارة الكهرباء تقدير الخسائر من مكاتب مسؤوليها في العاصمة، لأن معظم الأضرار طالت مراكز التحويل في المناطق المحررة جراء قصف طائرات ومدافع النظام"، مشيراً إلى أن الخسائر أكبر من الأرقام المعلنة.
ويواجه قطاع الكهرباء السوري أخطاراً متعددة، منها أزمة الوقود، بعد سيطرة المعارضة المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية على مواقع وآبار النفط والغاز، ولم يبق للنظام إلا 15 ألف برميل نفط يومياً من آبار شرق حمص، من إنتاج زاد عن 380 ألف برميل قبل الثورة.
وقالت وزارة الكهرباء إن 50% من خطوط التيار العالي في سورية متضررة، وأكبر الأضرار التي تعرضت لها الشبكة الكهربائية كانت في مراكز التحويل المنخفض، حيث طالت 5 آلاف مركز و80 محطة تحويل؛ ما دفع وزارة الكهرباء إلى تخصيص كافة موارد الموازنة الاستثمارية المقدرة بخمسين مليار ليرة لعام 2014 لإعادة تأهيل "ما تم تخريبه" في محاولة لتعويض العجز الكبير في الكهرباء.
صناعيون يسرقون
ولم يجد صناعيون طريقاً لتعويض انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية، إلا عبر السرقة، خاصة بعد أن أهملت مطالبهم، رغم وصف وزير الكهرباء أنها محقة، وغض النظام الطرف عن مواجهة هذه الجرائم في ظل حالة الفوضى التي ضربت أرجاء سورية؛ حيث فقدت السيطرة على الكثير من المحطات.
وطالب صناعيو دمشق وريفها خلال لقائهم الوزير مؤخراً، بتوفير التيار الكهربائي والمازوت للمنشآت الصناعية؛ من أجل عودة هذه المنشآت إلى العمل والإنتاج.
وحسب مصادر، فضلت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، طالب الصناعيون بتخفيض سعر الكهرباء للمصانع، خاصة وقت الذروة.
واقترح الصناعيون، حسب المصادر، أن تكون فترات التقنين (فصل التيار) بالمناطق الصناعية ليوم واحد كامل بدلاً من كونها ساعات على مدار الأسبوع، وإعفاء المنشآت الصناعية من الرسوم والغرامات خلال فترة توقفها عن العمل.
وأصبحت 75% من خطوط التيار العالي البالغة نحو 150 خطاً، خارج الخدمة نتيجة قصف طيران النظام والحرب الدائرة في سورية منذ أربع سنوات، حسب وزارة الكهرباء، ما دفع ببعض المنشآت لسرقة التيار الكهربائي وبتواطؤ مع عمال الكهرباء.
ووفقاً للوزارة، "قامت منشآت صناعية في مدينة عدرا الصناعية بسرقة الكهرباء، بالتعاون مع بعض العاملين في قسم كهرباء المدينة الصناعية"، وتم إعفاء مدير قسم الكهرباء في عدرا الصناعية والعاملين المتورطين من مهامهم.
الصناعي في النسيج محمد عوض من ريف إدلب قال، لـ"العربي الجديد"، لا أبرر سرقة التيار الكهربائي أبداً، ولكن النظام هو من وضع الصناعيين في هذا الموقف، فهو ألزمهم بفتح منشآتهم، بعضها مهدمة وبعضها مسروقة، وطلب منهم الإنتاج ليوفروا احتياجات السوق السورية، ولكن لم يوفر لهم متطلبات تحقيق ذلك.
وأضاف عوض: هل يوجد دولة في العالم تبيع المازوت بضعف السعر الرسمي للصناعيين، في ظل عدم توفر البدائل، بالإضافة إلى ارتفاع المواد الأولية الداخلة في الصناعة، نتيجة الحصار المفروض على سورية.
ويؤكد أن النظام يتحمل كل الذي يجري، فهو من يقصف المنشآت ولم يحمها من السرقة، وهو من تنازل عن حقول النفط ولا يستطيع تأمين الكهرباء.
الصناعي بقطاع الملابس عامر رنكوسي، قال في تصريحات سابقة، إن رفع سعر الوقود، سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف المنتج النهائي من الملابس والأقمشة، وهذا ينعكس سلباً على القدرة بالمنافسة داخلياً وخارجياً. وأضاف رنكوسي سعر الكهرباء تضاعف 4 مرات، وأجور النقل 5 مرات، ومؤخراً تمت مضاعفة سعر المازوت؛ ما أدى إلى شل حركة الصناعة السورية.
وأدخلت الحرب على سورية، صناعات وتجارة جديدة لم تكن معروفة قبل عام 2011، حيث انتعشت تجارة المولدات، لتسجل أسعارها قفزات قياسية تتعدى 500% بفعل الإقبال عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة واستغلال التجار حاجة المواطنين إليها. ويتراوح سعر المولدات الكهربائية بين 30 ألفا و200 ألف ليرة سورية، بحسب القدرة التشغيلية وبلد المنشأ وما تحتاجه من الوقود.
الخبير الفني أبو وليد، قال لـ"العربي الجديد"، إن الإقبال ليس فقط على المولّدات، ولكن على البطاريات التي تستخدم في عمليات الشحن، وغالبية الطلبات تركز على البطاريات الصغيرة من 7 إلى 9 أمبير.