أزمة قانون الانتخابات الجزائري... خشية من العودة للحزب الواحد

01 يوليو 2016
تحذر أحزاب عدة من إقصائها عن الانتخابات(باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -
تتوسع موجة رفض مشروع قانون الانتخابات الجديد في الجزائر، عقب طرح المسودة من قبل الحكومة على البرلمان، ولا سيما بعد تضمّنه لنسبة إقصائية بلغت 4 في المائة، تمنع بموجبها الأحزاب من المشاركة في الانتخابات المقبلة في حال لم تكن قد حصلت على هذه النسبة في انتخابات سابقة. ولم تتردد قوى سياسية في وصف هذا القانون بأنه محاولة للعودة بالبلاد إلى عهد الحزب الواحد، فيما يزداد القلق من توجهات السلطة، ولا سيما أن طرح مشروع القانون يترافق مع تشنج سياسي وإعلامي حاد في الجزائر بسبب حملة تضييق تشنّها السلطات ضد وسائل الإعلام المستقلة.

قانون بأثر رجعي

وفي حال المصادقة على مشروع قانون الانتخابات الجديد وتطبيقه بأثر رجعي على استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن حزبين فقط هما حزب جبهة التحرير الوطني، الذي حصل على نسبة 17 في المائة من مجموع الأصوات في آخر انتخابات برلمانية جرت في العاشر من مايو/ أيار 2012، والتجمع الوطني الديمقراطي، الذي حصل على 6.8 في المائة، سيكونان معنيين بالمشاركة الآلية في الانتخابات البرلمانية المقررة في النصف الأول من السنة المقبلة 2017. وفي مقابل إتاحة الفرصة أمام أحزاب الموالاة للمشاركة بشكل آلي في الانتخابات المقبلة، سيكون على باقي الأحزاب السياسية بما فيها حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية في البلاد، وأحزاب معارضة أخرى لها رصيدها السياسي كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، جمع التواقيع لترشيح قوائمهم الانتخابية.
ويعني جمع التواقيع الحصول على تواقيع تمثل نسبة 4 في المائة من مجموع الهيئة الناخبة في الدائرة الانتخابية التي يرغب الحزب في تقديم قائمة مرشحين فيها كشرط لقبول الترشيحات. وهو الإجراء نفسه التي يقوم به المرشح المستقل. وكان المرشحون المستقلون يقومون في وقت سابق بالدخول تحت قوائم أحزاب صغيرة ليس لها أي وجود سياسي.



أما على الصعيد المحلي، فإنه في حال تم تطبيق مشروع القانون المثير للجدل، فإن الانتخابات المحلية المقبلة التي ستجري نهاية السنة المقبلة، ستشهد مشاركة آلية لستة أحزاب فقط، هي حزب جبهة التحرير الوطني التي حصلت على نسبة 22.54 في المائة في آخر انتخابات للمجالس المحلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، والتجمع الوطني الديمقراطي الذي حصل على نسبة 15.80 في المائة، والحركة الشعبية الجزائرية التي حصلت على نسبة 6.33 في المائة، وجبهة القوى الاشتراكية التي حصلت على نسبة 4.99 في المائة. ويضاف إليهم حزب العمال الذي حصل على نسبة 5.77 في المائة، والجبهة الوطنية الجزائرية التي نالت نسبة 4.88 في المائة فقط. أما باقي الأحزاب، فسيكون عليها جمع ما نسبته 4 في المائة من التواقيع من مجموع الهيئة الناخبة من كل دائرة انتخابية ترغب بترشيح قوائم فيها.

قانون مجحف

ويثير طرح الحكومة لمسودة قانون جديد للانتخابات، بصيغته المعروضة على البرلمان، حفيظة العديد من الأحزاب والقوى السياسية في البلاد، والتي تعتبره قانوناً مجحفاً، يقصي عدداً كبيراً من الأحزاب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية التي ستجري السنة المقبلة في مقابل إتاحته لأحزاب السلطة اقتسام مقاعد المجالس البلدية والبرلمان في ما بينها.

وتعتبر حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر) أن السلطة السياسية بدأت تنقلب على دستورها الجديد الذي تمت المصادقة عليه في فبراير/ شباط الماضي. وفي السياق، لم يتردد المتحدث باسم الحركة، عبد الله بن عجمية، بالقول في تصريح صحافي إنه "بعدما صدعت السلطة رؤوسنا طويلاً حول دستورها المجيد والدولة المدنية المزعومة، ها هي تعود مجدداً من بوابة القمع والاستبداد، والعودة إلى ممارسات القرون الوسطى في قمع الحريات وتكميم الأفواه". ووفقاً لبن عجمية، فإن "ذلك يظهر جلياً عبر سلسلة من التجاوزات تتعلق بقانون الانتخابات الجديد السيئ الصيت، والذي جعل من تغوّل السلطة التنفيذية ووصايتها المطلقة على العملية الانتخابية أمراً مفضوحاً، في مشهد بات محسوماً تمهيداً للاستحقاقات المقبلة". وبحسب المتحدث باسم الحركة، فإن هذا القانون، المتضمن ترسيم إنشاء اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات، هو "واحد من أكثر التجاوزات التي سترهن العملية الانتخابية برمتها لصالح الموالين للسلطة بهدف تكريس الصوت الواحد والرأي الواحد، في انقلاب واضح وصريح على نصوص الدستور وما قيل بأنها ضمانات دستورية لتعزيز ظهور المعارضة في المشهد السياسي".
ورفض الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، الاستجابة لمطالب قوى المعارضة بإنشاء هيئة مستقلة تتولى الإشراف على تنظيم ومراقبة الانتخابات وسحب التنظيم من وزارة الداخلية. لكن بوتفليقة ضمّن الدستور الجديد المصادق عليه من قبل البرلمان في السابع من فبراير الماضي إنشاء لجنة مستقلة مشكلة من قضاة وأحزاب تتولى مراقبة الانتخابات، وأبقى تنظيم الانتخابات بيد وزارة الداخلية.



وتعتقد حركة مجتمع السلم، التي تعد أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، أن المشهد "يظهر النظام السياسي فيه فاقداً لبوصلة الرشد واستمرار الاستئصال والتطرف الذي سيؤدي بالبلد إلى المجهول". كما تربط الحركة بين محاولة السلطة الإمساك بأطراف المشهد السياسي والتحكم فيه وبين تواصل "مسلسل التحرش بالمؤسسات الإعلامية، من الأطلس إلى الوطن وصولاً إلى مجمع الخبر وليس انتهاءً بجريدة الوطن، في تعد سافر على الحريات المكفولة دستورياً والتي تحميها كل الشرائع العالمية والمواثيق الدولية"، على حد وصفها. كما تطرقت إلى "إيقاف العديد من البرامج التلفزيونية بحجج واهية والتي لم تعد السلطة الحاكمة تستسيغ مضمونها وطرحها ولا تسير في فلكها، وإيداع الصحافيين الحبس في انتهاك واضح للدستور الجديد الذي نص صراحة على تجريم سجن الصحافي".

بدورها، تبدي أحزاب سياسية ناشئة تخوفاً وقلقاً كبيرين من قانون الانتخابات الجديد. وفي السياق، يعتبر رئيس حزب جبهة التغيير، عبد المجيد مناصرة، أن مشاريع القوانين الجديدة التي طرحتها الحكومة بما فيها مشروعا قانون الانتخابات وقانون إلزام العسكريين بـ"واجب التحفظ" (سياسة الصمت) تعيد البلاد إلى عهد الحزب الواحد ما قبل فبراير 1989. ويحذر مناصرة من أن قانون الانتخابات الجديد الذي يتضمن منع كل حزب سياسي من المشاركة في الانتخابات في حال حصل على أقل من أربعة في المائة في آخر استحقاق انتخابي وإلزام الحزب بجمع التواقيع بالشكل نفسه مع المرشحين المستقلين، من شأنه إقصاء مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية.
ويستغرب مناصرة تطبيق القانون بأثر رجعي، وبالرجوع إلى الانتخابات السابقة، مشيراً إلى أنه وفقاً لهذا القانون فإن حزبين فقط يمكنهما المشاركة في الانتخابات المقبلة، هما حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ما يعني عودة صريحة للحزب الواحد. ويلفت إلى أن "النظام أصبح يضيق بأدنى مستوى للحرية في التعبير، وأصبح يتوجس خيفة من المعارضة والإعلام والصحافة، ما يجعلنا نخاف أكثر على المستقبل".
وفي سياق تداعيات طرح مشروع القانون، أعلن 14 حزباً سياسياً موالياً للرئيس بوتفليقة وأعضاء في مبادرة الجدار الوطني التي أطلقها حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان، تهديدهم بالانسحاب من المبادرة في حال لم يتم إلغاء البند المتعلق بالنسبة الإقصائية 4 في المائة التي يفترض على أي حزب حيازتها أو أكثر في آخر انتخابات جرت في البلاد. ويعني هذا الأمر أن هذه الأحزاب وغيرها مهددة بالإقصاء من المشاركة في الانتخابات، ما يجبرها على جمع التواقيع من الهيئة الناخبة في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في منتصف السنة المقبلة 2017، والانتخابات المحلية التي ستجري في نهاية السنة المقبلة.
ولم يتوقف القلق السياسي لدى الأحزاب السياسية بشأن المستقبل الغامض في البلاد، لكن حالة الشد التي تقوم بها السلطة ضد الفاعلين السياسيين والإعلام، على سواء، حرّكت أيضاً مبادرات لناشطين حقوقيين وإعلاميين ومثقفين. وفي السياق تأتي مبادرة "من أجل حماية الحريات في الجزائر" التي أطلقها عدد من الناشطين. واعتبرت المبادرة أن "الجزائر تعيش في المدة الأخيرة على وقع انتهاكات خطيرة للحريات والحقوق عبر التضييق على النقابات والجمعيات والأحزاب ومنع التظاهرات والتجمعات السلمية وتمرير قوانين ترمي إلى تكميم الأفواه ومصادرة إرادة الشعب في التعبير عن حقوقه الأساسية والاعتقال التعسفي لمستخدمي الانترنت والمدونين". كما تطرقت إلى "توقيف قنوات وجرائد وبرامج تلفزيونية وحبس ومتابعة صحافيين وحقوقيين ونشطاء من المجتمع المدني".
على الرغم من جميع هذه الاعتراضات، لا تبدو السلطة السياسية مستعدة للتراجع عن مسودة قانون الانتخابات الجديد، فهي تعتبر أن هذا القانون سيسمح بـ"تطهير" الساحة السياسية من الأحزاب الصغيرة التي ليس لها أي نشاط سياسي أو حضور شعبي، وتعمل على التشويش على الاستحقاقات الانتخابية، ولا سيما ما يتعلق بالمتاجرة في الترشيحات والفساد المالي في الانتخابات، حسب وجهة نظرها.