أزمة بين المدارس الخاصة والأهالي في المغرب

09 يونيو 2020
تعقيم صف مدرسي (جلال المرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

 
يعيش المغرب توتّراً غير مسبوق بين الكثير من أهالي التلاميذ والمدارس الخاصة بسبب رفض الأهالي تسديد الأقساط الشهرية نتيجة لسوء التعليم عن بعد خلال الحجر الصحي. ويبدو أن الأمور تتّجه نحو مزيد من التصعيد بعد فشل وساطة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والتباين الكبير في المواقف، والتهديد باللجوء إلى القضاء.

وبدأ التوتّر بين الطرفين بعدما عمدت العديد من المدارس الخاصة إلى التهديد بحرمان التلاميذ من الإفادات وعدم السماح لهم باجتياز الامتحان الوطني والجهوي، بهدف الضغط على الأسر لتسديد الأقساط الشهرية عن شهر إبريل/ نيسان ومايو/ أيار ويونيو/ حزيران. واعترض أولياء أمور التلاميذ على عدم التزام المدارس الخاصة بأداء مهامها استناداً إلى ما ينصّ عليه القانون (النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي)، مُطالبين بتخفيض القسط في ظل عدم تأديتها واجباتها كما يجب خلال فترة الحجر الصحي، إضافة إلى معوّقات التعليم عن بعد، وعدم التزام مجموعة من المدارس به.



وزاد من حدّة التوتّر رفض المدارس الخاصة الحوار مع الأهالي، واعتبرت التنسيقيات والمجموعات التي أنشئت على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن مشاكل الدراسة في المنزل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة غير قانونية.

والقرار الذي اتخذته بعض المدارس الخاصة خلال الأيام الماضية، بتخفيض مستحقاتها خلال فترة الحجر الصحي بنسبة تصل إلى 50 في المائة، لا يبدو أنه ساهم في اتجاه احتواء الأزمة، بسبب رفض مدارس أخرى هذا المطلب، وتبريرها هو تأدية المعلمين والإداريين مهامهم. يقول عضو تنسيقيّة مؤسسة "أجيال الغد" في سلا الجديدة، هشام الداغرية، إنّ سبب الأزمة الحالية يعود إلى تلكؤ المدارس الخاصة في إيجاد صيغ منصفة لحل أزمة الأقساط الشهرية من جرّاء تداعيات أزمة كورونا، وإصرار تلك المؤسسات على الحصول عليها على الرغم من توقف الدروس والاستعانة بالتعليم عن بعد كتبرير، علماً أنّه لم يكن ذا فاعلية بدليل أنّ وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ستعمد إلى استئناف الدراسة استعداداً للامتحانات.

يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد: "أظهرت المدارس الخاصة أنها انتهازية وقد طلبت الاستفادة من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، واستغلال عدم تسديد الأهالي الأقساط الشهرية لابتزاز الدولة، وهو ما تمّ الرضوخ إليه". ويلفت إلى أن الحديث عن حرمان التلاميذ الذين لم يسدّد أهاليهم الأقساط من الإفادات، والتي تخولهم الانتقال إلى مدارس أخرى، زاد من غضب الأسر.

من جهته، يقول مصطفى العلمي، رب أسرة من الغاضبين، إن العائلات لا ترفض مساعدة أولادها في الدراسة، بل تطالب بحسم الأقساط وإعفاء مَن تضرّر بسبب خسارته عمله، في ظل الظرف الاستثنائي الذي فرضه كورونا والذي يقتضي التحلي بروح التضامن، لاسيما وأن المدارس راكمت أرباحاً كثيرة خلال الأعوام الماضية. يضيف أنّه "لأمر مشين أن تطالب المدارس الآباء بأداء كل مهام التعليم، علماً أن الأسر تحملت طيلة فترة الحجر الصحي تكاليف التعليم عن بُعد بسبب اقتناء أجهزة إلكترونية وتوفير الإنترنت".

وفي ظل أجواء الاحتقان هذه، عمدت رابطة التعليم الخاص في المغرب للدعوة إلى عقد مؤتمر وطني "استثنائي عاجل"، على خلفية "التطورات التي عرفها قطاع التعليم الخاص والانعكاسات السلبية لتوقف الدراسة بسبب الإجراءات الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد".

وجاء في دعوة المؤتمر، التي عممتها الرابطة، أن ما حصل "نتج عنه احتقان متزايد وحملات عدائية استهدفت المدرسة الخاصة، وتبخيس مفعولها وإفراغ جدواها ككيان تربوي واقتصادي واجتماعي في النسيج المجتمعي"، لافتة إلى أن هذا الاستهداف وصل إلى "حد التآمر والتهديد لعدد من المؤسسات الخاصة بهدف التنازل القسري عن استخلاص المستحقات الشهرية".

ويقول رئيس رابطة التعليم الخاص في المغرب محمد عمور، لـ "العربي الجديد"، إن التوتر القائم حالياً بين الأهالي والمدارس الخاصة "مصطنع" من جراء ما سماه "التحريض الذي تقف وراءه بعض الجهات"، واصفاً التنسيقيات التي أنشأها الأهالي والترويج لعدم أداء المدارس واجباتها خلال فترة الحجر الصحي بـ "غير القانونية، ولا تمثيل لها، وهمها الوحيد هو التحريض ونشر الفوضى".

يُتابع: "ما يثير الاستغراب هو أن من يقف وراء إنشاء تلك التنسيقيات هم أشخاص ميسورون ومجموعات مدفوعة بخلفيات سياسية وموظفون يريدون استهداف المدرسة الخاصة، بعدما كانوا قد استهدفوا في وقت سابق المدارس الحكومية". ويوضح أن ربط الأسر رفضهم دفع تكاليف الدراسة بمعوقات التعليم عن بعد مردود عليهم، قائلاً: "فليحتجوا ضد وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إذ إن توقف الدراسة قرار سيادي، وتمّ اللجوء إلى التعليم عن بعد كبديل. صحيح أنه كان هناك مشاكل في البداية، لكننا تغلّبنا عليها بسرعة، وتعاملنا مع الوضع باحتراف".

ويأتي ذلك في وقت لم تفلح فيه الوساطة التي قادها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والناطق الرسمي باسم الحكومة، سعيد أمزازي، مؤخراً، في نزع فتيل التوتر وتقريب وجهات نظر الهيئات الممثلة للأهالي وتلك الممثلة للمدارس الخاصة.



وفيما رمت الوزارة الكرة في ملعب جمعيات أولياء التلاميذ، من خلال مطالبتهم بالبحث عن صيغ للتفاوض مع المدارس الخاصة، يقول الداغرية، إنه "في حال عدم تدخل الوزارة بشكل جدي سيتم اللجوء إلى القضاء لإنصاف أولياء الأمور من جشع تلك المؤسسات".
المساهمون