عُقدت اتفاقيات أوسلوا بمرحلة الدولة العربية المستقرة والمتأزمة بآنٍ واحد، والباحثة عن علاقات تطبيع مع إسرائيل، خِفية أو علانية. كانت تتويجاً لانهيار حركة التحرّر الفلسطينية، ووصولها إلى مأزقٍ شديد، فقد اجتُثت من الأردن ولبنان وسورية، وليس لها من وجود هام في بقية الدول العربية، وبالتالي وجدت قيادة منظمة التحرير وحركة فتح بالتحديد، أن مستقبلها يتعلق بالعودة. العودة تلك خضعت لشروط عالمية وعربية، وبالتالي صار عليها أن تقدم التنازلات، وهذا ما عُرِفَ بالقضايا المؤجلة، لحين الاتفاق عليها: القدس وحق العودة والمستوطنات وترسيم الحدود.
الحقيقة هنا، أن تلك المؤجلات كانت نتاج ضعف المنظمة، وعكس ذلك نتاج قوة إسرائيل وأميركا والنظام العربي المستقر والمتأزم. المؤجلات تلك أصبحت إسرائيل الآن بطور التخلي عنها، ومن هنا خطورة ضم المستوطنات. المشكلة تكمن في هشاشة الوضع الفلسطيني المُقسم بين سلطتين فاشلتين، وأزمات حادة تعصف بالأنظمة العربية، وعدم القدرة على التجديد لنفسها، وكذلك عدم قدرة الشعوب على تغييرها. وبظل الوضع المعقد هذا، يطرح العرب (أنظمة وشعوبا) أن فلسطين للفلسطينيين، وكل شعب ليتدبر صراعاته، وبالتالي، هناك حالة انكفاءٍ وتذرّرٍ عربيٍّ، وأيضاً هناك تأزم فلسطيني وانقسام، ووضع الأخير لا يشكل أيّ جاذبيةٍ للعرب للتفكير في تجاوز عوالمهم القطريّة ومشكلاتهم المعقدة.
يحكم الوضع العربي الراهن، أزمات معقدة تكتنف كل بلد على حدة، وتتناول الهوية الوطنية وليس فقط الأزمات الاجتماعية بكل مستوياتها. عودة المجتمعات إلى ما قبل الوطنية، أو التغريب، تمنعها من أن تتجاوز وضعيتها هذه، والتفكير بالقومي، أي فلسطين، وبالتالي هناك وضعٌ كارثيٌّ بكل معنى الكلمة؛ إسرائيل تعي حالة العرب هذه، والأنظمة المالكة لمقدرات الدول والشعوب، تبحث عن نجاةٍ لها، وضمن ذلك الشعوب محتجزة بوعيٍّ ما دون الوطني، أو تغريبي، والأنظمة تابعة، وترهن ذاتها لأميركا وإسرائيل بالتأكيد. الوضع هذا يحاصر المسألة الفلسطينية بالمزيد من التأزم والخيارات المحدودة، وبالتالي لا أجد خياراً آخر حالياً خارج أوسلو، رغم تدهور العلاقات بين سلطة رام الله وحماس وإسرائيل. للسخرية المُرّة، أنّ كثيراً من المنظمات والدول في العالم ترفض ضم المستوطنات، بينما العرب كشعوبٍ يصمتون، والأدق لا يفكرون بفلسطين، والأنظمة تتجه نحو تعميق الصلات مع إسرائيل، التي تزداد حالاتها تصهيناً، أي المزيد من تهويد الكيان الصهيوني. طبعاً الميل نحو التهويد مرتبط بدوره بشروطٍ كثيرة، وهذا الاتجاه يؤكد ذاته تباعاً.
إذاً الوضع العربي مربك للغاية، وهناك قضية علينا الوقوف أمامها، وهي معاداة المقاومات (حماس وحزب الله) للثورات العربية. ورغم التمايز بين الحزبين، فإنه يشكل عاملاً إضافياً للابتعاد عن أيِّ دعمٍ أو اهتمام أو انشغال بالقضية الفلسطينية بكل مستوياتها، وليس فقط بمصير أوسلو. ضمن هذا الوضع، نقول ليس من حضورٍ عربيٍّ، سلطويٍّ وشعبيٍّ، إيجابيٍّ لصالح الرفض الجذري لأوسلو، وبالتأكيد ليس هناك عوامل داعمة لتأسيس خيارات أخرى خارج "حظيرة" أوسلو، وهذا يعني أن شرط النضال الحالي لا يحوز على ممكنات أكبر من الوضع الراهن عربياً وفلسطينياً. إن مجال النضال يتمحور ضمن الأطر الواقعية للوضع الحالي، وهذا يعني التفكير مليّاً بالممكنات، وبعيداً عن التسليم للواقع أو للتنظير بعيداً عنه، وفي هذا لا نرفض الحلم، ولكننا لا نراه حلماً دون الارتباط بميولٍ واقعية تسمح به.
التأزم العربي والفلسطيني الحاد حالياً، يفرض خيار السلمية في النضال بشكل كامل، هذا أولاً، وثانياً، يفرض إعادة العمل على بناء الهوية الوطنية عربياً وفلسطينياً، وثالثاً العمل على إعادة اعتبار فلسطين قضية قومية للعرب، ومنهم الفلسطينيون. نضيف هنا، أن حركات هامشية ثورية طرحت قضية فلسطين كجزءٍ من أهداف الثورات ومنذ 2011، وهناك انشغال لهذه الحركات وما يشبهها بتعقيد الوضع الفلسطيني وربطه بالوضع العربي، ولكنها حركات خارج الفعل المؤثر، وهنا نتجاهل "ثرثرات" الأنظمة بخصوص فلسطين كشماعة وأداة أيديولوجية لها، حيث سقطت هذه الفكرة نهائياً بنظر الشعوب.
نقطة الانطلاق في كل ذلك، ليست خارج ممكنات الواقع عربياً وعالمياً، والتي تعاني من ارتباك شديد للغاية. أقصد هناك مجال واسع لرفض الإملاءات الإسرائيلية، فحتى سلطة أبو مازن فعلت ذلك! ولكن ذلك لا يتجاوز النقض الكلي لاتفاقيات أوسلو، وباتجاه تفكيك سلطتها، حيث ليس من حاضنةٍ عربية، لما ذكرنا، وليس من احتضانٍ عالمي لأفكار كهذه، وكذلك ليس هناك من أفقٍ واقعيٍّ لتجاوز حالة العالم الراهنة. أزمات العالم الآن، ورغم جوانبها الاقتصادية والبيئية وتأثير فيروس كورونا، إلا أنها لا تطرح أفقاً لتغيير كافة تلك الجوانب، وبالتالي، وللأسباب التي ذكرناها، ولغيرها، يتمحور الصراع الفلسطيني ضمن الأراضي الفلسطينية، داخل أراضي الـ48 وخارجها وفي المخيمات والوسط الفلسطيني عالمياً، وبخصوص الدول العربية الحالية، فستظل المهمة الراهنة أمام الشعوب هي تغيير طبيعتها نحو الدمقرطة والتحوّل التاريخي باتجاه مشروع الحداثة.
إذاً، لا خيارات فلسطينية خارج أوسلو، وضمن ذلك سيتمّ تعزيز الأشكال السلميّة لرفض الضم، واتباع كافة الوسائل الدبلوماسية والسياسية المقاطعة لإسرائيل، وتغيير بنية النظام الفلسطيني وإنهاء الانقسام؛ حالة العرب المأزومة تفترض ذلك. هذه هي الممكنات البائسة حالياً.
الحقيقة هنا، أن تلك المؤجلات كانت نتاج ضعف المنظمة، وعكس ذلك نتاج قوة إسرائيل وأميركا والنظام العربي المستقر والمتأزم. المؤجلات تلك أصبحت إسرائيل الآن بطور التخلي عنها، ومن هنا خطورة ضم المستوطنات. المشكلة تكمن في هشاشة الوضع الفلسطيني المُقسم بين سلطتين فاشلتين، وأزمات حادة تعصف بالأنظمة العربية، وعدم القدرة على التجديد لنفسها، وكذلك عدم قدرة الشعوب على تغييرها. وبظل الوضع المعقد هذا، يطرح العرب (أنظمة وشعوبا) أن فلسطين للفلسطينيين، وكل شعب ليتدبر صراعاته، وبالتالي، هناك حالة انكفاءٍ وتذرّرٍ عربيٍّ، وأيضاً هناك تأزم فلسطيني وانقسام، ووضع الأخير لا يشكل أيّ جاذبيةٍ للعرب للتفكير في تجاوز عوالمهم القطريّة ومشكلاتهم المعقدة.
يحكم الوضع العربي الراهن، أزمات معقدة تكتنف كل بلد على حدة، وتتناول الهوية الوطنية وليس فقط الأزمات الاجتماعية بكل مستوياتها. عودة المجتمعات إلى ما قبل الوطنية، أو التغريب، تمنعها من أن تتجاوز وضعيتها هذه، والتفكير بالقومي، أي فلسطين، وبالتالي هناك وضعٌ كارثيٌّ بكل معنى الكلمة؛ إسرائيل تعي حالة العرب هذه، والأنظمة المالكة لمقدرات الدول والشعوب، تبحث عن نجاةٍ لها، وضمن ذلك الشعوب محتجزة بوعيٍّ ما دون الوطني، أو تغريبي، والأنظمة تابعة، وترهن ذاتها لأميركا وإسرائيل بالتأكيد. الوضع هذا يحاصر المسألة الفلسطينية بالمزيد من التأزم والخيارات المحدودة، وبالتالي لا أجد خياراً آخر حالياً خارج أوسلو، رغم تدهور العلاقات بين سلطة رام الله وحماس وإسرائيل. للسخرية المُرّة، أنّ كثيراً من المنظمات والدول في العالم ترفض ضم المستوطنات، بينما العرب كشعوبٍ يصمتون، والأدق لا يفكرون بفلسطين، والأنظمة تتجه نحو تعميق الصلات مع إسرائيل، التي تزداد حالاتها تصهيناً، أي المزيد من تهويد الكيان الصهيوني. طبعاً الميل نحو التهويد مرتبط بدوره بشروطٍ كثيرة، وهذا الاتجاه يؤكد ذاته تباعاً.
إذاً الوضع العربي مربك للغاية، وهناك قضية علينا الوقوف أمامها، وهي معاداة المقاومات (حماس وحزب الله) للثورات العربية. ورغم التمايز بين الحزبين، فإنه يشكل عاملاً إضافياً للابتعاد عن أيِّ دعمٍ أو اهتمام أو انشغال بالقضية الفلسطينية بكل مستوياتها، وليس فقط بمصير أوسلو. ضمن هذا الوضع، نقول ليس من حضورٍ عربيٍّ، سلطويٍّ وشعبيٍّ، إيجابيٍّ لصالح الرفض الجذري لأوسلو، وبالتأكيد ليس هناك عوامل داعمة لتأسيس خيارات أخرى خارج "حظيرة" أوسلو، وهذا يعني أن شرط النضال الحالي لا يحوز على ممكنات أكبر من الوضع الراهن عربياً وفلسطينياً. إن مجال النضال يتمحور ضمن الأطر الواقعية للوضع الحالي، وهذا يعني التفكير مليّاً بالممكنات، وبعيداً عن التسليم للواقع أو للتنظير بعيداً عنه، وفي هذا لا نرفض الحلم، ولكننا لا نراه حلماً دون الارتباط بميولٍ واقعية تسمح به.
التأزم العربي والفلسطيني الحاد حالياً، يفرض خيار السلمية في النضال بشكل كامل، هذا أولاً، وثانياً، يفرض إعادة العمل على بناء الهوية الوطنية عربياً وفلسطينياً، وثالثاً العمل على إعادة اعتبار فلسطين قضية قومية للعرب، ومنهم الفلسطينيون. نضيف هنا، أن حركات هامشية ثورية طرحت قضية فلسطين كجزءٍ من أهداف الثورات ومنذ 2011، وهناك انشغال لهذه الحركات وما يشبهها بتعقيد الوضع الفلسطيني وربطه بالوضع العربي، ولكنها حركات خارج الفعل المؤثر، وهنا نتجاهل "ثرثرات" الأنظمة بخصوص فلسطين كشماعة وأداة أيديولوجية لها، حيث سقطت هذه الفكرة نهائياً بنظر الشعوب.
نقطة الانطلاق في كل ذلك، ليست خارج ممكنات الواقع عربياً وعالمياً، والتي تعاني من ارتباك شديد للغاية. أقصد هناك مجال واسع لرفض الإملاءات الإسرائيلية، فحتى سلطة أبو مازن فعلت ذلك! ولكن ذلك لا يتجاوز النقض الكلي لاتفاقيات أوسلو، وباتجاه تفكيك سلطتها، حيث ليس من حاضنةٍ عربية، لما ذكرنا، وليس من احتضانٍ عالمي لأفكار كهذه، وكذلك ليس هناك من أفقٍ واقعيٍّ لتجاوز حالة العالم الراهنة. أزمات العالم الآن، ورغم جوانبها الاقتصادية والبيئية وتأثير فيروس كورونا، إلا أنها لا تطرح أفقاً لتغيير كافة تلك الجوانب، وبالتالي، وللأسباب التي ذكرناها، ولغيرها، يتمحور الصراع الفلسطيني ضمن الأراضي الفلسطينية، داخل أراضي الـ48 وخارجها وفي المخيمات والوسط الفلسطيني عالمياً، وبخصوص الدول العربية الحالية، فستظل المهمة الراهنة أمام الشعوب هي تغيير طبيعتها نحو الدمقرطة والتحوّل التاريخي باتجاه مشروع الحداثة.
إذاً، لا خيارات فلسطينية خارج أوسلو، وضمن ذلك سيتمّ تعزيز الأشكال السلميّة لرفض الضم، واتباع كافة الوسائل الدبلوماسية والسياسية المقاطعة لإسرائيل، وتغيير بنية النظام الفلسطيني وإنهاء الانقسام؛ حالة العرب المأزومة تفترض ذلك. هذه هي الممكنات البائسة حالياً.