أزقة متعرّجة

21 سبتمبر 2018
ميخائيل زابلودسكي/ أوكرانيا
+ الخط -
ما الذاكرة!
أبٌ يضمّد جرحاً طفيفاً في الإصبع،
أمٌ تنتظر عند باب المدرسة،
حبيبةٌ بعصفورين صغيرين مُضيئَين،
عربات زراعية معطّلة في حقول القمحِ،
عجلاتها السوداء المثقوبة متهدّلة على التراب،
أبنيةٌ مهجورة إلّا من ظلال الأرواح،
شجرة النارنج بعطرها الزيتي في بيت الجد،
أستاذ بنظّارات مرقّعة وحزام جلدي مهترئ، دربٌ صيفي في ظهيرة الشوك،
ضباع مرقّطة في ضوء القمر،
نهرٌ يمسّده الصفصاف،
موظّفون متعبون من الأيام البليدة،
قادةٌ ومُخبرون،
سجون ملطّخة جدرانها بالمخاط والدم وصرخات العذاب،

وأنتِ،
دون أن تعرفي كل هذا.

■ ■ ■

تقولين: الحديقة مرتّبةٌ
أقول: مثل مقبرةٍ
تقولين: المقبرة جميلة
أقول: مثل حديقة

تتساءلين: هل البستانيّون حفّارو قبور؟ أم العكس؟
أقول: كلاهما صنّاع ملاذاتِ الضَجِرين
تقولين: وأنتَ؟
أقول: أنا متعبٌ
مثل جواد خاسر
لا مبال
مثل مركبٍ محطّم
وأنتِ؟

تقولين: وأنا متعبةٌ
مثل حانة المرفأ التي
تتثاءب كل فجر
مودّعةً آخر المقامرين الثملين
وهم يردّدون ترانيم قديمة
مترنّحين
في أزقة متعرّجة.

■ ■ ■

كنّا نريد الحديث،
عن الموت،
والظلم،
والألم،
كنّا نريد الحديثَ،
عن الخوف،
والبؤس،
والمجزرة،
لكن كلما صدّعتنا الحكايا،
لذنا بصمتٍ،
يُنهض الجبالَ،
والعشبَ،
والعيون.

* شاعر سوري مقيم في نيويورك
المساهمون