مذ بدأت اليمنيّة، أروى عبده عثمان، تنشط في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وهي تحثّ المجتمع اليمنيّ على التمسّك بإرثه الشعبي، رافضة الثقافات، التي تحاول جعله نسخة مكرّرة عن مجتمعات لا تمتّ إليه بصلة.
- واقع حقوق الإنسان على مدى السنوات العشر الماضية والآن في اليمن، كيف تقيّمينه؟
للأسف، ما يجري للإنسان في اليمن من فقدان لمواطنته، أمر مهين. فهو يصنّف في خانات عنصريّة وطائفيّة ضيّقة.
كانت ثورتا 1962 و2011 قد أحدثتا حركة في المجتمع، وغيّرتا مفاهيم كثيرة، لكنهما لم تتمكنا من إزالة التراتبيّة والفوارق الاجتماعيّة. وهذه الفوارق والتقسيمات تغذّت وتجذرت بعد عام 2011، وأصبحنا نصنّف بعضنا في اليمن وفق هويات وعرقيات. والصراع المسلح، الذي حصل مؤخراً، سيزيد في تعميق الهوّة القائمة ويؤثّر سلباً على النسيج الاجتماعي.
- تركّزين نشاطك على حفظ التراث...
في ظل وجود مؤسسات تخضع للقرار السياسي، حاولت القيام بذلك قدر المستطاع. فوزارة الثقافة اختصرت دورها بدفع رواتب الموظفين. وهي تعيش أسوأ حالاتها منذ 2011. في السابق، كانت تقدّم الدعم إلى بعض المؤسسات الثقافيّة، لكنها تراجعت عن ذلك، ولم تعد تطبع الكتب والمجلات (مثل الحكمة والإكليل) التي تساعد في الحفاظ على إرث هذا المجتمع.
شخصياً، أقمت متحفاً للتراث الشعبي. فأنا بدأت منذ 17 عاماً أجمع المقتنيات التقليديّة. ويعود ذلك إلى أنني من منطقة شعبيّة بالقرب من سوق الصميل في تعزّ، وهي منطقة كانت مهدّدة بطمس معالمها. وبواسطة مبلغ حصلت عليه بعدما فزت بجائزة عن مجموعتي القصصيّة "حدث في تنكا بلاد النامس"، أقمت متحفاً صغيراً استمرّ حتى عام 2010. لم أستطع الصمود أكثر، لأن المقرّ الذي كنت أستأجره هدم. وبعدما تنقّلت به في أكثر من شارع وحيّ، انتهى الأمر بنهب كثيرٍ من المقتنيات النادرة.
- كيف تقيّمين وضع المرأة اليمنيّة؟
على الرغم من الوضع السيئ الذي نعيشه، إلا أنني أجد عدداً كبيراً من النساء اليمنيات اللواتي بدأن يقلن: "كلا". بدأن يدركن حقوقهنّ، كالتعليم والعمل ورفض ظلم الرجل.
نحن ما زلنا نعوّل كثيراً على منظمات المجتمع المدني والشباب. ومن ضمن إنجازات ثورة 2011، تكتلات شبابيّة تقوم بأنشطة ومشاريع توعويّة تهتمّ بحقوق المرأة والمواطنة المتساوية والتعايش واحترام الآراء.
ومن الإيجابيات، التي سجّلت مؤخراً، ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني إذ تمّ تمثيل المرأة اليمنيّة من مختلف المناطق. وهذه سابقة!
- كانت لديكِ تجارب في كتابة القصة القصيرة...
كنت أقوم بجمع الحكايات الشعبيّة أو ما نسميها بـ"الحزاوي". بدأنا مشروع "الألف حكاية شعبيّة" وأصدرنا ثلاثة أجزاء، لكننا لم نستطع المتابعة. أما "يحدث في تنكا بلاد النامس"، فهي أبرز أعمالي في هذا المجال. هي مجموعة قصصيّة فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الشارقة الثقافيّة، في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، في مجال القصة القصيرة.
- لمن يعود الفضل في تشجيعك؟
أنا من أسرة أميّة. والدي صاحب دكان في سوق شعبيّ ووالدتي ربة منزل. في (المرحلة) الابتدائيّة، كانوا يرغبون في تزويجي. لكن ذلك لم يحصل، فأنا كنت أحبّ التعلّم، خصوصاً وأنني كنت أتردّد إلى مكتبة في الجوار. لذا، أستطيع القول إن الكتاب له الفضل في تشجيعي.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنه، وعندما أنهيت الثانوية العامة، رفض والدي فكرة متابعة دراستي الجامعيّة. ولولا تدخّل أحد أبناء القرية وذهاب والدي إلى جامعة صنعاء ليراها بنفسه، لما كنت قد تمكّنت من ذلك، إذ كانت تصل إلى أهل القرية أخبار تقول إن اللواتي يذهبن للدراسة في الجامعة، يعدن وهنّ يحملن أطفالاً.
- أحد أسباب فوزك بجائزة "أليسون دي فورج"، للنشاط الحقوقي الاستثنائيّ لسنة 2014، هو كونك من الأصوات المنادية بالعدالة. كيف تقيّمين ميزان العدالة في اليمن اليوم؟
ميزان العدالة في اليمن مختلّ. كنا نتوقع أن تصحّح ثورة 2011 وضع العدالة. لكن للأسف، حتى وزارة العدل تأثرت بالعبث السياسيّ وقد سيطرت عليها قوى تقليديّة وأصوليّة جديدة. فأبعِد قضاة واستبدلوا بآخرين من جامعة الإيمان، بناءً على محاصصات حزبيّة.
- هل تعتقدين أن المرأة اليمنيّة حقّقت انتصاراً في موضوع تحديد سنّ الزواج ومنع زواج القاصرات؟
عملنا وعدد كبير من الزميلات في هذا المجال. واجهنا الأصوات، التي كانت ترفض تحديد سنّ الزواج، والصادرة عن نساء أحضِرن من جامعة الإيمان إلى مجلس النواب لتعطيل إصدار قرار. لم نسكت، وظللنا نرفض تزويج الصغيرات حتى خرج فريق الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار الوطني بقرار يضمن تحديد سنّ الزواج بما لا يقل عن 18 عاماً، وتجريم المخالفين. ومن المتوقّع أن يتضمّنه الدستور الجديد.
- كيف تتعاملين مع النقد الموجّه إليك؟
لا بأس من النقد. لكن كثيراً ما تمّ تكفيري بسبب رأيي وكتاباتي ومواقفي. وهنا أقول إنني مسلمة أؤمن بالله وبرسوله ولست كافرة.
في مؤتمر الحوار مؤخراً، كنا نختلف مع بعض القوى التقليديّة والدينيّة، مثلاً حول زواج القاصرات. كان يُقال إننا نؤسّس للدعارة والمثليّة. وعندما نتحدّث عن حريّة المعتقد، يُقال إننا ننشر الكفر في اليمن.
وطال الكلام أهلي وبناتي، وحتى غرفة نومي. بالنسبة إليّ، أنا اكتسبت مناعة منذ أيام الجامعة، عندما كانوا يأخذوننا إلى التحقيق. وأذكر أنهم كانوا في الحيّ يُخرجون الأطفال ويقولون: "ارجموا الشيطان". لكن ما يؤلمني هو أن تطال مثل هذه الحملات المسيئة بناتي. أخبرتهنّ مراراً وتكراراً أننا نعاني من مثل هذا الإساءات منذ زمن، بسبب آرائنا وقناعاتنا. لكن هذه الإساءات دفعت إحداهنّ إلى الاستقرار في بريطانيا، رافضة العودة إلى البلاد.
- ما هي مشاريعك الجديدة؟
لا أريد منصباً حكومياً ولا أي شيء من هذا القبيل ولا مالاً. أريد أن يعود متحفي من جديد. في عهد الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، تعبت وأنا أطلب من أمين العاصمة تخصيص غرفتَين للمتحف. في متحفي نحو ثمانية آلاف كتاب ومئات الملبوسات التقليديّة والمقتنيات المختلفة.
أعتقد أنه من واجب الدولة أن تقدّم لي مقراً. وكنت بعد مؤتمر الحوار قد تابعت الأمر مع الرئيس، عبد ربه منصور هادي، وأمين العاصمة، عبد القادر هلال. لكن حتى اللحظة لم تثمر الوعود.
هناكَ أيضاً مجموعة كتب وأبحاث لم أتمكن من طباعتها بسبب الأحداث الأخيرة، حول الربيع العربي وموروثات النساء، والجزء الرابع من مشروع ألف حكاية شعبية، إضافة إلى تنظيم عدد من المهرجانات.
- واقع حقوق الإنسان على مدى السنوات العشر الماضية والآن في اليمن، كيف تقيّمينه؟
للأسف، ما يجري للإنسان في اليمن من فقدان لمواطنته، أمر مهين. فهو يصنّف في خانات عنصريّة وطائفيّة ضيّقة.
كانت ثورتا 1962 و2011 قد أحدثتا حركة في المجتمع، وغيّرتا مفاهيم كثيرة، لكنهما لم تتمكنا من إزالة التراتبيّة والفوارق الاجتماعيّة. وهذه الفوارق والتقسيمات تغذّت وتجذرت بعد عام 2011، وأصبحنا نصنّف بعضنا في اليمن وفق هويات وعرقيات. والصراع المسلح، الذي حصل مؤخراً، سيزيد في تعميق الهوّة القائمة ويؤثّر سلباً على النسيج الاجتماعي.
- تركّزين نشاطك على حفظ التراث...
في ظل وجود مؤسسات تخضع للقرار السياسي، حاولت القيام بذلك قدر المستطاع. فوزارة الثقافة اختصرت دورها بدفع رواتب الموظفين. وهي تعيش أسوأ حالاتها منذ 2011. في السابق، كانت تقدّم الدعم إلى بعض المؤسسات الثقافيّة، لكنها تراجعت عن ذلك، ولم تعد تطبع الكتب والمجلات (مثل الحكمة والإكليل) التي تساعد في الحفاظ على إرث هذا المجتمع.
شخصياً، أقمت متحفاً للتراث الشعبي. فأنا بدأت منذ 17 عاماً أجمع المقتنيات التقليديّة. ويعود ذلك إلى أنني من منطقة شعبيّة بالقرب من سوق الصميل في تعزّ، وهي منطقة كانت مهدّدة بطمس معالمها. وبواسطة مبلغ حصلت عليه بعدما فزت بجائزة عن مجموعتي القصصيّة "حدث في تنكا بلاد النامس"، أقمت متحفاً صغيراً استمرّ حتى عام 2010. لم أستطع الصمود أكثر، لأن المقرّ الذي كنت أستأجره هدم. وبعدما تنقّلت به في أكثر من شارع وحيّ، انتهى الأمر بنهب كثيرٍ من المقتنيات النادرة.
- كيف تقيّمين وضع المرأة اليمنيّة؟
على الرغم من الوضع السيئ الذي نعيشه، إلا أنني أجد عدداً كبيراً من النساء اليمنيات اللواتي بدأن يقلن: "كلا". بدأن يدركن حقوقهنّ، كالتعليم والعمل ورفض ظلم الرجل.
نحن ما زلنا نعوّل كثيراً على منظمات المجتمع المدني والشباب. ومن ضمن إنجازات ثورة 2011، تكتلات شبابيّة تقوم بأنشطة ومشاريع توعويّة تهتمّ بحقوق المرأة والمواطنة المتساوية والتعايش واحترام الآراء.
ومن الإيجابيات، التي سجّلت مؤخراً، ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني إذ تمّ تمثيل المرأة اليمنيّة من مختلف المناطق. وهذه سابقة!
- كانت لديكِ تجارب في كتابة القصة القصيرة...
كنت أقوم بجمع الحكايات الشعبيّة أو ما نسميها بـ"الحزاوي". بدأنا مشروع "الألف حكاية شعبيّة" وأصدرنا ثلاثة أجزاء، لكننا لم نستطع المتابعة. أما "يحدث في تنكا بلاد النامس"، فهي أبرز أعمالي في هذا المجال. هي مجموعة قصصيّة فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الشارقة الثقافيّة، في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، في مجال القصة القصيرة.
- لمن يعود الفضل في تشجيعك؟
أنا من أسرة أميّة. والدي صاحب دكان في سوق شعبيّ ووالدتي ربة منزل. في (المرحلة) الابتدائيّة، كانوا يرغبون في تزويجي. لكن ذلك لم يحصل، فأنا كنت أحبّ التعلّم، خصوصاً وأنني كنت أتردّد إلى مكتبة في الجوار. لذا، أستطيع القول إن الكتاب له الفضل في تشجيعي.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنه، وعندما أنهيت الثانوية العامة، رفض والدي فكرة متابعة دراستي الجامعيّة. ولولا تدخّل أحد أبناء القرية وذهاب والدي إلى جامعة صنعاء ليراها بنفسه، لما كنت قد تمكّنت من ذلك، إذ كانت تصل إلى أهل القرية أخبار تقول إن اللواتي يذهبن للدراسة في الجامعة، يعدن وهنّ يحملن أطفالاً.
- أحد أسباب فوزك بجائزة "أليسون دي فورج"، للنشاط الحقوقي الاستثنائيّ لسنة 2014، هو كونك من الأصوات المنادية بالعدالة. كيف تقيّمين ميزان العدالة في اليمن اليوم؟
ميزان العدالة في اليمن مختلّ. كنا نتوقع أن تصحّح ثورة 2011 وضع العدالة. لكن للأسف، حتى وزارة العدل تأثرت بالعبث السياسيّ وقد سيطرت عليها قوى تقليديّة وأصوليّة جديدة. فأبعِد قضاة واستبدلوا بآخرين من جامعة الإيمان، بناءً على محاصصات حزبيّة.
- هل تعتقدين أن المرأة اليمنيّة حقّقت انتصاراً في موضوع تحديد سنّ الزواج ومنع زواج القاصرات؟
عملنا وعدد كبير من الزميلات في هذا المجال. واجهنا الأصوات، التي كانت ترفض تحديد سنّ الزواج، والصادرة عن نساء أحضِرن من جامعة الإيمان إلى مجلس النواب لتعطيل إصدار قرار. لم نسكت، وظللنا نرفض تزويج الصغيرات حتى خرج فريق الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار الوطني بقرار يضمن تحديد سنّ الزواج بما لا يقل عن 18 عاماً، وتجريم المخالفين. ومن المتوقّع أن يتضمّنه الدستور الجديد.
- كيف تتعاملين مع النقد الموجّه إليك؟
لا بأس من النقد. لكن كثيراً ما تمّ تكفيري بسبب رأيي وكتاباتي ومواقفي. وهنا أقول إنني مسلمة أؤمن بالله وبرسوله ولست كافرة.
في مؤتمر الحوار مؤخراً، كنا نختلف مع بعض القوى التقليديّة والدينيّة، مثلاً حول زواج القاصرات. كان يُقال إننا نؤسّس للدعارة والمثليّة. وعندما نتحدّث عن حريّة المعتقد، يُقال إننا ننشر الكفر في اليمن.
وطال الكلام أهلي وبناتي، وحتى غرفة نومي. بالنسبة إليّ، أنا اكتسبت مناعة منذ أيام الجامعة، عندما كانوا يأخذوننا إلى التحقيق. وأذكر أنهم كانوا في الحيّ يُخرجون الأطفال ويقولون: "ارجموا الشيطان". لكن ما يؤلمني هو أن تطال مثل هذه الحملات المسيئة بناتي. أخبرتهنّ مراراً وتكراراً أننا نعاني من مثل هذا الإساءات منذ زمن، بسبب آرائنا وقناعاتنا. لكن هذه الإساءات دفعت إحداهنّ إلى الاستقرار في بريطانيا، رافضة العودة إلى البلاد.
- ما هي مشاريعك الجديدة؟
لا أريد منصباً حكومياً ولا أي شيء من هذا القبيل ولا مالاً. أريد أن يعود متحفي من جديد. في عهد الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، تعبت وأنا أطلب من أمين العاصمة تخصيص غرفتَين للمتحف. في متحفي نحو ثمانية آلاف كتاب ومئات الملبوسات التقليديّة والمقتنيات المختلفة.
أعتقد أنه من واجب الدولة أن تقدّم لي مقراً. وكنت بعد مؤتمر الحوار قد تابعت الأمر مع الرئيس، عبد ربه منصور هادي، وأمين العاصمة، عبد القادر هلال. لكن حتى اللحظة لم تثمر الوعود.
هناكَ أيضاً مجموعة كتب وأبحاث لم أتمكن من طباعتها بسبب الأحداث الأخيرة، حول الربيع العربي وموروثات النساء، والجزء الرابع من مشروع ألف حكاية شعبية، إضافة إلى تنظيم عدد من المهرجانات.