أعمال الفنانة الليبية الإيطالية، أدليتا حسني بي (1985)، التي تُعرض حالياً في متحف "سرسق" في بيروت، هي ممارسات تشكيلية معاصرة تفكّر من خلالها في أيديولوجيا الهيمنة في المجتمعات الغربية، من جانبها السياسي والاجتماعي، والتربوي خصوصاً.
المعرض، الذي يحمل عنوان "أمواج جوفية"، افتُتح مؤخّراً، وسيظل متاحاً للمشاهدة حتى نهاية كانون الثاني/ يناير المقبل، وقد وضعت فيه الفنّانة أعمالها الكاملة إلى الآن، حيث يُمكن مشاهدة أكثر من عمل تسجيلي إلى جانب عدّة رسومات وتخطيطات، تَظهر فيها شخصيات بالأسود والأبيض مع الكثير من الكلمات العربية ذات الدلالة السلبية.
الفارق في شغل حسني بي أنه يتقاطع مع عملها كمتخصّصة في التربية. من هنا نجدها تنهمك بثيمات جديدة، فهي، مثلاً، تعيد التفكير جذرياً في النماذج التربوية، نرى ذلك في فيديو بعنوان "بعد خط النهاية" (2015)، الذي يتناول فكرة الثقافة التنافسية، وتوابعها النفسية والاجتماعية.
الفيلم الصامت ينتقد واحدةً من توابع الرأسمالية الواقعة على الفرد، بوصفه مشروعَ "قصة نجاح" في مجتمعات تدور قيمها حول ساعات العمل والمال وزيادة الدخل والشهرة. وللكشف عن الإنهاك العصبي والنفسي الذي يصيب الفرد نتيجة الذهنية التنافسية، استعانت الفنّانة الليبية بحكايات وشخصيات لأبطال وبطلات رياضيين في عمر المراهقة، ممّن تعرضوا إلى إصابة أثناء التدريب أو اللعب، وتضعهم في مواجهة سؤال الفشل الفردي والفشل الجمعي، وفخاخ مجتمع المنافسة المنصوبة لهم.
في المعرض، أيضاً، فيلم "أرض" (2014)، حيث رجال ونساء منهكون بأصوات عالية يناقشون خططاً تستهدفهم من الدولة التي تتآمر عليهم لبناء ما أُطلق عليه "القاهرة 2050"، فتسعى إلى إزالة منازلهم بهدف بناء برج جديد يطلّ على النيل.
كذلك عرض "سرسق" عشية الافتتاح فيلماً آخر للفنّانة بعنوان "بطاقات بريدية من جزر الصحراء" (2011)، وهو شريط قصير يسعى إلى قراءة بدايات السلوك المؤسّسي والعلاقات الاجتماعية، ويوثّق لتجربة تستند فيها حسني بي إلى رواية "أمير الذباب" لـ ويليام غولدنغ.
في هذا العمل، تدير الفنّانة تجرتبها في مدرسة ابتدائية في باريس، بهدف أن يدير الأطفال أنفسهم ذاتياً، فتطلب من الأطفال أن يقوموا بتحويل باحة المدرسة إلى صحراء، وأن يقيموا علاقات بهذه البيئة الجديدة، ثم أن يخطّطوا لكيفية العيش فيها. يلتقط الشريط تلك اللحظات "المصيرية" التي يبدأ فيها الأطفال بتنظيم أنفسهم والعمل على بناء مكان جديد بشروط يمزجون فيها المعرفة والخيال.
تجارب أدليتا حسني بي تفكيكٌ لبنى التفكير المتعارف عليها في التربية والهيمنة والمؤسّسة الاجتماعية والسياسية.