أخطر نظامين عربيين

17 ابريل 2019
+ الخط -
لو طرحنا السؤال، اليوم، عن مصدر أكبر خطر يهدد الدول العربية، ويحول دون تحقق إرادة شعوبها، فإن أغلب الإجابات الجاهزة ستتوزع بين فريق يرى في إسرائيل، ومن ورائها أميركا، أكبر خطر يحول دون تقدم أي دولة عربية وتطور شعبها، وفريق آخر يعتقد أن الخطر الكبير سيأتي من إيران، ولكلا الفريقين مبرّراته وأدلته القطعية. ولكن ثمة مصدر آخر لخطر أكبر يمثله النظامان، السعودي والإماراتي، على دول المنطقة العربية وشعوبها، بما فيها السعودية والإمارات وشعباهما. وهذا الخطر هو أكبر من كل أنواع الأخطار المحدقة بمستقبل الشعوب العربية، لسببين رئيسيين، أولهما أنه خطر داخلي، ينخر جسد الدول العربية ووحدة شعوبها من الداخل، والثاني أنه لا يقدّم نفسه على شكل خطر، أو قد لا يبدو لكثيرين كذلك، عكس ما تمثله إسرائيل وإيران من خطر عقائدي وإيديولوجي ترسخ في ذهنيات شعوب كثيرة في المنطقة.
لا يعني هذا الاستهانة بما يمثله النظامان الإيراني والإسرائيلي، وخصوصا الإسرائيلي، من خطر كبير على مستقبل المنطقة وشعوبها ووجودها، فهو خطر واضح، وإيديولوجية هذا النظام العنصرية كما عقيدته العدائية، معلن عنهما ولا تحتاجان إلى من يدل عليهما أو ينبه إلى خطورتهما. كما أن عقيدة نشر فكر الثورة الإيرانية هي أحد المبادئ التي لم يتخلّ عنها النظام في طهران منذ قيام ثورته. لكن الخطر الذي يمثله النظامان، السعودي والإماراتي، يكمن في أنه ليست لهما أجندة واضحة سوى التي تقوم على التخريب والتعطيل والعرقلة، وإنما لكونهما يخدمان، بقصد أو عن غير قصد، الأجندة العقائدية والإيديولوجية للنظامين الإيراني والإسرائيلي.
كل من الخطرين، بشأن إسرائيل وإيران، توسعي استيطاني واحتلالي فكري عقائدي. ومثل هذا الخطر زائل مهما طال وجوده، أما الخطر الذي يمثله النظامان، السعودي والإيراني، فهو 
يستهدف الأمل في التحرّر، والتوق إلى الديمقراطية، والرغبة في الانعتاق، وهو أيضا زائل مهما طال الزمن، لأن تلك إرادة الإنسان وفطرته التي جُبل عليها، ولا يمكن انتزاعها منه، لأنها تتجدد مع كل الأجيال التي تولد حرة، وتسعى إلى أن تعيش حرة.
وعلى أرض الواقع، نظاما الإمارات والسعودية متورّطان اليوم في التدخل في شؤون أكثر من دولة عربية أكثر من تورّط إسرائيل التي لا تخفي عداءها لشعوب المنطقة، أو أطماعها في دول المنطقة، وأكثر من التدخل الإيراني في أكثر من دولة عربية. ويكفي أن نستشهد بأن هذين النظامين يمثلان اليوم عمق الثورة المضادة التي وقفت وتقف منذ عام 2011 ضد إرادة كل الشعوب العربية التي انتفضت مطالبةً بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فهما اللذان تدخلا عسكريا لإخماد ثورة الشعب البحريني، وهي ما زالت جنينية في دوار اللؤلؤة، وسرقا من الشباب اليمني الذي كان يتظاهر سلميا في صنعاء ثورته، ليغرقا اليمن السعيد في حربٍ أهلية مدمرة. وهما من مولا ودعما، سياسيا ودبلوماسيا، الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح أول رئيس مدني منتخب بطريقة ديمقراطية تعرفه بلاد أرض الكنانة. وهما تآمرا وما زالا يتآمران لإفشال تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس. كما تدخل النظامان، الإماراتي والسعودي بقوة مالهما ونفوذهما، لكبح كل تحول ديمقراطي في الأردن والمغرب، وحولا أرض العراق وليبيا إلى ساحاتٍ مفتوحة للعبة الأمم.
وهذان النظامان اليوم هما من يتدخلان، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، في أكثر من دولةٍ 
عربية، يقفان دون تحرّر شعوبها ويجهضان ثوراتها من الداخل. حدث هذا في الجزائر التي خرج شعبها في مسيرات مليونية، يطالب بتوقف تدخل النظامين، السعودي والإماراتي، في مسار ثورته السلمية المستمرة. وتدخلا بطريقة فجة وعلنية لدعم الانقلاب العسكري في السودان الذي يحاول الالتفاف على مطالب الثورة الشعبية السودانية. وهما من أعطيا الضوء الأخضر لعميلهما الانقلابي، خليفة حفتر، في ليبيا للتحرك العسكري، وإفساد المؤتمر الوطني الذي كان مرتقبا عقده تحت إشراف الأمم المتحدة للإعداد لتنظيم انتخابات ديمقراطية، كان من شأنها أن تنهي الصراع الذي يغذيه هذان النظامان في هذا البلد منذ ثماني سنوات. ولا جديد في القول إن السلطتين في أبوظبي والرياض تخنقان رغبة شعبيهما في التحرّر والانعتاق، بل إن رغبتهما في بسط قمعهما تعدّت حدود بلديهما، عندما أرادا فرض شروطهما على دولة قطر.
أكبر متضرر من النظامين، الإماراتي والسعودي، شعباهما أولا، ثم شعوب الدول التي تواطأت أنظمتها معهما. أما الشعوب التي قاومت وتقاوم هيمنتهما وتدخلهما فستنتصر في النهاية، مهما كلفتها مقاومتها من تضحيات. وما دام لم يحصل أي تغير في بنية هذين النظامين، لن تقوم قائمةٌ لأية تجربة ديمقراطية في المنطقة العربية. ومقاومتهما تبدأ أولا بمساندة الأصوات الحرّة المقموعة داخل بلديهما، والتضامن معها من أجل استرجاع حريتها. وثانيا، بفضح تدخلاتهما في دول عربية، بهدف تخريب تجاربها الديمقراطية الجنينية. وثالثا، بإعلانهما أعداء للديمقراطية ولإرادة الشعوب. وقد بدأ هذا الوعي يخترق الشارع العربي في تظاهرات الجزائريين وانتفاضة السودانيين، وفي غضب الليبيين، وقبل ذلك في معارضة المصريين وكل الشعوب التي اكتوت بنار حربهما القذرة.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).