أحيدوس.. رقصة أمازيغية من الهامش إلى العالمية

17 ديسمبر 2015
تواكب الرقصة تأبين شابة ماتت قبل الزواج(فيسبوك)
+ الخط -


من الهامش ولدت وبالأفراح والأتراح نطقت، ومن مفارقات الحياة سخرت، لتنطلق متحررة نحو العالمية بلوحات أبهرت العرب والأجانب الذين كانوا يفغرون أفواههم دهشة وهم يشاهدون رقصة أمازيغية من أعلى جبال الأطلس.


الراقص يطوّع الأرض

إحدى وسائل التعبير عن الذات والجماعة والتفاعل مع الطبيعة والأحداث التاريخية، وواحدة من الرقصات التي طوّع فيها الراقص الأرض التي رقص فوقها ونثر فوق ترابها بذر الحب والسلام.

"أحيدوس" في الأمازيغية جمع إحيداس أو (أورار ourar)ـ أي اللعب، ويرتبط هذا الفن في اللغة العربية بالحدس: أي سرعة الفهم والاستنتاج والفعل، وتشير الأبحاث إلى أن موطنه الأصلي جبال الأطلس المتوسط المغربية.

تكتسي أحيدوس طابعا جماليا بالنظر إلى الحركات والأشعار المغناة على إيقاع آلات نقر تختلف من منطقة إلى أخرى. وتؤدّى على شكل دائري أو على شكل صفين متقابلين يشملان راقصين من الجنسين، يتحلّقون حول قائد يسير ويضبط حركاتهم، ويُعرف بـ"الرايس" أو "المايسترو" أي الذي يسير الراقصين.

ويستعمل الرايس مجموعة من الإشارات التي يقود بها المجموعة، والتي يعرف أفراد هذه الأخيرة مغزاها، فيمتثلون لها لإنجاح الرقصة، ويستعين على أداء مهمته بآلة إيقاعية تقليدية يمكّنه النقر عليها من ضبط إيقاع الرقصة، ويتيح له تحريكها ببراعة إصدار علامات خفية لا يعرف مدلولها سوى الراقصين الموجهة إليهم، خاصة عندما يتعلّق الأمر بتغيير الإيقاع والحركات أو الإعلان عن نهاية الرقصة، وكذلك للتنبيه إلى خطأ يرتكبه أحد الراقصين أو الراقصات.

وتختلف الآلة الإيقاعية في أحيدوس عن مثيلتها في رقصة أحواش، فهي أكبر من هذه الأخيرة وأعمق منها. وبخلاف إيقاع أحواش، يتميّز إيقاع أحيدوس بالبطء الذي ينعكس على حركات الراقصين الذين تتموج أجسادهم في حركة متناسقة هادئة.

ويبدأ أحيدوس عادة بانبراء رجلين في الغالب من بين صف أو حلقة الراقصين، فيرتجلان أو يختاران بيتا شعريا غنائيا، يكون في الغالب من الرصيد المتداول لدى الجماعة. وأثناء إنشادهما له يسود الصمت والإصغاء، إلى أن يستوي اللحن، ويتمكن الجميع من كلمات ومعاني البيتين المرددين مرتين أو أكثر، وذلك ما يعبّر عنه من طرف الراقصين بجمل من قبيل "ارفع الشعر أو الكلام" أو "قومه ليستوي" أو "كسر الشعر إلى أن يتلاءم والإيقاع".

بعد أن يتوافق الجميع على البيتين ومعناهما ولحنيهما، يشرع "الرايس" والراقصين من حملة الآلة في النقر على الآلة الإيقاعية "الطارة" جاعلا بذلك دائرة أو صف الراقصين تتموج في تثاقل. وما هي إلا ثوان، حتى يمتزج الإيقاع، تدريجيا، لينساب بعد ذلك في شكل فواصل متلاحقة وكأنه يبحث له عن مستقر.

وقتذاك يكون الراقصون قد انغمسوا في إنجاز الحركات الملائمة للمرحلة الأولى من الرقص. وتتمثل هذه الحركات في اهتزاز خفيف للكتفين، ما يجعل حلقة الراقصين تدور حول نفسها بتؤدة من اليسار إلى اليمين، بحيث لا تكاد تدرك حركات أقدام الراقصين. وقد تبدأ الحلقة الصغيرة تتسع بتوافد الراقصين المنضمين بعد أن كانوا من بين المتفرجين.

أحيدوس للمحترفين والضيوف

الرقص في "أحيدوس" غير محصور بمجموعة من المحترفين أو المؤدين، فدائرته تتسع لتستقبل جميع من يرغب في الرقص من نساء ورجال وشباب وشيوخ وضيوف على المجموعة من أهالي القبائل المجاورة والأجانب الذين يجدون أنفسهم دون سابق إنذار، وكأنهم وقعوا تحت تأثير السحر ينجذبون إلى الحلقة ويشاركون المجموعة رقصتها، حتى وإن استعصى عليهم فهم المعاني فإن أرواحهم تحلّق عاليا.

لكن ومع ذلك، فلا قيمة لهذه الرقصة الجماعية من دون المتفرجين الذين وإن كانوا خارج الحلقة، فكلهم انتباه وتتبّع للرقصة بكامل مراحلها وتفاصيلها. 

أحيدوس للأفراح والأتراح

ترتبط رقصة أحيدوس ارتباطا وثيقا بالحياة الاجتماعية لأهل القبيلة، فعلى غرار أحواش، فإن هذه الرقصة لا تتم إلا في إطار مناسبة اجتماعية، أو دينية، أو غيرها، أي كل مناسبة تتخذ طابع الاحتفال الجماعي. ذلك أن رقصة أحيدوس تنظم بالضرورة أثناء حفلات الأعراس والختان والمواسم وغيرها.

ولا تقام هذه الرقصة بدون حفل من هذا القبيل ولا قيمة لاحتفال بدون رقصة أحيدوس. وربما يبدو من قبيل الغرابة أن هذه الرقصة تواكب مراسم تأبين شابة أو شاب وافته المنية قبل الزواج، إلا أنه في هذه الحالة تتم الرقصة في جو رهيب دون أن يصاحب إنشاد المرثيات أي عزف على الآلة الإيقاعية. ومن الأشعار التي تردد: "هل ما زلتم تطمعون في رقصة بالبندير،
هل اللحد هو مثواكم أيها الشباب؟".

حينما يتماهى الجسد مع الطبيعة
يحرص الراقصون في أحيدوس على ارتداء زي موحّد تقليدي، عبارة عن جلباب أبيض يرمز للطهارة والصدق وعمامة وبلغة صفراء بين جميع العناصر، أما النساء فقط تطور لباسهن من السبنية الصفراء وقميص أبيض طويل إلى لحاف بلون أبيض أو أصفر مع حزام مصنوع من الحرير والأقراط المعدنية، أما المايسترو فيعتمد لباسا تقليديا كباقي أعضاء المجموعة إلا أنه يختلف عنهم في لون الجلباب للتمييز إضافة إلى سلهامين بالأبيض والأسود. ولا تستقيم رقصة أحيدوس كتعبير فني إلا بوجود ثلاثة عناصر أساسية وهي الحركات والشعر الغنائي والموسيقى.

ولا تكتمل هذه اللوحة إلا بالشعر الغنائي (إيزلي)، إذ يتولى شخص أو شخصان ممن هم لهم باع في قرض الشعر أو حفظه، وإتقان إلقائه. ويتكوّن عادة من بيتين تختلف مضامينهما حسب المناسبات، وتكون لغتهما بليغة، حافلة بالرموز والصور والأخيلة التي تميّز أي شعر عن الكلام العادي، ويكون ترديد البيتين بعد الإنشاد الفردي أو الثنائي موزعا بين صفي الراقصين أو نصفي حلقتهما، وذلك بتعاقب فريق بعد آخر. وهكذا ، يتكرر الغناء الجماعي لإيزلي طيلة الرقصة حيث يعمل بمثابة لازمة غنائية تؤطر الرقصة من بدايتها إلى نهايتها.

اقرأ أيضاً: إيلين سيغارا: الله لا يحضّ الناس على القتل

دلالات
المساهمون