تتناول رواية "وارسو قبل قليل" (دار نوفل)، وهي الثانية للكاتب اللبناني أحمد محسن، أزمةَ الإنسان اليهودي الذي يعيش خارج إطاره الجمعي المفترض، بعدما رفض أن ينتمي للغيتو الجديد المتمثل بدولة بن غوريون، إثر نجاته من الغيتو النازي.
أزمة يقاربها الكاتب عبر تتبع مسار شخصيتين يهوديتين تتناوبان على سرد قصتيهما اللتين تسيران في زمنين مختلفين: يوزيف اليهودي البولندي الخارج تواً من المعتقل بعد انعتاق العاصمة وارسو من قبضة النازية على يد السوفييت، وحفيده جوزيف الذي ورث عنه هواية العزف على البيانو، وأيضاً اضطرابه وهزائمه.
الجد يوزيف شوّهت الحرب العالمية الثانية ذاكرته وجعلته يفقد إيمانه بأوروبا، ما دفعه إلى مغادرتها ومحاولة الاندماج في القومية الجديدة المتشبثة بفكرة "أرض المعياد"، قبل أن يكتشف الوجه الآخر لهذا الحلم: "في بولندا كان الآخرون ضدّ يهوديّتي والآن أصبحت يهوديتي ضدّ الآخرين"، فيرحل إلى بيروت بعد أن يتبادل وثائقه مع يهودي فلسطيني، ويعتنق المسيحية بغرض الاندماج في المجتمع، ويحصل بعد سنوات على الجنسية اللبنانية.
ومن وارسو أيضاً يبدأ الحفيد جوزيف حياته، إذ يهرب جدّه به من بيروت، بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 الذي سيُقتل ابنه خلاله على يد رفاقه القدامى. لكن سرده يتركّز على بيروت التي سيعود إلى العيش فيها، علماً أنها ستكون وريثة وارسو بالحروب التي ستجتاحها وتنتجها "الهويات القاتلة"، بحسب أمين معلوف، ما سيُغرق جوزيف في هامشيته.
ورغم أن صاحب رواية "صانع الألعاب" نجح في طرح فكرة روايته الجديدة بلغة شعرية سلسة ومشوّقة، إلا أن الحبكة جاءت غير مقنعة، كما يتجلى ذلك في دور الصدفة الكبير في تحريك الأحداث. فعلى سبيل المثال، يدخل الحفيد في علاقة غرامية مع نور المسلمة المحجبة ووالدة الطالبة التي يعطيها دروساً في الموسيقى، قبل أن يكتشف أنها حفيدة شقيق جدّه المهاجر إلى أميركا. وليبرر الكاتب ذلك، يورد أن والدة نور كانت قد وقعت في غرام أحد اللبنانيين وهربت معه.
غير أنّ التبرير لا يبدو منطقياً عندما يستمر الكاتب في إلقاء الصدف في طريق الحفيد. فعندما يتعرّف جوزيف إلى ماريو الفرنسي في باريس، يتبيّن له أن زوجة ماريو الأميركية هي خالة نور، التي ستأتي إلى بيروت بحثاً عن ابنة أختها، وستدخل مع جوزيف في علاقة غرامية، كحال أغلب الشخصيات النسائية في الرواية، على أمل أن يساعدها في بحثها غير المجدي، قبل أن ينتهي بها الأمر إلى الانتحار.
يمكن أيضاً تسجيل ملاحظة أخرى على الرواية تتعلّق بخطابها السياسي، إذ نجدها تقدّم خطاباً لا يعبّر بواقعية عن الشخصية اليهودية، خصوصاً في ما يتعلّق بالجزء المتعلق بهجرة الجد إلى "إسرائيل"؛ إذ نجده يفقد إيمانه بالوطن الجديد فور وصوله، من دون أن يقدم خلفية تبرر ذلك، ما يدفعنا إلى التساؤل: أهذا ما يمكن ان يحدث للشخصية أم هذا ما فرضه الكاتب عليها؟