أحمد زكي... كيف صنع امبراطوريته في السينما المصرية؟

29 مارس 2017
كسر زكي قالب النجم السينمائي (فيسبوك)
+ الخط -
لا شك في أن الممثل الراحل أحمد زكي إحدى أهم الأسماء في تاريخ السينما العربية، ومن الصعب جداً التفكير في قائمة بأفضل الممثلين الذين مروا على الشاشة من دون أن يأتي ضمن صدارة القائمة، والسؤال هو: كيف صنع زكي تلك الإمبراطورية الضخمة؟ وما الذي شكل ملامح مسيرته الفنية العظيمة؟ نحاول في هذا الموضوع الإجابة عن هذا السؤال. 


كسر قالب النجم السينمائي


هناك حكاية شهيرة عن أن أحمد زكي كان المرشح الأول لبطولة فيلم "الكرنك"، ولكن منتجي وصناع الفيلم رفضوه وقالوا "من هذا ليقف أمام سعاد حسني"؟ كان التعليق دقيقاً جداً عن شكل السينما المصرية في هذا الوقت (منتصف السبعينيات)، والتي تؤمن بملامح محددة للبطل السينمائي، أن يكون أبيض ووسيماً وبجسد قوي، حسين فهمي أو محمود ياسين أو الجيل الأقدم منهم. أحمد زكي هو أول كسر لهذا القالب، أول من استطاع أن يصبح بطلاً من دون أن يمتلك "شكل البطل المعتاد"، صحيح أن عادل إمام فعلها ولكنه بدأ من أفلامٍ كوميدية (وهو نوع يسمح بمخالفة النمط وحدث مع فؤاد المهندس أو إسماعيل ياسين وغيرهم).


الاستفادة من الموجة المصرية في الثمانينيات

لا يمكن فصل مسيرة أحمد زكي الفنية وبصمته في السينما المصرية والعربية من دون الإشارة إلى أن "الموجة الواقعية الجديدة" (كما سماها بعض النقاد) في الثمانينيات، والتي قادها مجموعة من الأسماء مثل رأفت الميهي ومحمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة، تلك الموجة أعطته فرصة للتألق والظهور، كانوا هم أيضاً يبحثون عن بطل (بمواصفات غير تقليدية) وبطل يشبه الناس أكثر مما يشبه نجوم السينما، ووجدوا ضالتهم في "الشاب الأسمر"، ليشارك في بطولة أول أفلام الميهي "عيون لا تنام" وأول أفلام بشارة "العوامة 70" ويصنع شراكة طويلة مع خان والطيب نتج عنها أفلام مثل "البريء"، "زوجة رجل مهم"، "الهروب"، "أحلام هند وكاميليا"، وغيرها.





القدرة على التلوّن والتغير


انتمى زكي لمدرسة الـ"ميثود أكتينغ"، وهي مدرسة التمثيل التي تقوم على محو المسافة بين الواقع والفيلم، فيصير الممثل –كجزء من التدريب- هو شخصيته، وهو أمر لم يحدث قبله ونادراً ما حدث بعده في السينما العربية. لذلك كان زكي يعيش شخصياته في الحياة الواقعية، والكثير من الحكايات والنوادر يرويها صناع أفلامه عن مرحلة تصوير "أيام السادات" مثلاً وكيف ظل لعامين يتحدث بلكنة وطريقة الرئيس المصري الراحل، أو أنه تعلم الطبلة من أجل فيلم "الراقصة والطبال".

ولكن أيضاً في نقطة أعمق فإن زكي يتنفس تحت جلد الشخصية، مقارنة بسيطة بين أدائه لشخصية "أحمد سبع الليل" مجند الأمن المركزي المقهور في فيلم "البريء" (1986) وبين شخصية الضابط "هشام" القوي المتجبر في "زوجة رجل مهم" (1988) تضعنا تماماً في الصورة. كيف استطاع جسده وصوته وملامحه أن تتغير بهذا الشكل ليصنع شخصيتين متناقضتين إلى هذا الحد في ظرف عامين؟ زكي وحده من يعرف.





الموازنة بين الفني والجماهيري 


امتلك أحمد زكي قدرة دائمة على أن يبقى بالقرب من الجمهور، وأنه في الوقت الذي يصنع فيه أفلاماً فنية لن تنجح تجارياً (حتى لو كانت ستعيش طويلاً) فإنه في الوقت نفسه يبقى حريصاً على بطولة أفلام خفيفة بصبغة تجارية من أجل البقاء في الصورة ولا ينساه الناس، فيقوم ببطولة "شادر السمك" في نفس سنة "الحب فوق هضبة الهرم"، و"البيه البواب" في نفس سنة "زوجة رجل مهم"، و"البيضة والحجر" في نفس سنة "الهروب"، وأن تكون تلك الأفلام التجارية ذاتها معقولة جداً فنياً، فيكسب الجمهور والتاريخ في نفس الوقت.





الميل للشخصيات المعقدة


مال زكي دائماً للشخصيات متعددة الأبعاد، التي تتغير على مدار الفيلم، والتي يكون لديها صراع داخلي وليس فقط صراعاً مع قوة خارجية، فنراه مثلاً يتغير من محام فاسد إلى شخص يكافح من أجل قضية في "ضد الحكومة"، ومن موظف بسيط إلى منتقم شرس في "الهروب"، أو رجل يتساءل عن هويته وإذا كان ضابط شرطة أم مهرب مخدرات في "أرض الخوف"، أو فاسد يعاني من أجل النوم في "معالي الوزير"، وفي تلك الأفلام و-غيرها- هناك دائماً مساحة أدائية مختلفة ومعقدة يحب الحركة داخلها.





التعامل مع الشخصيات التاريخية


أحمد زكي كان يحب التقليد، يظهر ذلك في أدواره المسرحية الأولى أو بعض الحفلات التي قام فيها ليقلد الممثل، محمود المليجي، والمطرب، عبدالحليم حافظ، وغيرهما، وقد استفاد من تلك القدرة لصنع عدد من اللحظات المنيرة في مسيرته، حين جسد شخصيات يعرفها الناس فأدركوا –أكثر من ذي قبل- كم هو ممثل متمكن، أولها في بداية مسيرته في مسلسل "الأيام" أواخر السبعينيات حين جسد شخصية عميد الأدب العربي طه حسين، ثم لاحقاً حين قدم في ظرف سنوات قليلة فيلمي "ناصر 56" و"أيام السادات" مجسداً الرئيسين بأفضل صورة ممكنة، وفي فيلمه الأخير "حليم" رغم كل ظروف مرضه.

ولكل تلك الأسباب فإن "أحمد زكي" اسم بارز ولامع ولا ينسى في مسيرة السينما المصرية والعربية. 




المساهمون