أحزاب لبنان: جماد وموت

30 نوفمبر 2019
+ الخط -
يطيب للحزبيين، وأنصار الأحزاب عموماً في لبنان، التمسك بمبدأ الطائفية والمناطقية، خصوصاً في زمن انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول. تاريخهم مبنيٌّ على العنف ولعبة الشوارع. يكذبون كثيراً بأنهم يريدون وطناً جامعاً، وفي أول فرصةٍ يعمدون إلى تحطيم، أو محاولة تحطيم، أي مسعى إلى بناء مثل هذا الوطن. يعلم جمهور هذه الأحزاب أنهم انخرطوا في صفوفها لأسباب عدة، بدءاً من "اقتناعهم" بأن "لبنان لن يتغيّر"، وهو اقتناعٌ بمثابة قناع لطائفيةٍ مدفونةٍ بين حناياهم، مروراً بتأمينهم شبكة أمان وظيفي، ناتجة عن محاباتهم هذه الأحزاب، وصولاً إلى أنهم مستفيدون، بوصفهم أصحاب مصالح، من هذه الأحزاب. في كل تلك المراحل، تبدو الحياة الحزبية اللبنانية، بشكل عام، أقرب إلى دورةٍ معروفٌ أنها ستفني ذاتها بذاتها، كونها مبنيةً على جماد التفكير ومحدودية التغيير، ما يجعلها أسيرة الموت المحتّم في أي لحظة تاريخية. 
عليه، وجدت هذه الأحزاب نفسها في لحظة موت سريري في الأيام الأخيرة في لبنان. في الواقع، كانت نتائج الانتخابات النيابية 2018 واضحة: نصف اللبنانيين لم ينتخبوا، وجزء من النصف الآخر انتخب أطرافا مناهضة لتلك الأحزاب، وهناك من اقترع بورقة بيضاء. لا يعتبر هذا الأمر تفصيلاً، فالانتخابات في لبنان ديمقراطية في الشكل فقط، ذلك لأنه تتمّ ممارسة الضغوط على بعضهم للاقتراع لصالح فريق معيّن، سواء بالتهديد بالإقالة من العمل، أو تحويل الحقوق البديهية إلى منّة من مرشحٍ لناخب، أو بقيام الأحزاب بممارسات ترهيبية تدفع الناخب إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع، من أجل حماية نفسه، لا قناعة منه بجدوى الانتخاب أو صدق المرشحين.
شاهد الجميع في الأسبوع الأخير في لبنان محاولة استنباط شارع ضد شارع، على قاعدة "توتير الأمن"، لمنع الناس من المشاركة في أي تجمّعات وتظاهرات. سعت هذه الأحزاب إلى لعبٍ على اللاوعي الجماعي للبنانيين، خصوصاً في محاولة إحداث فتنةٍ أمنيةٍ في عين الرمانة ـ الشياح في بيروت. المنطقة الأولى ذات غالبية مسيحية والثانية ذات غالبية إسلامية، وقد اشتهرت المنطقتان بتواجههما في أثناء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990). سقط المشروع سريعاً. الأرضية غير مؤهلة لتقبّل رغبات أمراء الحرب وأتباعهم. حصل الأمر نفسه في منطقة بكفيا في المتن (شمال بيروت). التيار الوطني الحرّ والكتائب اللبنانية كادا أن يشتبكا، في محاولةٍ لشدّ العصب الحزبي، ومنع الجمهور المسيحي من التفكير بالتحرّر خارج الأحزاب التقليدية الأربعة، أي التيار والكتائب ومعهما القوات اللبنانية وتيار المردة.
يريد أنصار هذه الأحزاب إقناعنا بأن "لبنان لن يتغيّر". حسناً، إذا كان لبنان لن يتغيّر عبر خروج الناس من طوائفها، لماذا تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي في مارس/ آذار 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، والتأكيد منهم أنهم "تجاوزوا الطائفية"، قبل أن يعودوا إلى ممارسة لعبة المصالح؟ لماذا تحالف حزب الله وأمل والمستقبل والاشتراكي والقوات والكتائب في منطقة انتخابية استراتيجية في انتخابات 2005، أي بعد اغتيال الحريري، على الرغم من اتهام "المستقبل" حزب الله بالاغتيال؟ لماذا تفاهم التيار الوطني الحرّ وحزب الله في 6 فبراير/ شباط 2006، على قاعدة "نبذ الطائفية"، ثم "يفتخر" أنصارهما بأن "الطائفية لن تموت" و"كبّروا عقلكم"؟ لماذا أجرى تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ تسويةً رئاسيةً في عام 2016، أفضت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة، فيما هما حاليا يمارسان حرباً طائفية متضادة؟ ألم يتهم التيار الوطني الحرّ الحزب التقدمي الاشتراكي، بقيادة وليد جنبلاط، بمحاولة اغتيال جبران باسيل في مطلع الصيف من العام الحالي، ثم تقاسم الجميع مأدبة الغداء بعد أسابيع قليلة، بوجود جنبلاط وباسيل؟
طبيعي جداً أن تكون الحياة الحزبية حيويةً في مسار أي وطن، لكنها غير موجودة عملياً في لبنان، لأن أحزاب لبنان، من دون استثناء، مرحلة تطويرية من مليشياتٍ تتهاوى.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".