21 مايو 2022
أجندة سياسات فلسطينية: جيب المواطن أولاً
أطلق رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، يوم 22 فبراير/ شباط الماضي، أجندة السياسات الوطنية للأعوام (2017-2022)، وتتخذ من شعار "المواطن أولاً"، وترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الطريق نحو الاستقلال، ويتضمن تجسيد الدولة المستقلة وإنهاء الاحتلال والوحدة الوطنية وتعزيز المكانة الدولية لفلسطين. الإصلاح وتحسين الخدمات العامة، ويتضمن رفع مستوى فعالية واستجابة الحكومة للمواطن. التنمية المستدامة، ويتضمن تحقيق الاستقلال الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والتعليم والرعاية الصحية الجيدة والشاملة وتمكين المجتمع من الصمود والتنمية.
لم تأتِ أجندة السياسات الوطنية التي صدرت أخيرا وفق رؤيةٍ ونموذجٍ مغاير للسياسات والخطط التي أصدرتها الحكومات الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية، كملحقٍ لاتفاقية أوسلو في 1994، فجميعها تحتكم لضوابط إجماع واشنطن وما بعد واشنطن، فهذه السياسات، ومنذ 23 عاماً، زادت من تعميق وَهَنّ بنية الاقتصاد الفلسطيني بشكلٍ أصبح فيه يعاني من عدم التكافؤ في الفرص الاقتصادية، التبعية، ضعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، وفقاً لتعادل القوة الشرائية، وضعف مؤشرات النمو الصناعي والزراعي، وارتفاع سنوي في معدلات البطالة، وقد أنتج ذلك كله ما يُسمى "فقاعة" النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
طبقت الحكومات الفلسطينية مُتعاقبةً سياسات وخططاً وطنية تنموية عديدة، احتكمت جُلها إلى المنظمات الدولية، فقد جاء البرنامج الإنمائي الاقتصادي الفلسطيني (1994-2000) أول خطة للتنمية، تلتها إستراتيجية التنمية الاقتصادية عبر الاستثمار في العام 1996-1997، وخطة التنمية الفلسطينية الثلاثية (1998-2000) وخطة التنمية الخمسية (1999-2003) وخطة تجسيد السيادة الفلسطينية (2001-2005). وقد ارتكزت هذه الخطط على منطق الإغاثة والمساعدات لمشاريع أعدتها المنظمات الدولية والدول المانحة، وفق أولوياتها وسياساتها، ففي المحصلة بات الفلسطينيون أصحاب إحدى أكبر سلات للمنح والمساعدات في العالم، وقد ساهم ذلك في شرذمة بنية التنمية وتفككها، عدا عن ظهور آفاتٍ عديدة في القطاع العام كالفساد.
وقد جاءت مرحلة ما بعد الانقسام الفلسطيني بمجموعةٍ من السياسات والخطط، كخطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية (2008-2010)، والتي أتت بعد انقطاع المساعدات الدولية عامين، وتلتها الخطة الوطنية (2011-2013)، وخطة بناء الدولة وتجسيد السيادة (2014-2016)، وقد ارتكزت جميعها على بناء المؤسسات، ورفع مستوى معيشة المواطن، ورفع مستوى النمو الاقتصادي، وتوفير الصحة والتعليم. وشهدت هذه الفترة تطبيق النهج "الفياضي" (نسبة إلى رئيس الوزراء السابق سليم فياض)، كمجموعة من الخطط التي حملت دورا أكبر للقطاع الخاص والسوق الحرة، عكست جميعها سياسات نيوليبرالية، تسعى إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد، ولكن عجز هذه السياسات أَفشَلَ إمكانية تحقيق نمو اقتصادي وحوكمة. في المقابل، ساهم في إصلاح القطاع الأمني للسلطة الفلسطينية، بشكلٍ أصبحت فيه التنمية تقوم على قاعدة التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، مع تسجيل انتهاكات عديدة من النظام الأمني لحقوق الإنسان.
وعليه، في الوقت الذي فشلت فيه هذه النيوليبرالية في معظم الدول النامية، أوجدت في حالة "اللادولة" الفلسطينية (حكم ذاتي محدود) كياناً فلسطينياً عاجزاً عن بناء مؤسسات، وعن السيطرة على الاقتصاد، وعن تحقيق أي شكلٍ من أشكال التنمية، لأن كل ما يُهَمُهُ هو السيطرة السياسية والأمنية، فالأزمة الحقيقية التي باتت تعاني منها المؤسسات الفلسطينية اليوم بسبب سياسات السلطة الفلسطينية أدت إلى أن تتمركز جميع هذه المؤسسات العمومية ومؤسسات منظمة التحرير في حالة "اللاحكم".
لا تتوقف هذه القراءة عند مجموعةٍ من السياسات الوطنية، بل تتعداها إلى محاولة فهم الموازنة العامة، وربطها بأجندة السياسات الوطنية، ففي ذلك قراءةٌ لتوجهات الحكومة خلال سنةٍ ماليةٍ مُقبلةٍ، فقد صادق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على قانون الموازنة العامة للعام 2017، وذلك قبل أسبوع من إعلان أجندة السياسات الوطنية للأعوام (2017-2022) بموازنةٍ تقدر بـ 4.48 مليارات دولار(4.1 مليارات دولار للنفقات الجارية و350 مليون دولار للنفقات التطويرية)، وبفجوة تمويلية تصل إلى 465 مليون دولار، وبعجز إجمالي من موازنة العام 2016 نحو 1.4 مليار دولار.
تدخل الحكومة الفلسطينية العام 2017 بعجزٍ وفجوة مالية تصل إلى 44% من موازنتها، عدا عن ديون داخلية وخارجية متراكمة تصل إلى 4.2 مليارات دولار. ففي وقتٍ يتوجب على الحكومة تطبيق سياسات تقشفية حقيقية، لتغطية الفجوة والعجز المالي وتغطية التزمات جديدة، ترتبت عليها منذ العام الماضي، مثل إضراب المعلمين، نجد أن موازنة النفقات للعام الماضي، لا تحمل أي اختلاف مع موازنة النفقات للعام الحالي، وهذا يعني أن التقشف الحكومي سيقف عند الشعار الذي أطلقه رئيس الحكومة "سنأكل العدس والبصل".
وعليه، ما ورد في بند النفقات الجارية سيجعل الحكومة تبحث عن آلياتٍ لتغطية نفقاتها عبر تعظيم إيراداتها، ولكن في ظل أزمة التمويل الدولي التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، نظراً لأزمة مؤسسات بريتون وودز التي باتت تدعو الدول النامية إلى تقليل الاعتماد على دعمها، وفي ظل موازنة نفقاتٍ تطويريةٍ، تصل إلى 8% من إجمالي الموازنة، يبدو أن السياسات التي ستصوغها الحكومة، تماشياً مع أجندة السياسات الوطنية وموازنة العام الحالي، سترتكز على سياساتٍ تستهدف فيها "جيب المواطن أولاً"، كتوسيع القاعدة الضريبية، رفع أسعار التبغ، رفع أسعار الجمارك على السلع المستوردة، رفع أسعار رسوم المعاملات الحكومية، رفع أسعار البترول، وأخرى.
تؤكد أرقام وإحصائيات عديدة صادرة عن البنك الدولي على حجم المأزق الحقيقي الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني، فمعدلات الفقر والبطالة في فلسطين في تزايد مستمر، حيث أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي آخذ بالتراجع منذ العام 2013، بشكلٍ أصبح الأدنى مقارنةً بدول الجوار جميعها، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 27%، وهي الأعلى في المنطقة. وفي السياق نفسه، أظهرت آخر إحصائية أن إجمالي القروض الممنوحة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وصل إلى 4 مليارات دولار. وفي دراسة أخرى، صادرة عن معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية (ماس) في 2013 تشير إلى أن نحو 75% من موظفي القطاع العام حاصلون على قروض بنكية، ما يشير إلى غرق الفلسطينيين في القروض، مقارنة بوضع اقتصادي هش، ينذر باستمرار ارتفاع التضخم في الاقتصاد، والتعثر في سداد القروض.
يُستشرف من هذه المؤشرات الاقتصادية وغيرها أن أجندة السياسات الوطنية الفلسطينية للأعوام (2017-2022) هي كسابقاتها من السياسات التي أصدرتها الحكومات منذ توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية، لا تتبنى برنامجاً تنموياً شاملاً. وعليه، سيعمق ذلك مأزق التنمية في فلسطين، بشكل يؤدي إلى: تراجع مستوى الأنشطة التجارية، ارتفاع مستوى الاستيراد مقابل التصدير، ارتفاع مستوى التضخم في الاقتصاد، زيادة مستوى الاعتماد على السوق الإسرائيلي، تراجع أرباح قطاع المشاريع الصغيرة وأرباح الشركات الكبيرة باستثناء الاستهلاكية، وزيادة التوجه إلى الحصول على تسهيلات وقروض بنكية. بينما ستتوجه الحكومة إلى فرض ضرائب ورسوم جديدة، تستهدف فيها "جيب المواطن" لتغطية عجزها، وهذا ما يؤكد ما ذكره الباحث علاء الترتير أن "التنمية في فلسطين تعاني من مشكلة مفاهيمية (Conceptual) تتعلق بتعريف العملية التنموية".
التنمية حق طبيعي للشعوب، وللشعب الفلسطيني الخاضع للاستعمار حق طبيعي في صياغة أجندة سياساته الوطنية، بشكلٍ يضمن البحث عن نموذجٍ يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني بعيش كريم، ولا شك في أن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي إلى تآكل حقوق الشعب الفلسطيني، فالحكومة اليوم باتت تدير الاقتصاد الفلسطيني المجزوء، ولا تتحكم به، فالطريق نحو "السيادة والإصلاح وتحسين الخدمات والتنمية المستدامة"، كما وردت في أجندة السياسات الوطنية، لا يأتي في ظل تمكّن النهج النيوليبرالي من البيروقراطي، وفي ظل مؤسسات عمومية عاجزة ومجتمع مدني، يعتمد على سلة المنح والمساعدات، وقطاع خاص غير مُسند من مجتمع مدني فاعل، وفي ظل استفحال كولونيالي استيطاني آخر، آثاره قانون "الضم". ذلك يُوجب علينا توجيه الجهود لوضع ضوابط حقيقية، تنطلق من أن الشرط الأساسي في صياغة السياسات الوطنية التنموية يأتي عبر استنهاض الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي لإقامة مؤسسات مدنية وطنية.
لم تأتِ أجندة السياسات الوطنية التي صدرت أخيرا وفق رؤيةٍ ونموذجٍ مغاير للسياسات والخطط التي أصدرتها الحكومات الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية، كملحقٍ لاتفاقية أوسلو في 1994، فجميعها تحتكم لضوابط إجماع واشنطن وما بعد واشنطن، فهذه السياسات، ومنذ 23 عاماً، زادت من تعميق وَهَنّ بنية الاقتصاد الفلسطيني بشكلٍ أصبح فيه يعاني من عدم التكافؤ في الفرص الاقتصادية، التبعية، ضعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ونصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، وفقاً لتعادل القوة الشرائية، وضعف مؤشرات النمو الصناعي والزراعي، وارتفاع سنوي في معدلات البطالة، وقد أنتج ذلك كله ما يُسمى "فقاعة" النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
طبقت الحكومات الفلسطينية مُتعاقبةً سياسات وخططاً وطنية تنموية عديدة، احتكمت جُلها إلى المنظمات الدولية، فقد جاء البرنامج الإنمائي الاقتصادي الفلسطيني (1994-2000) أول خطة للتنمية، تلتها إستراتيجية التنمية الاقتصادية عبر الاستثمار في العام 1996-1997، وخطة التنمية الفلسطينية الثلاثية (1998-2000) وخطة التنمية الخمسية (1999-2003) وخطة تجسيد السيادة الفلسطينية (2001-2005). وقد ارتكزت هذه الخطط على منطق الإغاثة والمساعدات لمشاريع أعدتها المنظمات الدولية والدول المانحة، وفق أولوياتها وسياساتها، ففي المحصلة بات الفلسطينيون أصحاب إحدى أكبر سلات للمنح والمساعدات في العالم، وقد ساهم ذلك في شرذمة بنية التنمية وتفككها، عدا عن ظهور آفاتٍ عديدة في القطاع العام كالفساد.
وقد جاءت مرحلة ما بعد الانقسام الفلسطيني بمجموعةٍ من السياسات والخطط، كخطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية (2008-2010)، والتي أتت بعد انقطاع المساعدات الدولية عامين، وتلتها الخطة الوطنية (2011-2013)، وخطة بناء الدولة وتجسيد السيادة (2014-2016)، وقد ارتكزت جميعها على بناء المؤسسات، ورفع مستوى معيشة المواطن، ورفع مستوى النمو الاقتصادي، وتوفير الصحة والتعليم. وشهدت هذه الفترة تطبيق النهج "الفياضي" (نسبة إلى رئيس الوزراء السابق سليم فياض)، كمجموعة من الخطط التي حملت دورا أكبر للقطاع الخاص والسوق الحرة، عكست جميعها سياسات نيوليبرالية، تسعى إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد، ولكن عجز هذه السياسات أَفشَلَ إمكانية تحقيق نمو اقتصادي وحوكمة. في المقابل، ساهم في إصلاح القطاع الأمني للسلطة الفلسطينية، بشكلٍ أصبحت فيه التنمية تقوم على قاعدة التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، مع تسجيل انتهاكات عديدة من النظام الأمني لحقوق الإنسان.
وعليه، في الوقت الذي فشلت فيه هذه النيوليبرالية في معظم الدول النامية، أوجدت في حالة "اللادولة" الفلسطينية (حكم ذاتي محدود) كياناً فلسطينياً عاجزاً عن بناء مؤسسات، وعن السيطرة على الاقتصاد، وعن تحقيق أي شكلٍ من أشكال التنمية، لأن كل ما يُهَمُهُ هو السيطرة السياسية والأمنية، فالأزمة الحقيقية التي باتت تعاني منها المؤسسات الفلسطينية اليوم بسبب سياسات السلطة الفلسطينية أدت إلى أن تتمركز جميع هذه المؤسسات العمومية ومؤسسات منظمة التحرير في حالة "اللاحكم".
لا تتوقف هذه القراءة عند مجموعةٍ من السياسات الوطنية، بل تتعداها إلى محاولة فهم الموازنة العامة، وربطها بأجندة السياسات الوطنية، ففي ذلك قراءةٌ لتوجهات الحكومة خلال سنةٍ ماليةٍ مُقبلةٍ، فقد صادق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على قانون الموازنة العامة للعام 2017، وذلك قبل أسبوع من إعلان أجندة السياسات الوطنية للأعوام (2017-2022) بموازنةٍ تقدر بـ 4.48 مليارات دولار(4.1 مليارات دولار للنفقات الجارية و350 مليون دولار للنفقات التطويرية)، وبفجوة تمويلية تصل إلى 465 مليون دولار، وبعجز إجمالي من موازنة العام 2016 نحو 1.4 مليار دولار.
تدخل الحكومة الفلسطينية العام 2017 بعجزٍ وفجوة مالية تصل إلى 44% من موازنتها، عدا عن ديون داخلية وخارجية متراكمة تصل إلى 4.2 مليارات دولار. ففي وقتٍ يتوجب على الحكومة تطبيق سياسات تقشفية حقيقية، لتغطية الفجوة والعجز المالي وتغطية التزمات جديدة، ترتبت عليها منذ العام الماضي، مثل إضراب المعلمين، نجد أن موازنة النفقات للعام الماضي، لا تحمل أي اختلاف مع موازنة النفقات للعام الحالي، وهذا يعني أن التقشف الحكومي سيقف عند الشعار الذي أطلقه رئيس الحكومة "سنأكل العدس والبصل".
وعليه، ما ورد في بند النفقات الجارية سيجعل الحكومة تبحث عن آلياتٍ لتغطية نفقاتها عبر تعظيم إيراداتها، ولكن في ظل أزمة التمويل الدولي التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، نظراً لأزمة مؤسسات بريتون وودز التي باتت تدعو الدول النامية إلى تقليل الاعتماد على دعمها، وفي ظل موازنة نفقاتٍ تطويريةٍ، تصل إلى 8% من إجمالي الموازنة، يبدو أن السياسات التي ستصوغها الحكومة، تماشياً مع أجندة السياسات الوطنية وموازنة العام الحالي، سترتكز على سياساتٍ تستهدف فيها "جيب المواطن أولاً"، كتوسيع القاعدة الضريبية، رفع أسعار التبغ، رفع أسعار الجمارك على السلع المستوردة، رفع أسعار رسوم المعاملات الحكومية، رفع أسعار البترول، وأخرى.
تؤكد أرقام وإحصائيات عديدة صادرة عن البنك الدولي على حجم المأزق الحقيقي الذي يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني، فمعدلات الفقر والبطالة في فلسطين في تزايد مستمر، حيث أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي آخذ بالتراجع منذ العام 2013، بشكلٍ أصبح الأدنى مقارنةً بدول الجوار جميعها، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 27%، وهي الأعلى في المنطقة. وفي السياق نفسه، أظهرت آخر إحصائية أن إجمالي القروض الممنوحة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وصل إلى 4 مليارات دولار. وفي دراسة أخرى، صادرة عن معهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية (ماس) في 2013 تشير إلى أن نحو 75% من موظفي القطاع العام حاصلون على قروض بنكية، ما يشير إلى غرق الفلسطينيين في القروض، مقارنة بوضع اقتصادي هش، ينذر باستمرار ارتفاع التضخم في الاقتصاد، والتعثر في سداد القروض.
يُستشرف من هذه المؤشرات الاقتصادية وغيرها أن أجندة السياسات الوطنية الفلسطينية للأعوام (2017-2022) هي كسابقاتها من السياسات التي أصدرتها الحكومات منذ توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية، لا تتبنى برنامجاً تنموياً شاملاً. وعليه، سيعمق ذلك مأزق التنمية في فلسطين، بشكل يؤدي إلى: تراجع مستوى الأنشطة التجارية، ارتفاع مستوى الاستيراد مقابل التصدير، ارتفاع مستوى التضخم في الاقتصاد، زيادة مستوى الاعتماد على السوق الإسرائيلي، تراجع أرباح قطاع المشاريع الصغيرة وأرباح الشركات الكبيرة باستثناء الاستهلاكية، وزيادة التوجه إلى الحصول على تسهيلات وقروض بنكية. بينما ستتوجه الحكومة إلى فرض ضرائب ورسوم جديدة، تستهدف فيها "جيب المواطن" لتغطية عجزها، وهذا ما يؤكد ما ذكره الباحث علاء الترتير أن "التنمية في فلسطين تعاني من مشكلة مفاهيمية (Conceptual) تتعلق بتعريف العملية التنموية".
التنمية حق طبيعي للشعوب، وللشعب الفلسطيني الخاضع للاستعمار حق طبيعي في صياغة أجندة سياساته الوطنية، بشكلٍ يضمن البحث عن نموذجٍ يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني بعيش كريم، ولا شك في أن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي إلى تآكل حقوق الشعب الفلسطيني، فالحكومة اليوم باتت تدير الاقتصاد الفلسطيني المجزوء، ولا تتحكم به، فالطريق نحو "السيادة والإصلاح وتحسين الخدمات والتنمية المستدامة"، كما وردت في أجندة السياسات الوطنية، لا يأتي في ظل تمكّن النهج النيوليبرالي من البيروقراطي، وفي ظل مؤسسات عمومية عاجزة ومجتمع مدني، يعتمد على سلة المنح والمساعدات، وقطاع خاص غير مُسند من مجتمع مدني فاعل، وفي ظل استفحال كولونيالي استيطاني آخر، آثاره قانون "الضم". ذلك يُوجب علينا توجيه الجهود لوضع ضوابط حقيقية، تنطلق من أن الشرط الأساسي في صياغة السياسات الوطنية التنموية يأتي عبر استنهاض الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي لإقامة مؤسسات مدنية وطنية.
مقالات أخرى
28 يناير 2022
14 مايو 2021
21 ديسمبر 2020