أبناء البطة السوداء: "كايروكي" لم تغادر صندوقها القاتم

23 ابريل 2019
"غنوة ساكتة من غير كلام" (فيسبوك)
+ الخط -
عقب إصدار ألبومها الجديد، "أبناء البطة السوداء"، أطلقت فرقة "كايروكي" المصرية، أغنية منفردة بعنوان "سارة". اختلفت الأغنية عن باقي مضمون الألبوم في وجود كليب مصوّر خصيصاً. ورغم أنها أغنية عاطفية للغاية، فقد تم تصويرها في ذات الجو المقفر والألوان القاتمة المائلة إلى السواد، التي جرى تصوير الألبوم فيها.

تستمر الفرقة، بذكاء، في توزيع الأدوار ونفي فكرة الـ"فرونت مان"، أو المغني الأوحد عنها؛ فلا نسمع صوتاً غير صوت هواري (لم يشارك فيها أمير عيد)، الذي قدّم نفسه كمغن وراقص عبرها، وأهداها لزوجته. موسيقياً، الأغنية طويلة بلا مبرّر، سوى أن تكون هناك مساحة بصرية للرقص المعاصر في الفيديو. الموسيقى جيدة كالعادة، لكن الكلمات بدت وكأنها ترجمة عن لغة أخرى، تم لصقها جنباً إلى جنب في إطار الوزن. وكعادة العزف المنفرد لآلات كايروكي، كان الصولو للغيتار، الذي بدا ضعيفاً للغاية، عكس ما تحمله القطعة من إمكانيات. كما أن أداء هواري الغنائي المرتعش، لم يساعد كثيراً على أن يصل المستمع إلى تقبل الكلمات، رغم إحساسه بها.



نعود إلى ألبوم "أبناء البطة السوداء"، الذين غالباً يُقصد بهم الجيل الذي تمثله وتغني له "كايروكي". تؤكد أغنية "بنخاف" فكرة البطولة الجماعية للأعضاء من خلال الغناء الجماعي. الأغنية على بساطتها، وبساطة توزيعها والجملة اللحنية المكررة، جاءت محكمة أداءً وتنفيذاً، ولا يمكن ألا نتذكر mad world ونحن نستمع إليها. كما يتضح من خلالها الفارق بين أن تتعاون "كايروكي" مع شاعر مختلف من خارج الفرقة، وبين أن يكتبوا لأنفسهم من دون أن تتمزق التجربة. لا يمكن تفسير الإصرار على ذات الفكرة من حيث تقديم ألبوم مصور في موقع (لوكيشين) مغلق مثل الألبوم السابق، مع إضافة وحيدة فقط، هي المؤثرات البصرية، وما زال أمير عيد ممسكاً بالمايك!

تناقش أغنية "كان لك معايا" قضية مهمة، هي أغاني التنمية البشرية التي لا تعكس سوى حيوات أصحابها المرفهة، بينما لا تمثل أي واقع بالنسبة لجمهورها المفترض. الاختيار للمقطع المضمن من أغنية أم كلثوم كان اختياراً مبهماً قليلاً، ربما قصدت به الفرقة معنى الأصوات الجميلة التي لا تقدم معانيَ في غنائها، لكنه وُظّف جيداً ليصبح هو الجزء التفاعلي الذي يردده الجمهور في الأغنية ويعلق بأذنه.

نتذكر، عندما نستمع إلى الألبوم، متلازمة دودة الأذن، إذ تعلق في رأس الشخص جملة لحنية أو أغنية لفترة، ويعجز عن طردها. لكن، حينما يحدث هذا في عملية التلحين، فهو خطير. ولعلّ هذا ما حصل مع "كايروكي"؛ فيمكننا القول إن جملة "السكة شمال في شمال" علقت في رأس الفريق، ليكررها على طول الألبوم الجديد في أكثر من أغنية، وهي أصلاً جملة أغنية "الكيف" الأولى. حدث هذا في "يا أبيض يا أسود" أيضاً. حاولت الفرقة فيها الاقتباس من المهرجانات روحاً وإيقاعاً، لكنها نجحت في ذلك فقط بما يخص مستوى الكلمات، أو تضمينها للندم الديني وركاكة بعض القفلات في ثيمات القافية والتفعيلة.

نلاحظ أن هناك قصداً في أن تكون أغنية "نهاية العالم" (هاتلنا بالباقي لبان) ساذجة. لعلّ الجملة الوحيدة ذات المعنى هي "أنا عايز أكون فرحان". ليست أغنية سعيدة في النهاية، رغم سذاجة الكلمات والإيقاع الراقص، وجودة التنفيذ الموسيقي المستمرة على مستوى الألبوم كله، لكنها أعادت جو الموسيقى المعلبة الجاهزة التي تحاول الكلمات المتخبطة بالعربية تبنيها. الفراغات بين الجمل الغنائية-الأداء أكثر مما تحتمل الأغنية، من دون حدوث جديد موسيقياً كما استطالت الأغنية.

جاءت "يلا نغني" على قالب الراب الذي يمثّل رصّاً للكلمات، يتبعه فاصل من غناء سهل يمكن حفظه. كلمات الجزء الخاص بالراب عميقة، تعبّر عن صراع أمير عيد والفرقة بين الغناء والتعبير، والقيود المفروضة، بل وبين أفكارهم وهويتهم. لكن جاء الرد ساذجا وخاويا موسيقيا ولغويا: "يلا نغني اللي جوانا. جوانا غنوة ساكتة من غير كلام". وهو القرار الذي قررته الفرقة كسياسة لها كما يبدو.

بالعودة إلى الأغنية الشعبية التي يفاجئنا فيها هواري بقدرته على المصاحبة الموسيقية والعزف المنفرد على الترومبيت، بما يفوق قدرته على الغيتار، وكذلك أمير عيد بقدرته على الغناء التي يصرح دائماً بأنه لا يمتلكها. استخدام البايب أورغن على طول الألبوم يبدو خطوة جريئة، كما أضفى صوتاً مميزاً، وأعاد تعريف العديد من الناس بالأداة التي اختفت في عصر الديجيتال.
قبل إصدار الألبوم بفترة، أطلق الفريق أغنية "ما عاد صغيراً" التي تمثل محاولة للاشتباك مع نصوص بالفصحى. يعود هواري إلى الغناء (كلمات الراحل أحمد خالد توفيق). اللحن والأداء الغنائيان الفقيران سرقا الكثير من احتمالات الأغنية، والنطق الخاطئ للفصحى لإخضاعها موسيقياً كان واضحاً. عوّض ذلك ثراء التوزيع النسبي، ليحبطه من جديد الطول المبالغ فيه للأغنية قبل أن تصل إلى ذروتها في مقطع "إني أحيا…"، ودور الصوت المصاحب النسائي كان أجدر به أن يكون فوق الصوت الأصلي في المساحة وليس تحته، خصوصاً أنه صوت نسائي وخُصّص له جزء من الظهور البصري.

يعود شريف مصطفى إلى الغناء في "أنا الصوت"، وتعود الفرقة إلى التجربة المثرية في التعاون مع شاعر محترف من الخارج، ليكون العمل بسيطاً ومحكماً. دخول أمير عيد بعده كان مريحاً للأذن بشكل خاص لاختلاف شخصيات الصوتين غناءً، لا يخفى أبداً أنه حتى مع الشعراء المحترفين تلجأ الفرقة إلى إخضاع الكلمات للموسيقى بعنف، ولكنه أقل وقعاً من أن تكون الكلمات أيضاً ضعيفة. الأغنية كثيفة ومركزة وطولها مناسب تماماً، مثل "بنخاف"، من دون إضافات.
دلالات
المساهمون