28 يناير 2024
أبله يدافع عن أبله
أيّ أبله ذلك الذي أقنعنا يومًا بمقولته: "ليس أغبى من رجل يواجه دولة إلا دولة تواجه رجلًا"، فقد ثبت بالملموس أن هناك من الطرفين من هو على استعداد لخوض هذا الغباء حتى آخر الشوط.
الأبله الأول هو الرئيس دونالد ترامب، لم يواجه دولته فقط، بل العالم كله. والأبله الثاني هو محمد بن سلمان الذي سخّر دولته برمّتها لمواجهة رجل واحد هو جمال خاشقجي.
في الشق الثاني من معادلة الغباء التي تختصّ بالطغاة، لا يجد الطاغية حرجًا في جعل معارض واحد هدفًا للدولة؛ إذ عدا الرسائل التي يحرص على إيصالها إلى معارضين آخرين بالطبع، فإن الطاغية يرى في معارضٍ فرد شعبًا بأكمله يتربّص به، وينتهز أي فرصةٍ للخروج عليه. ولذا يشعر أنه في استنفار أجهزته القمعية، ومقدّرات البلد كلها، إن لزم الأمر، للتخلص من هذا المعارض، إنما يواجه "جيشًا" جرّارًا يستحق مثل هذا التجييش، ولا بأس، والحال كذلك، من عقد اجتماعات طويلة ومضنية لأجهزة المخابرات، برئاسة جنرالاتٍ مثقلين بالنياشين والأوسمة، وتخصيص طائراتٍ، وتجنيد عشراتٍ ومئاتٍ للنيْل من هذا "الخارج" على طاعة السلطان، فالمعركة "مصيرية"، تتعلق بالعرش ذاته، وتستوجب خوضَها حتى آخر طلقة ومنشار ورجل مخابرات، إذا استدعت الضرورة. وعقب رفع "رايات النصر" في هذه المعركة غير المتكافئة، سرعان ما يعود السلطان إلى رُعبه الأول، بانتظار الإجهاز على "تهديدٍ" آخر، وهذا عين ما فعله سلطانٌ كابن سلمان بجمال خاشقجي، في جريمة الاغتيال إياها.
غير أن ما لم يتوقعه "الأبله" أن ترتدّ الجريمة وبالًا عليه، بعد تسرّب فصولها الدموية، وانشغال العالم بها، والذي بلغ حدّ "الهستيريا"، وفق وزير خارجيته، فكان لا بدّ من معركةٍ أخرى لم يكن "الغبيّ" مستعدًّا لها؛ هي معركة "الترقيع"، ذلك أن آخر ما يفكّر به الطاغية هو سلاح "الإبرة والخيط"؛ إذ ما حاجته أصلًا لرتق فتوقٍ يتعمّد شقّها بنفسه، وجروحٍ يتلذّذ بجريان دمها؟ ولا حاجة للقول إنه كان يبحث عن نجدةٍ عاجلةٍ من البيت الأبيض، حصرًا، لأنه يدرك ثقل هذا البيت على صدر العالم برمّته.
لم يخب ظن الأبله الثاني بالطبع، فقد كان في البيت الأبيض أبله أول على استعدادٍ للترقيع، حتى لو استوجب ذلك أن يكون هو "الرجل الذي يعادي دولة" هي دولته، وعالمًا يعتقد أنه "عالمه" أيضًا، فقد جاءت تبرئته الغبيّ الأول عن جريمته التي وصفها، ذات تصريح، بأنها انطوت على "أغبى عملية تستّر على جريمة"، بمثابة بصقةٍ أولى في وجه الشعب الأميركي الذي اقشعرّ من هول الجريمة، وفي جبين مؤسسات دولته، ممثلةً بمجلسي الشيوخ والنواب، وكذلك جهاز المخابرات الذي خلص إلى اتهامٍ يكاد يبلغ درجة اليقين لبن سلمان بدم خاشقجي، فضلًا عن المراكز الحقوقية والمؤسسات الإعلامية بالطبع، والتي تبنّت قضية الثأر من القتلة، والكشف عن أسمائهم، مهما علت مراتبهم، فكان ترامب، في موقفه، وكأنه يقف على الضد من هؤلاء جميعًا، مضحيًا حتى بالقيم والمثل الأميركية التي كان يعتقد الأميركيون، ما قبل ترامب، أنها أزيد من خطوطٍ حمرٍ لا يسمح لأي رئيس، أو سياسيّ، أن يمسّها مهما بلغت التكلفة، بيد أن ترامب داسها جميعًا للحفاظ على "طهارة" بن سلمان.
أما البصقة "الترامبية" الأخرى، فوجهت إلى جبين العالم كله، الذي اصطفّ معظمه، في سابقةٍ نادرةٍ، ضدّ القاتل، وهو الموقف الذي كان يمكن أن يؤسّس لنهجٍ جديدٍ في التعاطي مع الجرائم السياسية، التي تهدد المعارضين، في سائر بلدان المعمورة، لولا أن ترامب رأى فيها "مقبورةً" صالحة لوأد أشلاء المعارضين فقط، من ضحايا بن سلمان ومن شاكله.
أما ذروة المضحك المبكي، فتحدث حين يحاول الأبله أن يدافع عن أبله، فيزيده تورّطًا بمصائب أعظم، كما فعل ترامب الذي كشف دور سعودية بن سلمان في بقاء إسرائيل، وانتشالها من مآزقها، وفي فتح أبواب الخليج لها.. وكلها ورطاتٌ ربما تهون أمامها الورطة الأولى.
حاصل القول هو تحالف "أبلهين"، إذن، لم يدركا بعد أن في وسع رجلٍ معارضٍ واحدٍ أن يقف في وجه نظام حكمٍ، بسائر أدواته وأجهزته القمعيّة، وينتصر حتى بموته.
الأبله الأول هو الرئيس دونالد ترامب، لم يواجه دولته فقط، بل العالم كله. والأبله الثاني هو محمد بن سلمان الذي سخّر دولته برمّتها لمواجهة رجل واحد هو جمال خاشقجي.
في الشق الثاني من معادلة الغباء التي تختصّ بالطغاة، لا يجد الطاغية حرجًا في جعل معارض واحد هدفًا للدولة؛ إذ عدا الرسائل التي يحرص على إيصالها إلى معارضين آخرين بالطبع، فإن الطاغية يرى في معارضٍ فرد شعبًا بأكمله يتربّص به، وينتهز أي فرصةٍ للخروج عليه. ولذا يشعر أنه في استنفار أجهزته القمعية، ومقدّرات البلد كلها، إن لزم الأمر، للتخلص من هذا المعارض، إنما يواجه "جيشًا" جرّارًا يستحق مثل هذا التجييش، ولا بأس، والحال كذلك، من عقد اجتماعات طويلة ومضنية لأجهزة المخابرات، برئاسة جنرالاتٍ مثقلين بالنياشين والأوسمة، وتخصيص طائراتٍ، وتجنيد عشراتٍ ومئاتٍ للنيْل من هذا "الخارج" على طاعة السلطان، فالمعركة "مصيرية"، تتعلق بالعرش ذاته، وتستوجب خوضَها حتى آخر طلقة ومنشار ورجل مخابرات، إذا استدعت الضرورة. وعقب رفع "رايات النصر" في هذه المعركة غير المتكافئة، سرعان ما يعود السلطان إلى رُعبه الأول، بانتظار الإجهاز على "تهديدٍ" آخر، وهذا عين ما فعله سلطانٌ كابن سلمان بجمال خاشقجي، في جريمة الاغتيال إياها.
غير أن ما لم يتوقعه "الأبله" أن ترتدّ الجريمة وبالًا عليه، بعد تسرّب فصولها الدموية، وانشغال العالم بها، والذي بلغ حدّ "الهستيريا"، وفق وزير خارجيته، فكان لا بدّ من معركةٍ أخرى لم يكن "الغبيّ" مستعدًّا لها؛ هي معركة "الترقيع"، ذلك أن آخر ما يفكّر به الطاغية هو سلاح "الإبرة والخيط"؛ إذ ما حاجته أصلًا لرتق فتوقٍ يتعمّد شقّها بنفسه، وجروحٍ يتلذّذ بجريان دمها؟ ولا حاجة للقول إنه كان يبحث عن نجدةٍ عاجلةٍ من البيت الأبيض، حصرًا، لأنه يدرك ثقل هذا البيت على صدر العالم برمّته.
لم يخب ظن الأبله الثاني بالطبع، فقد كان في البيت الأبيض أبله أول على استعدادٍ للترقيع، حتى لو استوجب ذلك أن يكون هو "الرجل الذي يعادي دولة" هي دولته، وعالمًا يعتقد أنه "عالمه" أيضًا، فقد جاءت تبرئته الغبيّ الأول عن جريمته التي وصفها، ذات تصريح، بأنها انطوت على "أغبى عملية تستّر على جريمة"، بمثابة بصقةٍ أولى في وجه الشعب الأميركي الذي اقشعرّ من هول الجريمة، وفي جبين مؤسسات دولته، ممثلةً بمجلسي الشيوخ والنواب، وكذلك جهاز المخابرات الذي خلص إلى اتهامٍ يكاد يبلغ درجة اليقين لبن سلمان بدم خاشقجي، فضلًا عن المراكز الحقوقية والمؤسسات الإعلامية بالطبع، والتي تبنّت قضية الثأر من القتلة، والكشف عن أسمائهم، مهما علت مراتبهم، فكان ترامب، في موقفه، وكأنه يقف على الضد من هؤلاء جميعًا، مضحيًا حتى بالقيم والمثل الأميركية التي كان يعتقد الأميركيون، ما قبل ترامب، أنها أزيد من خطوطٍ حمرٍ لا يسمح لأي رئيس، أو سياسيّ، أن يمسّها مهما بلغت التكلفة، بيد أن ترامب داسها جميعًا للحفاظ على "طهارة" بن سلمان.
أما البصقة "الترامبية" الأخرى، فوجهت إلى جبين العالم كله، الذي اصطفّ معظمه، في سابقةٍ نادرةٍ، ضدّ القاتل، وهو الموقف الذي كان يمكن أن يؤسّس لنهجٍ جديدٍ في التعاطي مع الجرائم السياسية، التي تهدد المعارضين، في سائر بلدان المعمورة، لولا أن ترامب رأى فيها "مقبورةً" صالحة لوأد أشلاء المعارضين فقط، من ضحايا بن سلمان ومن شاكله.
أما ذروة المضحك المبكي، فتحدث حين يحاول الأبله أن يدافع عن أبله، فيزيده تورّطًا بمصائب أعظم، كما فعل ترامب الذي كشف دور سعودية بن سلمان في بقاء إسرائيل، وانتشالها من مآزقها، وفي فتح أبواب الخليج لها.. وكلها ورطاتٌ ربما تهون أمامها الورطة الأولى.
حاصل القول هو تحالف "أبلهين"، إذن، لم يدركا بعد أن في وسع رجلٍ معارضٍ واحدٍ أن يقف في وجه نظام حكمٍ، بسائر أدواته وأجهزته القمعيّة، وينتصر حتى بموته.