أبراج الصمت

03 مايو 2015
فادي خطاب ذاكرته في مخيم اليرموك(العربي الجديد)
+ الخط -
أمتلكُ علاقةً حميميةً بين التصوير والموت، أو ربما هكذا أحدسُ نفسي. بدأتْ حين ورثتُ التصوير الفوتوغرافي عن عمي الذي استشهد أثناء التقاطه صوراً من حرب لبنان، وكانت لقطته الأخيرة للطائرة التي قصفته.. تلك لحظةٌ فاصلة ولعنة أرْخَتْ ظلالها على رؤاي.
الصورة لدي إحساسٌ يومي بالحياة، الفرح، الجوع، التبغ، الحزن، الموت والخذلان! هي حالة تكثيف لكل ذلك، وما سواه وما يعجزُ الحرفُ عن نيلهِ، فينسكبُ المشهد/ اللحظة في بوتقةٍ تفيضُ بها الذاكرة والصدى صمتٌ مؤجل ، حتى نكاد ننسى أصواتنا في ملح هذي التفاصيل. التصقت بعدستي لعنة الموت، ذلك الموت الذي أورثني تلك الهويّة / الهواية بعد استشهاد عمي الذي عاد بعد ثلاثين عاماً ليتلو قصته بشكل مختلف.
أنا اليوم أفقدُ وجوهَ أحبتي واحداً تلو الآخر.. وجوهُ أصدقائي يغيّبها الموت اليوم .. تلك الوجوهُ التي وثّقتُها، رحلتْ بصمتٍ قاتل دونَ أدنى إصدار لضجيجٍ محتمل أو لازم. جدلية الموت هذه جعلتني أنحاز للون الأسود في التصوير، أرفض الألوان. أنا لا أنتمي إليها، ولا أكاد أظفرُ بنبيذها. فقط قوس قزح يخلعُ بابَ قلبي إذْ أراهُ ابتسامة أوبريت لأحبتي ودمعة موسيقا، وشهقةً عالية للسماء.
معرضي "أبراج الصمت" قدْ يكون الأخير، هو قصةُ موتٍ معلن. لقطات تشييع الشهداء، وبيت مؤثث من ألم، ولقطات للوجوه المترقبة لحدث يومي يغطي بقعاً جغرافية مسيجة بالأمل والبحث عن وطن.. حفنة من تراب وعشب، وعيون وأزقة هذي الحاراتِ شجنْ.
هكذا تعامل الفلسطينيون أبناء المخيمات في سورية مع الموت، بمراسمَ خاصة كرنفالية، لا يقبلون التعازي، يهنئون بعضهم بالشهداء الراحلين؛ يتعاطون الود وينثرون الورد والأرز والعطور والحلويات على الجثامين!
المساهمون