آية تغلب السرطان بالفنّ

29 مارس 2016
بالبسمة الجميلة والفنّ غلبت المرض (العربي الجديد)
+ الخط -
تبلغ الشابة الفلسطينية آية عبد الرحمن 27 عاماً. هاجمها مرض السرطان قبل ثماني سنوات، لكنّها تمكنت من التخلص منه أخيراً ولو بعد آلام استمرت طويلاً.
لم تفارق البسمة شفاه آية حتى في فترة إصابتها بالمرض. فقد كانت تلك البسمة إحدى أدوات مقاومتها له. أداة أخرى كانت لوحاتها الفنية التي عبرت فيها عن يوميات السيدة المعاصرة في فلسطين وقضايا وهموم المريض في غزة المحاصرة. وأداة ثالثة قربها من الأطفال وحبها لهم.
بدأت معاناتها مع المرض وهي تعبر بالكاد طور المراهقة عام 2008. بدأ الأمر بآلام داخلية شديدة لم تُشخَّص كما يجب. انتقلت من طبيب إلى آخر حتى اكتشفت أخيراً أنّ جسدها يحمل أوراماً حميدة يمكن علاجها.

تابعت حياتها بشكل طبيعي وتزوجت من شاب يعلم تماماً أنها أصيبت بالمرض، كما اطلع على الأوراق الطبية كي يطمئن. لكن ما إن مضى شهران حتى بدأ يطالبها بالحمل، وأصر عليها لتناول هورمونات تساعد في الحمل. تلك الهورمونات قلبت حياتها. فقد تبيّن الأطباء أنّها أبدلت الأورام الحميدة لديها بمرض خبيث.
تقول آية لـ"العربي الجديد": "أهل زوجي السابق من العائلات التي تحب الإنجاب بصورة سريعة. تناولت هذه الحبوب لمدة 7 شهور بمعدل يومي، فكوّنت داخلي سبعة أورام ذات كتل سرطانية. بالطبع زوجي قرر تركي وأنكر تماماً ما سببه لي".

بالرغم من دخولها في حالة نفسية سيئة حينها، قررت أن تتحدى المرض، وتتابع حياتها بشكل طبيعي، وترسم وتمرح كما اعتادت. هكذا بدأت حياتها تتلون وكأنّ المرض غير موجود، وسط مساندة والديها. تابعت دراستها، وتخرجت عام 2009 من جامعة الأقصى في غزة في اختصاص هندسة الديكور.
بنفس الروحية المثابرة، بدأت ترسم اللوحات وتغوص في الفن أكثر، وتختلط في أجواء الفنانين، فأثبتت حضورها بينهم. وبالرغم من استغراب الجميع قدرتها على الرسم بالرغم من المرض، إلاّ أنهم أحبوها ودعموها، وهو ما فتح أمامها باب المشاركة في العديد من المعارض معهم.

تشارك آية سنوياً في نحو 10 معارض في أماكن مختلفة في القطاع. كما تشارك في معارض في الضفة الغربية. من أبرز تلك المعارض "وجوه فلسطينية"، الذي كان بمثابة تجمع لكل الفنانين على مستوى فلسطين. فيه قدمت لوحات تراثية تتحدث عن الحياة البدوية، والفلاحين، والأثواب الفلسطينية التاريخية. ومنها أيضاً معرض "امرأتان من أيلول" الذي ذاع صيته بفضلها، خصوصاً أنّها تمكنت من وضع معاناتها وسعادتها وطموحها في اللوحات التي قدمتها فيه.

بدأت آية الرسم منذ الطفولة. وبقيت مصرّة عليه بالرغم من أنّ مدرّستها ضربتها لأنّها كانت ترسم في حصص الدروس العامة. في تلك المرحلة لقيت تشجيعاً متواصلاً من أهلها استمر حتى اليوم. يعرف الأهل تأثير حياة الحصار في القطاع الذي كان يضم مستوطنات إسرائيلية قبل عام 2005 تؤثر في حياة الناس ككل. كما أنّ الحروب التي توالت على القطاع سواء من الاحتلال، أو الحروب الداخلية الفلسطينية، كلّها أثرت في نشأة الفتاة كما أقرانها. لكنّ أهلها تعاطوا معها بشكل إيجابي وشجعوها أكثر على الرسم.
في العاشرة من عمرها، شاركت في معرض فني داخل الجامعة الإسلامية، وفاجأت الجميع كونها أصغر فنانة مشاركة فيه.

تعمل والدة آية، مهى برزق في مكتب الإغاثة الإسلامية في غزة. تتذكر يوم كانت ترافق ابنتها إلى المستشفى داخل الأراضي المحتلة، وتنتظر عملية صعبة للغاية قد تكلفها حياتها. لكنّ الشابة المصممة والطموحة والمليئة بالحياة والأمل فاجأت الطاقم الطبي بروحها وضحكتها، بالرغم من أنّ الطبيب الإسرائيلي أجبر والديها، في إجراء معتاد، على توقيع تعهد بعدم مسؤولية المستشفى عمّا يحصل لها، كونها عملية خطيرة تتطلب استئصال الأورام الداخلية الخبيثة. خرجت آية معافاة، وعادت لزرع ابتساماتها أينما حلّت.
استمرت آية في العلاج طوال سبع سنوات. آخر عملية لها كانت العام الماضي. كانت عملية خطيرة شارك فيها أطباء من أميركا وألمانيا وغيرهما. نجحت العملية وأوقفت انتشار المرض في جسدها هذه المرة.

اليوم، تتابع آية حياتها متنقلة بين المستشفيات والمنتزهات والاحتفالات. تقدم أينما ذهبت حافزاً للجميع من أجل الصمود في وجه الحياة القاسية والأمراض. تقف على منصة عدد من الاحتفالات والفعاليات وتتحدث بثقة إلى المرضى. تمدّهم بجزء من تلك الثقة في قولها: "كنت مريضة بأخطر أنواع السرطان، لكنّني صممت على الانتصار عليه، وفعلت".

اقرأ أيضاً: مرضى السرطان بغزة يواجهون الموت البطيء
المساهمون