10 أكتوبر 2024
"11 سبتمبر" الفرنسية
لم يتوقع أحد أن تكون الهجمات التي ضربت باريس، أخيراً، بهذا العنف والقوة، من حيث حجمها وكلفتها البشرية الكبيرة وتداعياتها المختلفة على أكثر من صعيد. ولا مبالغة في القول إنها تماثل، أو تكاد، في دلالاتها وتبعاتها أحداث 11 سبتمبر/ أيلول التي تعرّضت لها الولايات المتحدة قبل 14عاماً. من هنا، قد تشكل هجمات باريس نقطة تحول أخرى، تصبح، بمرور الوقت، مرجعية متعددة الأبعاد، تقود سياسات فرنسا الداخلية والخارجية، كما حدث مع الحالة الأميركية، بشكل أو بآخر.
مؤكد أن تبعات هذه الأحداث لن تقف عند عشرات الأبرياء الذين سقطوا بين قتيل وجريح في مشاهد مروّعة، بل ستتعداها إلى قضايا وإشكالات أعمق، تتعلق بالهوية والاندماج والهجرة ومستقبل المنظومة القيمية التي ينبني عليها الكيان الفرنسي، بمكوناته العلمانية والجمهورية. وفي ذلك كله، ستجد الجاليات العربية والمسلمة نفسها في الفترة المقبلة معنية، أكثر من أي وقت مضى، بكل ما يترتب عن ذلك من تدابير وإجراءات وردود أفعال تخص وضعيتها وعلاقتها بالدولة والمجتمع الفرنسيين. كما أن ما حدث سينعش الطروحات العنصرية لليمين المتطرف، وسيغذّي خطابه المعادي للإسلام والمسلمين، ما يدفع إلى مزيد من التوتر الثقافي والقيمي والهوياتي داخل المجتمع الفرنسي، قد لا تنفع معه الإجراءات الأمنية المختلفة التي تظل غير كافية، وبحاجة دائماً لمشروع متكامل، يستدعي الإرهاب باعتباره ظاهرة عالميةً، لا تنفصل أسبابها عن تبعاتها بأي حال.
من ناحية أخرى، لا يمكن الفصل بتاتاً بين هذه الهجمات وما يحدث في الشرق الأوسط، خصوصاً فيما يرتبط بالأزمة السورية، بكل تعقيداتها السياسية والعسكرية والأمنية. ففرنسا عضو في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ولا تزال تعتبر تنحي بشار الأسد ضرورياً لأي تسوية محتملة، وهو التصور الذي يصطدم بمعارضة بعضهم في فرنسا، على اعتبار أن الإصرار على إطاحة الرئيس السوري يعكس قصوراً دبلوماسياً، لا يليق بمكانة باريس، ولا بأدوارها التي يفترض أن تلعبها في أكثر من ساحة على الصعيد الدولي، بل أكثر من ذلك، يساهم موقفها هذا في تفاقم الأوضاع، وانسداد كل آفاق الحل، خصوصاً أن التدخل العسكري الروسي عقد المشهد أكثر، وفتح الباب أمام احتمالات تراجيدية. في ضوء ذلك، لا يستدعي الزلزال الذي ضرب باريس فقط مراجعة الأخيرة تعاطيها مع تنظيم الدولة، بل مجملَ سياساتها في المنطقة، والتي يترجمها عجزها الواضح عن تطويق الأزمة، والتحكم في امتداداتها التي وصلت إلى عقر دارها، وبشكل دراماتيكي غير متوقع.
ربما غاب عن صناع القرار في فرنسا أن قوى إقليميةً استطاعت تحويل تنظيم الدولة إلى جزء من المعادلة، على الرغم من إدانتها المعلنة أعماله الإرهابية، بحيث ترى في عدم القضاء عليه بشكل كامل جزءاً حيوياً من مواجهة التغلغل الإيراني في المنطقة، وهو ما يصب في مصلحة التنظيم على المدى البعيد. ليس هذا إلا أحد أوجه إخفاق باريس في تدبير ملفات المنطقة المركبة والمعقدة، وهو الإخفاق الذي يجد عنوانه الأبرز في افتقادها رؤية متوازنة للأحداث، خصوصاً فيما يتعلق بموقفها السلبي من ثورات الربيع العربي، وانخراطها الخفي والظاهر، لأسباب اقتصادية بحتة، في الانعطاف بمساراته نحو الاحتراب الأهلي والطائفي والفوضى العارمة، عوض التفاعل الإيجابي مع تطلعات الشعوب نحو إقامة أنظمة ديمقراطية، تقطع مع الاستبداد والفساد وسوء توزيع الثروة.
في الصدد نفسه، تطرح هجمات باريس ازدواجية المعايير ومساهمتها في تغذية الإرهاب، والدفع به نحو سيناريوهات كارثية، ففي وقت يغض فيه الجميع الطرف عما يُرتكب من جرائم وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان، ومناطق أخرى من العالم، هرع قادة العالم للتظاهر في باريس، تنديداً بالهجوم الإرهابي الذي تعرّض له مقر صحيفة شارلي إيبدو في يناير/كانون الثاني الماضي. إنه جزء من نسق النفاق الدولي الذي يتغذّى على تداخل المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، دونما اعتبار الجوانب الأخرى، على ما لها من أهمية في أحيان كثيرة. أحدث تلكؤ المجتمع الدولي في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وانحيازه السافر للكيان الصهيوني إحساساً عميقاً بالظلم والغبن في المنطقة؛ غذّته جرائم إسرائيل المتكررة، وإمعانها المتواصل في سياسة الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي.
لا يمكن أن يقدم إعلان حالة التأهب القصوى في صفوف الجيش والشرطة الفرنسيين وصفة جاهزة لحل مشكلة الإرهاب بشكل جذري، وسيظل ذلك غير كاف. فالمقاربة الأمنية والاستخباراتية قد تكون ناجعة على المدى القريب، كما يمكن توظيفها في سياقات سياسوية داخلية ضيقة، لكنها لا تستطيع أن تقدم حلاً شاملاً يستوعب، بشكل عضوي، أسباب المشكلة والتبعات التي تترتب عنها.
مؤكد أن تبعات هذه الأحداث لن تقف عند عشرات الأبرياء الذين سقطوا بين قتيل وجريح في مشاهد مروّعة، بل ستتعداها إلى قضايا وإشكالات أعمق، تتعلق بالهوية والاندماج والهجرة ومستقبل المنظومة القيمية التي ينبني عليها الكيان الفرنسي، بمكوناته العلمانية والجمهورية. وفي ذلك كله، ستجد الجاليات العربية والمسلمة نفسها في الفترة المقبلة معنية، أكثر من أي وقت مضى، بكل ما يترتب عن ذلك من تدابير وإجراءات وردود أفعال تخص وضعيتها وعلاقتها بالدولة والمجتمع الفرنسيين. كما أن ما حدث سينعش الطروحات العنصرية لليمين المتطرف، وسيغذّي خطابه المعادي للإسلام والمسلمين، ما يدفع إلى مزيد من التوتر الثقافي والقيمي والهوياتي داخل المجتمع الفرنسي، قد لا تنفع معه الإجراءات الأمنية المختلفة التي تظل غير كافية، وبحاجة دائماً لمشروع متكامل، يستدعي الإرهاب باعتباره ظاهرة عالميةً، لا تنفصل أسبابها عن تبعاتها بأي حال.
من ناحية أخرى، لا يمكن الفصل بتاتاً بين هذه الهجمات وما يحدث في الشرق الأوسط، خصوصاً فيما يرتبط بالأزمة السورية، بكل تعقيداتها السياسية والعسكرية والأمنية. ففرنسا عضو في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ولا تزال تعتبر تنحي بشار الأسد ضرورياً لأي تسوية محتملة، وهو التصور الذي يصطدم بمعارضة بعضهم في فرنسا، على اعتبار أن الإصرار على إطاحة الرئيس السوري يعكس قصوراً دبلوماسياً، لا يليق بمكانة باريس، ولا بأدوارها التي يفترض أن تلعبها في أكثر من ساحة على الصعيد الدولي، بل أكثر من ذلك، يساهم موقفها هذا في تفاقم الأوضاع، وانسداد كل آفاق الحل، خصوصاً أن التدخل العسكري الروسي عقد المشهد أكثر، وفتح الباب أمام احتمالات تراجيدية. في ضوء ذلك، لا يستدعي الزلزال الذي ضرب باريس فقط مراجعة الأخيرة تعاطيها مع تنظيم الدولة، بل مجملَ سياساتها في المنطقة، والتي يترجمها عجزها الواضح عن تطويق الأزمة، والتحكم في امتداداتها التي وصلت إلى عقر دارها، وبشكل دراماتيكي غير متوقع.
ربما غاب عن صناع القرار في فرنسا أن قوى إقليميةً استطاعت تحويل تنظيم الدولة إلى جزء من المعادلة، على الرغم من إدانتها المعلنة أعماله الإرهابية، بحيث ترى في عدم القضاء عليه بشكل كامل جزءاً حيوياً من مواجهة التغلغل الإيراني في المنطقة، وهو ما يصب في مصلحة التنظيم على المدى البعيد. ليس هذا إلا أحد أوجه إخفاق باريس في تدبير ملفات المنطقة المركبة والمعقدة، وهو الإخفاق الذي يجد عنوانه الأبرز في افتقادها رؤية متوازنة للأحداث، خصوصاً فيما يتعلق بموقفها السلبي من ثورات الربيع العربي، وانخراطها الخفي والظاهر، لأسباب اقتصادية بحتة، في الانعطاف بمساراته نحو الاحتراب الأهلي والطائفي والفوضى العارمة، عوض التفاعل الإيجابي مع تطلعات الشعوب نحو إقامة أنظمة ديمقراطية، تقطع مع الاستبداد والفساد وسوء توزيع الثروة.
في الصدد نفسه، تطرح هجمات باريس ازدواجية المعايير ومساهمتها في تغذية الإرهاب، والدفع به نحو سيناريوهات كارثية، ففي وقت يغض فيه الجميع الطرف عما يُرتكب من جرائم وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان، ومناطق أخرى من العالم، هرع قادة العالم للتظاهر في باريس، تنديداً بالهجوم الإرهابي الذي تعرّض له مقر صحيفة شارلي إيبدو في يناير/كانون الثاني الماضي. إنه جزء من نسق النفاق الدولي الذي يتغذّى على تداخل المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، دونما اعتبار الجوانب الأخرى، على ما لها من أهمية في أحيان كثيرة. أحدث تلكؤ المجتمع الدولي في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وانحيازه السافر للكيان الصهيوني إحساساً عميقاً بالظلم والغبن في المنطقة؛ غذّته جرائم إسرائيل المتكررة، وإمعانها المتواصل في سياسة الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي.
لا يمكن أن يقدم إعلان حالة التأهب القصوى في صفوف الجيش والشرطة الفرنسيين وصفة جاهزة لحل مشكلة الإرهاب بشكل جذري، وسيظل ذلك غير كاف. فالمقاربة الأمنية والاستخباراتية قد تكون ناجعة على المدى القريب، كما يمكن توظيفها في سياقات سياسوية داخلية ضيقة، لكنها لا تستطيع أن تقدم حلاً شاملاً يستوعب، بشكل عضوي، أسباب المشكلة والتبعات التي تترتب عنها.