"وجوه وأماكن".. الثورة السورية بعيون المؤمنين بها

28 يوليو 2015
حقّي وسليمان في "ميدان" التصوير (العربي الجديد)
+ الخط -
منذ وقت مبكر لاندلاع المظاهرات الشعبية ضد النظام السوري في 15 مارس/آذار 2015 انشغلت الدراما السورية بتتبع تداعيات الحراك الشعبي على الأرض، فأنتجت أول أعمالها بعد نحو ستة أشهر من ذلك التاريخ هو مسلسل "فوق السقف"، الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، وتتالت الأعمال التي أنتج غالبيتها القطاع الحكومي في سورية ممثلاً بالمؤسسة، وشركات للقطاع الخاص داخل سورية، فيما تأخرت مواكبة الدراما للأحداث على الأرض من وجهة نظر معارضة، باستثناء تجارب معدودة قدّمها هواة وناشطون، عبر أعمال بثّت بشكل أساسي على "يوتيوب" و"فيسبوك".

إلا أنّ تلك الأعمال لم تكن معدّة للعرض التلفزيوني، ولم تنطبق عليها كافة الشروط الاحترافية لصناعة المسلسل التلفزيوني، وبالتالي لم تدخل في منافسة مع ما عرض على التلفزيون من مسلسلات تناولت الحدث ذاته، وبالتالي لم تملأ فراغاً يشعر به معارضو النظام يعبر عن ثورتهم.

خلال الموسم الدرامي 2015 تصدّت شركة "ميتافورا للإنتاج الفنّي" لملء هذا الفراغ، وذلك في باكورة إنتاجها الدرامي، مستعينة بشيخ المخرجين السوريين، الفنان هيثم حقي، ونخبة من نجوم الدراما السورية، يتقدمهم الفنانون جمال سليمان ويارا صبري وفارس الحلو ومكسيم خليل وآخرون.. وذلك لإنتاج أول عمل درامي من نوعه، قال صانعه، المخرج حقّي، على صفحته في "فيسبوك" إنه "يصف حالنا وحال ثورتنا وما آلت إليه، والعودة بها إلى أصلها كثورة من أجل الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية ... ".

تألّف العمل من ثلاث حكايات، كتب قصصها المخرج هيثم حقي نفسه، فيما قام بكتابة الحوار والسيناريو للحكاية الأولى "وقت مستقطع"، فيما أنجز السيناريست غسان زكريا السيناريو والحوار للحكاية الثانية "مدينة الذهب"،، وقام السيناريست خالد خليفة بكتابة الحوار والسيناريو للحكاية الثالثة "القلعة".

اقرأ أيضاً: الدراما السوريّة: حكايات صمت عن الكلام المباح

ثلاث حكايات قدّمت بمضمونها الجغرافيا السورية وتفاصيل الحراك الشعبي فيها، منذ انطلاق شرارتها الأولى، وتفاصيل تتعلق بالثورة السورية، يتمّ تناولها للمرة الأولى في الدراما السورية والعربية، الأمر الذي حفظ للمسلسل قصب السبق في تغيير المزاج الدرامي السائد في تناول أحداث الثورة السورية، وذلك بتغيير كثير من تفاصيل المشهد المعتاد في هذه الدراما التي أنجزت قرابة العشرين عملاً في هذا السياق، وأبسط تفاصيل هذا التغيير أنها قدّمت وجهة نظر معارضة دون تحفظ وقيود رقابية، فجاء المسلسل بكثير من المقولات التي لم نعتدها في أي من الأعمال السابقة، كما أسّس المسلسل لخطاب درامي جديد حول ما حدث في سورية، وأعاد التوازن في الخطاب المتداول حولها، بتقديمه صوت الجمهور المعارض للنظام الذي كان قبيل إنتاج "وجوه وأماكن"، ممتعضاً من أنّ أحداً لم يؤرّخ لثورته كما يجب.

الحكايات الثلاث تحتاج لقراءات منفصلة، بمضمونها وشكلها الفني، وهو ما قد نفعله في مقالات أخرى، مكتفين في هذا المقال بقراءة الحكاية الأولى، "وقت مستقطع"، قصة وحوار وسيناريو هيثم حقي، بوصفها الحكاية النموذج، وفي الكثير من الأحكام عليها ما ينطبق على الحكايتين الأخيرتين.

وقت مستقطع بين زمنين
تدور أحداث "وقت مستقطع" مع بدايات "الربيع العربي" في تونس، مروراً بانطلاق المظاهرات الشعبية في سورية، حيث تتناول حكايته عائلة مهندس المعلوماتية مازن، قام بدوره جمال سليمان، وزوجته الحقوقية الدكتورة سمر، قامت بدورها يارا صبري، وقد مر ربع قرن على زواجهما، قضياها في حالة انسجام وحبّ تامين، إلى أن أقلق صفو حبّهما هذا دخول ابنة لواء متقاعد، في لعبة رهان على قلب مازن الذي لم تستطع النساءُ انتزاع حبّه لزوجته وإخلاصه لها.

سرعان ما يسقط مازن في شرك الفتاة اللعوب، ويبدأ شرخ بالظهور في حياة العائلة السعيدة، إلا أن انطلاق المظاهرات في سورية تصبح النقطة الفاصلة التي ستحول دون اتساع هذا الشرخ، بل وستعاود رأب الصدع في العائلة، بعد أن يشارك الأبناء في المظاهرات، ويتعرض الابن الأكبر للاعتقال، حيث يعود الأب إلى حضن عائلته، وينتصر للحب الحقيقي الذي يجمعه وعائلته، في مواجهة القمع هذه المرة...وصولاً إلى السفر خارج البلاد، حيث تتبع مآلات الجميع، من انتصر للثورة منهم ومن عاداها.

عودة الأب ورأب الصدع الذي أحدثه رهان من اعتاد اللعب بمصائر الناس وسط عائلة قامت على الحب، بدت الرمزية الأكثر وضوحاً في الحكاية، وكأن العمل أراد أن يقول إن الحراك الشعبي في سورية أعاد تجميع القلوب وألف بينها من جديد.

وتبدي دراما "وجوه وأماكن" ميلها إلى تصدير أبطال دراميين من لحم ودم، لا سيما مع ذكرها أسماء ناشطين وحقوقيين سوريين معارضين في حوارات شخصيات العمل، وضمن سياق درامي.

اقرأ أيضاً: عبد الحكيم قطيفان: الدراما السورية مقسومة

على صعيد آخر تستعيد حكاية "وقت مستقطع" أبناء الطبقة الوسطى والمثقفة في سورية، والتي كادت تغيب خلال السنوات الأخيرة عن الدراما السورية، فأبطال العمل هنا أسرة سورية متعلّمة، تعبق يومياتها بتفاصيل سورية محببة، بدءاً من صباحاتها المعبقة بصوت فيروز ورائحة القهوة، مروراً بالعلاقات الاجتماعية الدافئة التي تميز بها السوريون، وعكست طبيعة مجتمعهم.

على صعيد الإخراج ثمة عودة بروح شابة لشيخ المخرجين هيثم حقي، كاميرا توازن بين الشكل والمضمون، فتلتقط الحدث بقيمته الفكرية من دون ترف في إبهار الصورة، أما على صعيد التمثيل فبدا "وقت مستقطع" عودة قوّية للفنانَين يارا صبري وجمال سليمان بعد غيابهما عن الدراما السورية، هما اللذان ساندا ثورة الشعب السوري منذ انطلاقتها ولم يتوقفا عن دعمها رغم ما عصف بها. فيما يحفظ للعمل رهانه على عدة وجوه شابة ومنها من يطلّ لأوّل مرّة، ويحفظ للشركة المنتجة للعمل شركة "ميتافورا للإنتاج الفنّي" سعيها لتقديم دراما مختلفة عما حدث في سورية، إضافة إلى نجاحها في إعادة عدد من نجوم الدراما السورية، ممن غابوا عن مربع الشاشة الصغيرة منذ بدء الأحداث السورية.
المساهمون