طوال السنوات السبع الماضية حلم المصريون برغد العيش الوفير والحياة الكريمة والرفاه الاقتصادي والمن والسلوى، مع وعود متلاحقة من السلطة الحاكمة بتحسن الأحوال المعيشية للمواطن، وخفض أسعار السلع والخدمات، وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين خاصة من الشباب وخريجي الجامعات، وإطلاق مشروعات قومية كبرى تعود بالنفع على المواطن والاقتصاد، ونقل الاقتصاد المصري إلى مصاف الاقتصاديات الكبرى، وتحقيق معدلات نمو غير مسبوقة.
وعندما خرج السيسي على المصريين أكثر من مرة مردداً عبارات من نوعية "بكرة هتشوفوا مصر"، "مصر هتبقى أد الدنيا"، و"بكرة تشوفوا العجب"، حلم المواطن بحياة أفضل، وبأسعار سلع وخدمات أرخص، وخدمة صحية وتعليمية متميزة، وقبلها بسرير في المستشفى في حال مرضه، ومكان لابنه في المدرسة، وحل أزمة السكن والمواصلات الخانقتين.
وحلم المصريون كذلك بالحصول على وحدة سكنية مجانية أو بسعر رمزي من المليون وحدة التي تم الإعلان عن إقامتها لمحدودي الدخل في العام 2014 بالتعاون مع شركة أرابيتك الإماراتية، كما حلموا بالحصول على 10 فدادين وربما أكثر من ملايين الأفدنة التي سيتم استصلاحها وضمها إلى الرقعة الزراعية.
وعندما كانت تتردد مثل هذه الوعود الرسمية البراقة على صفحات الجرائد وفي برامج التوك شو كان بعض المواطنين يسارعون نحو الآلات الحاسبة، ليحصوا ملايين الدولارات التي ستتدفق عليهم شخصياً من إيرادات "قناة السويس الجديدة" البالغة 100 مليار دولار حسب أرقام رسمية تم إعلانها في العام 2015 عل لسان الفريق مهاب مميش، ومن 50 مليار دولار وربما أكثر ستتدفق على مصر من دول الخليج في صورة منح مجانية ومساعدات لا ترد، وعلى أطنان من البنزين والسولار المجاني القادم من السعودية والإمارات، وكذا من حصيلة المشروعات القومية العملاقة التي ستدر مليارات الجنيهات سنويا، ومن حصيلة حقل ظهر، أكبر موقع لإنتاج الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط.
ساعتها تنوعت أحلام المواطن البسيط، فالبعض حلم بأن يكون مليونيرا يمتلك الملايين في البنوك، أو رجل أعمال، أو مستثمرا صاحب مصنع أو مشروع تجاري، أو من علية القوم، أو مضاربا في البورصة ليحصد الأرباح السريعة، وبعضهم كان واقعيا حينما أراد "الستر"، وأن يعيش هو وأسرته ومن حوله مستورين لأنهم لا يصدقون مثل هذه الوعود.
ويوما بعد يوم كانت تطلعات المصريين تزيد، خاصة وأن وسائل الإعلام كانت تبشرهم دوماً بعناوين براقة منها "السيسي يخاطب المستقبل.. بكرة تشوفوا العجب"، "برنامج الإصلاح الاقتصادي للمستقبل"، "158 مليار دولار حصيلة اليوم الثاني للمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ"، "اطلاق رؤية مصر 2030، كاستراتيجية للنهوض بالوطن"، إيرادات السياحة المصرية تتعدى حاجز الـ 20 مليار دولار سنوياً، في الـ 5 سنوات المقبلة، مصر الأكثر جذباً للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا.
وزادت تطلعات المصريين في شهر سبتمبر 2018 حينما بشر السيسي المصريين بأنهم سيرون "دولة تانية" في 30 يونيو 2020، أي اليوم الثلاثاء.
لكن تمر سنوات " 7 عجاف" ولم يحصد المصريون المن والسلوى، بل حصدوا الفقر والعوز والذل والغلاء والديون والبطالة والأزمات المعيشية المتلاحقة، وفشل المواطن في الحصول حتى على أبسط الحقوق وهو تأمين العلاج في المستشفيات العامة.
حصدوا فقدان 50% من قيمة عملتهم الوطنية، وقفزات في أسعار السلع والخدمات لا تتناسب مع دخولهم التي باتت لا تغطي احتياجاتهم المعيشية، حصدوا ضعفا شديدا في القدرة الشرائية، وتآكلا في المدخرات، حصدوا فواتير نار للكهرباء والمياه والغاز المنزلي وأسعار الأدوية.
حصدوا قفزات في الضرائب والرسوم الحكومية والتمغات، وكساداً في الأسواق، وتركزاً أكبر للثروة في يد قلة قليلة من المجتمع، وضعفا للقطاع الخاص، وإغلاقاً لمئات المصانع لصالح جهات أخرى في الدولة، وتغولاً للاحتكار وسيطرة لعدد محدود من التجار والمستوردين على الأسواق، وبيعا للشركات العامة وأراضي الدولة، .
بعد سنوات وجد أكثر من نصف المصريين أنفسهم ينتمون إلى طبقة الفقراء، بل تدحرج ملايين المصريين نحو الفقر المدقع، وهي الطبقة التي تجد صعوبة شديدة في تدبير وجبة غذاء واحدة في اليوم بدلاً من ثلاث، وبعد أن كانت الطبقة الوسطى، التي صدقت الوعود البراقة، تحلم بالانضمام إلى طبقة رجال الأعمال ميسوري الحال وجدوا أنفسهم يتدحرجون نحو الطبقة الفقيرة، بل وانضم بعضهم إلى طبقة الفقر المدقع. كما وجدوا أنفسهم رهينة لقرارات الدائنين وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين.
ببساطة وجد المصريون أنفسهم عراة في الهواء الطلق بعد 7 سنوات من الوعود البراقة التي يعرف مطلقوها أكثر من غيرهم أنها لن تتحقق في المستقبل القريب، خاصة مع إغراق البلاد في الديون، وقفزة الديون الخارجية من 45 مليارا في 2014 إلى نحو 120 مليار دولار، والعجز المتزايد في الدين العام، واستمرار اغلاق آلاف المصانع .
ورغم الخفض المتواصل في الدعم الحكومي المقدم للبنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه، وزيادة أسعار السلع الأساسية، إلا أن الوفر المالي الذي تحقق والبالغة قيمته مئات المليارات من الجنيهات لم ينعكس على حياه المواطن، بل ذهبت هذه الوفورات لتبني عاصمة للأثرياء وأحدث دار للأوبرا وناطحات سحاب وأفخم فندق في أفريقيا، وتشق نهراً يقيم عليه علية القوم قصورا وفيلات ومارينا لليخوت