بدا تأسيس "هيئة البيعة" في العام 2006 لكثير من المتابعين خارج السعودية نقلة كبيرة في المسار السياسي السعودي الداخلي، وتنظيماً للخلافات الملكية، ومحاولة لإعادة ضبط معادلات الخلافة على العرش، عن تلك التي ظلت طوال عقود ماضية محكومة بالمجهول والغامض، إلا أن هذا المشروع وُلد ميتاً.
فلم يكن مشروع "هيئة البيعة" يُعبّر عن حالة اجتراح أفق سياسي سعودي جديد يأتي بعد تراكم وتدافع بين مراكز القوى داخل الأسرة الحاكمة، بشكل يكون فيه ناضجاً إلى أقصى الحدود ليحسم أكبر إشكاليات بيت الحكم السعودي في الخلافة على العرش، أو يكون على الأقل قائماً على تهيئة الأجواء لظروف جديدة، إلا أنه كان مشروعاً يُعبّر عن طموحات المؤسسين أنفسهم والأعضاء.
تشكيل الهيئة
تشتق "هيئة البيعة" السعودية اسمها من كلمة "البيعة"، وهي كلمة تُعبّر عن آلية في نظام الحكم الإسلامي الإمبراطوري، في اختيار مجموعة من الأفراد الذين يسمَون "أهل الحل والعقد" للحاكم، الذين يطلبون بعدئذ "البيعة" له.
شُكّلَت الهيئة من أبناء الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وأبناء الأبناء، الذين ينوبون عن آبائهم لأسباب تتعلق بالعجز والاعتذار والصحة، ويحلّ اسم في الإنابة عن الشخص الذي يتم تغييره، إلا أن الملك يملك حق اختيار عضوين، أحد أبنائه وموافقته اللازمة على أحد أبناء ولي العهد.
بحسب المادة السادسة من أنظمة ولوائح هيئة البيعة، فإن الهيئة تقوم بدورها مباشرة بعد وفاة الملك، وذلك بالمناداة إلى المبايعة لولي العهد ملكاً للبلاد، ليقوم الملك بعدئذ بحسب المادة السابعة من النظام نفسه، بتقديم مقترحه للهيئة في سبيل اختيار أحدهم ولياً للعهد، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتتم تسميته ولياً للعهد. وفي حال لم تتم عملية التوافق بين مجموع الأعضاء على التسمية، فعليها ترشيح من تراه ولياً للعهد، وهو الترشيح الذي حين لا يوافق عليه الملك، يتم التصويت على من رشحته الهيئة وواحد يختاره الملك، وتسمية الحاصل من بينهما على أكثر من الأصوات ولياً للعهد.
مع الإشارة إلى أن الملك ليس مطلوباً منه أن يقدّم اقتراحات في البداية لتسمية ولي العهد، بل يمكنه أن يطلب من الهيئة ترشيح من تراه لولاية العهد. وبحسب المادة التاسعة من النظام نفسه، فإن عملية اختيار ولي العهد يجب أن تُحسم "في مدة لا تزيد على الثلاثين يوماً من تاريخ مبايعة الملك".
وعالجت أنظمة الهيئة في المادة الحادية عشرة، إشكالية مرض الملك، وعدم قدرته على أداء مهامه ووظائفه على أكمل وجه لأسباب صحية، إذ نصّت على أنه في حالة توفّر القناعة لدى الهيئة بعدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته، تقوم بتكليف لجنة طبية لإعداد تقرير طبي عن الحالة الصحية للملك، وإذا ثبت عدم قدرته على ممارسة صلاحياته، فإنها تنتقل مباشرة لولي عهده، وبصفة مؤقتة في المرحلة الأولى، حتى يتماثل الملك للشفاء، ويرفع طلب للهيئة بأنه قد تجاوز الأسباب الصحية، أو توفرت هذه القناعة لدى الهيئة نفسها، لتقوم مجدداً بتكليف اللجنة الطبية بكتابة تقرير طبي جديد عن دقة الحالة الصحية. وفي حينها يتم تقييم الحالة بين أن تكون بصفة مؤقتة أو دائمة، يعود فيها الملك لممارسة صلاحياته أو يتم الإعلان عن مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد.
أما المادة الثانية عشرة، من النظام نفسه، فقد عالجت هي الأخرى مشكلة مرض الملك وولي عهده في وقت واحد، وتنص على أنه في حال ثبت ذلك طبياً، فإنها تعلن عن "مجلس مؤقت للحكم"، يدير شؤون الدولة، حتى يعود أحدهما بعد ثبوت شفائه لممارسة صلاحياته، أو "تقوم الهيئة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، والدعوة إلى مبايعته ملكاً على البلاد"، وهو الأمر ذاته ينطبق في حالة وفاة الملك وولي العهد في وقت واحد أيضاً، وفي مدة لا تتجاوز سبعة أيام، تقوم فيها الهيئة بإدارة شؤون البلاد حتى تتم تسمية الملك.
قوة من لا قوة لهم
كانت هيئة البيعة، ومنذ تأسيسها في العام 2006، فاقدة للصلاحيات والقوة الفعلية في تطبيق أحكامها، لسبب رئيسي في حينها، كامن في الأمر الملكي الصادر بتأسيسها، إذ نصت الفقرة الثالثة منه على أنه "تسري أحكام نظام هيئة البيعة على الحالات المستقبلية ولا تسري أحكامه على الملك وولي العهد الحاليين".
هذا الأمر أفقدها أي سلطة في حينها، بالإضافة إلى أن تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، جاء "بعد أن أشعرنا سمو رئيس وأعضاء هيئة البيعة" كما أُعلن، ولكن هذا الأمر لم يتكرر في تعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد، ليُعلن حينها وبحسب الأمر الملكي في العام 2012، أنه جاء تعيينه "بناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة".
هذا التردد في العودة لهيئة البيعة وتجاوزها، ساهم في التقليل من سلطاتها وفاعلية أحكامها، حتى اعتبر كثير من المراقبين أن استقالة الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود، من الهيئة بعد تعيين الأمير نايف ولياً للعهد، ومن ثم انزعاجه الذي بدا واضحاً في تصريحات لاحقة له، كان إعلان وفاة مبكرة للهيئة.
كما أن قرار تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد جاء محصّناً من إعفائه لاحقاً بعد وفاة الملك، ما أثار الشكوك حول نوايا تأسيس الهيئة، بين أن تكون غايتها الفعلية هي تنظيم وترتيب بيت الحكم، أو مجرد عمل سياسي يهدف إلى تغيير في معادلات القوة، وضمن إطار شكل العلاقات الداخلية في الأسرة لإجراء تحسينات داخلية لشروط وموازين القوى فيها، ما من شأنه المساهمة في تعزيز قوة أطراف من دون أخرى.