وتشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن إقالة المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، وهو "مهندس" العلاقات مع شركات الاستشارات الأميركية، لم تمنع هذه الأخيرة من الاستمرار في تقديم خدماتها للنظام السعودي. وخصّت الصحيفة بالذكر شركات "Booz Allen" و"McKinsey" و"Boston Consulting Group".
ويقول معدّو التقرير إن تلك العلاقة كانت "مجزية" للغاية بالنسبة للشركات الثلاث، فقد تمكّنت من جمع مئات ملايين الدولارات على مدار السنوات الثلاث الماضية. "ماكينزي" مثلًا، كما يكشف التقرير، طوّرت أعمالها من مشروعين اثنين فقط في السعودية عام 2010 إلى نحو 600 مشروع بين عامي 2011 و2016.
ويضيف التقرير أن أعمال "ماكينزي" انتشرت في جميع أنحاء المملكة لتقديم المشورة لهيئات حكومية مثل وزارة التخطيط، التي بات يطلق عليها لقب "وزارة ماكينزي" في السعودية؛ إضافة إلى الديوان الملكي، وشبكة شركات في القطاع المصرفي والطاقة، بحسب وثيقة داخلية للشركة اطّلعت عليها "نيويورك تايمز".
وتشير الصحيفة إلى تقرير داخلي لـ"ماكينزي" كشفت عنه "نيويورك تايمز" الشهر الماضي، ويتضمن معلومات تفصيلية عن منتقدين بارزين للمملكة عبر الإنترنت، مثل خالد العلقمي وعمر عبد العزيز، المعارض المقيم في كندا.
وتقتبس الصحيفة بعض ما كتب عن عمر عبد العزيز، مثلًا، في تقرير الشركة الداخلي، من قبيل: "عمر لديه عدة تغريدات سلبية عن مواضيع مثل الحزم والمراسيم الملكية"، وكتبت الملاحظة ذاتها تقريبًا عن خالد العلقمي.
وعلى الرغم من أن "ماكينزي" ادّعت في حينها أن التقرير تم إعداده لـ"جمهور داخلي"، فإن علقمي اعتقل في نهاية المطاف، في حين قال عمر عبد العزيز إن اثنين من إخوته اعتقلا.
حملة القمع تلك، كما تستنتج الصحيفة، كانت علامة مبكرة على الإجرءات الصارمة التي اتخذتها السعودية لقمع الانتقادات، والتي بلغت ذروتها باغتيال خاشقجي.
ويسجّل التقرير أنه حتى قبل وصول بن سلمان إلى الحكم في السعودية، فقد كانت لـ"ماكينزي" و"مجموعة بوسطن الاستشارية" علاقات بالأمير السعودي، وفقًا لما تنقله الصحيفة عن مستشارين عملا في المنطقة، حتى إن المدير التنفيذي لـ"مجموعة بوسطن" جورج هيلدبرانت، ربطته علاقة وثيقة مع بن سلمان في السنوات الأخيرة.
وبعد أن خاض بن سلمان حرب اليمن عقب تعيينه وزيرًا للدفاع، وقّعت "مجموعة بوسطن" تلك مع السعودية عقدًا للمساعدة في إصلاح أنظمة المشتريات في وزارة الدفاع، وتحسين طريقة تعاملها مع الشؤون المالدية والوظيفية، وفق ما قاله شخصان على دراية بالعقد.
وفي فبراير/ شباط عام 2016، رافق مستشارون من "ماكينزي" و"مجموعة بوسطن" خمسة مبعوثين من الديوان الملكي السعودي لإجراء جولات على مراكز الأبحاث في واشنطن، وأطلعوا الخبراء المتخصصين بمنطقة الخليج هناك على "أهداف بن سلمان الكبرى في إعادة تشكيل الحياة السعودية".
ويضيف التقرير أن "مجموعة بوسطن" كانت منخرطة بعمق في رسم خيوط الخطة الاقتصادية للبلاد، والتي يطلق عليها اسم "رؤية 2030". وعندما سألت مجلة "ذي إيكونومست" بن سلمان عام 2016 عن المبلغ المقدّر بـ4 ترليونات دولار من الاستثمارات المطلوبة لتحويل اقتصاد المملكة، أحال الأخير هذا الرقم إلى تقرير لشركة "ماكينزي"، "وليس إلى الحكومة السعودية".
وفي الوقت الذي قاطعت فيه عشرات الصحف والشركات والشخصيات مؤتمر الاستثمار السعودي الذي عقد نهاية الشهر الماضي في الرياض، فقد كانت تلك الشركات الثلاث حاضرة؛ ماكينزي أدارت جلسات نقاش حول المال والطاقة، بينما ركّزت "مجموعة بوسطن" على "الذكاء"، كما هو مذكور في برنامج المؤتمر.
أما "بوز ألين"، وهي الشركة الثالثة، فهي التي لا تزال تحافظ على علاقاتها مع السعودية، ويشير تقرير "نيويورك تايمز" إلى أنها درّبت لسنوات البحرية الأميركية، وهو جزء من برنامج حكومي لمساعدة الجيوش الحليفة، والحروب الإلكترونية والاستخبارات، فضلًا عن الخدمات اللوجستية والإدارة المالية.
وبعد توقيعها اتفاقية في مارس/ آذار الماضي للمساعدة في دعم الأمن السيبراني السعودي، بدأت "بوز ألين" العمل بشكل مباشر لـ"حماية أنظمة الوزارات الحكومية"، كما تقول، نافية أن عملها مع السعودية يتضمن القرصنة الإلكترونية. غير أن خبراء إلكترونيين يقولون، وفق ما تنقل الصحيفة، إن المناورات الدفاعية التي تستخدم في اكتشاف نقاط الضعف أو حماية شبكات الكمبيوتر يمكن بسهولة إعادة توجيهها لاستهداف حكومات وأشخاص آخرين.
ويرى معدّو التقرير أن "الطفرة" في أعمال الشركات الثلاث المذكورة تنبع من حاجة بن سلمان إلى الخبرة، وهو المندفع لتحقيق سياساته في البلاد، لدرجة أن ثمّة موظّفين لتلك الشركات في الديوان الملكي لضمان سرعة الاستجابة للطلبات السعودية الملّحة، التي تصل أحيانًا إلى حد عدم إمهال تلك الشركات أكثر من 24 ساعة لتسليم مقترحاتها، وفق ما يكشفه ثلاثة مستشارين للصحيفة.
ويصف أحد أولئك المستشارين الأمر بأنه "مثل مسابقات ملكات الجمال"، متهكمًا على استراتيجية بن سلمان القائمة على تنويع الطلبات من شركات عدّة، ثم ترك المستشارين يتبارون أمامه لتقديم عروضهم.