"نيويورك تايمز": روسيا عرضت صفقات تجارية على أبرز مموّلي "بريكست"

30 يونيو 2018
هل تدخلت روسيا فعلاً في "بريكست"؟ (دانيال ليال-أوليفاس/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن محطات جديدة في علاقة روسيا مع الملياردير البريطاني آرون بانكس، ممول خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، ما يُعد إشارة أخرى إلى إمكانية تدخل موسكو في "بريكست".

وقالت الصحيفة، في تقرير، اليوم السبت، إنّ بانكس تلقّى عروضاً لعقد صفقات تجارية مع شركات ورجال أعمال روس، مشيرة إلى أنّ تسريبات بعض رسائل البريد الإلكتروني لبانكس كشفت أنّه هو وأقرب مستشاريه الإعلاميين، على علاقة أكثر ارتباطاً بالدبلوماسيين الروس، مما كشفه وأقرّ به سابقاً.

وذكّرت الصحيفة، أنّ بانكس، تفاخر بـ"عشاء الساعات الست" مع السفير الروسي، قبيل ثمانية أشهر من التصويت في استفتاء "بريكست" الذي جرى في 23 يونيو/حزيران 2016، بينما تساءل البعض أيضاً عن زوجة بانكس روسية المولد، ولوحة ترخيصهم، "X MI5 SPY"، على اسم وكالة الاستخبارات البريطانية "MI5".

وبينما كان بانكس ينفق أكثر من ثمانية ملايين جنيه إسترليني، للترويج لكسر العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، "في نتيجة كان يأملها الروس بشغف"، وفق الصحيفة، فإنّ اتصالاته مع السفارة الروسية في لندن، فتحت الباب له أمام ثلاث فرص استثمارية مربحة على الأقل في مناجم الذهب أو الألماس المملوكة للروس.

وذكرت الصحيفة أنّ أحد شركاء بانكس، وزميله الداعم لخطة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان على علاقة بواحدة على الأقل من صفقات الروس.

بانكس تفاخر بـ"عشاء الساعات الست" والسفير الروسي (دان كيتوود/getty) 

والمدى الذي بلغته هذه المناقشات التجارية، والتي لم يتم الكشف عنها في الإعلام سابقاً، يثير تساؤلات جديدة حول ما إذا كان الكرملين قد سعى لمكافأة الشخصيات المهمة في حملة "بريكست"، بحسب الصحيفة.

وكما هو الحال في واشنطن، حيث تجرى تحقيقات حول احتمال أن تكون حملة دونالد ترامب قد تعاونت مع الروس، فإنّ بريطانيا تحقق الآن فيما إذا كانت موسكو حاولت استغلال علاقاتها الوثيقة مع أي مواطن بريطاني، للترويج لـ"بريكست".

في واشنطن، بحسب الصحيفة، حصل محققو فريق المحقق الخاص روبرت مولر، والديمقراطيون في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، على سجلات اتصالات بانكس، بما فيها تلك التي خاضها مع بعض الدبلوماسيين الروس، وتلك المتعلّقة بصفقات تجارية مع الروس. وقد اهتموا بشكل خاص بالعلاقات الوثيقة التي بناها بانكس، وقادة "بريكست" الآخرين، مع حملة ترامب.

ففي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، التقى بانكس بالرئيس المنتخب ترامب، في "برج ترامب". وبعد عودته إلى لندن، عقد بانكس مأدبة غداء أخرى مع السفير الروسي، حيث ناقشا زيارة ترامب.

وفي هذا الإطار، قال النائب الأميركي آدم شيف، أرفع ممثل ديمقراطي في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إنّه "من خلال ما رأيناه ، يبدو التشابه بين التدخل الروسي في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتدخل الروسي في حملة ترامب، أمراً استثنائياً".

وأضاف "كان الروس على ما يبدو يحاولون ربط مناجم الذهب والماس والحوافز المالية، بأحد أكبر الداعمين لبريكست".

وفي وقت سابق من يونيو/حزيران الحالي، شهد بانكس أمام لجنة من البرلمان جزئياً للإجابة على أسئلة حول علاقاته الروسية. واعترف بأنّه كانت لديه ثلاثة اجتماعات: وجبتا غداء وفنجان من الشاي، كما قال لاحقاً في مقابلات، مع السفير الروسي ألكسندر ياكوفينكو، بدلاً من مأدبة الغداء المعروفة.

كما أقرّ بصحة التقارير التي تفيد بأنّ السفير الروسي دعاه إلى الاستثمار في تقوية ستة مناجم ذهب روسية، وهو عرض قال إنّه رفضه في النهاية.

بريطانيا تحقق في استغلال موسكو علاقاتها مع بانكس (getty) 


لكن بانكس، لم يأتِ في شهادته، على ذكر عرضين تجاريين مربحين من قبل الروس، وردا بالتفصيل في التسريب الأوسع لاتصالاته الإلكترونية.

أحد العرضين، بحسب الصحيفة، قدّمته الشركة الروسية العملاقة التي تسيطر عليها الدولة "ألروسا"، فيما العرض الثاني قدّمه رجل أعمال روسي، جرى وصفه في إحدى رسائل البريد الإلكتروني لبانكس بأنّه من "الأقلية الأوليغارشية"، وراء منجم ذهب في كوناكري، غينيا.

وفي مقابلة أجريت معه أمس الجمعة، اعترف بانكس بأنّ هذه الصفقات التجارية الأخرى التي لم يأتِ على ذكرها في شهادته، قد تم تقديمها له فعلاً من قبل الروس، لكنّه قال إنّه لم يتخذ أي إجراء بشأنها. ورفض بانكس اتهامه بارتكاب مخالفات، قائلاً إنّ معارضته للاتحاد الأوروبي، تسبق اجتماعه مع السفير الروسي.

وجادل بأنّ أي مناقشات تجارية، نتجت عن تلك الاجتماعات، كانت ضئيلة للغاية، لأنّه لم يعقد "أي صفقات روسية"، لذلك "وحتى بعد سرقة رسائل البريد الإلكتروني بالجملة، لا يوجد حتى الآن دخان يدل على نار"، بحسب قوله.

لكن داميان كولينز رئيس اللجنة البرلمانية التي تحقق في إمكانية استخدام روسيا للمعلومات المضللة للتأثير على التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قال إنّه اطلع على تسريب لرسائل حول استثمارات التعدين الروسية المحتملة، وتساءل عن نوايا روسيا تجاه بانكس.

وقال كولينز في هذا الإطار، "السؤال هو، لماذا يعرض الروس كل ذلك على بانكس؟"، مجيباً في مقابلة أنّه "ما يبدو عليه الأمر هو أنّ روسيا قررت أنّه كان يمثل شخصاً ما، أرادوا التعامل معه، وأرادوا تحقيق ازدهار ونجاح، وكان بانكس، إلى جانب ذلك، يريد إخفاء المدى الذي بلغته اتصالاته مع الروس".

من هو بانكس؟

من دون امتلاكه شهادة جامعية، أصبح بانكس ثرياً في البداية، من خلال بدء أعمال في شركات تأمين تقدّم بوالص تأمين لسائقي الدراجات النارية والشاحنات.

ويمتلك بانكس الآن، شبكة معقدة من شركات التأمين والتمويل الاستثماري، بالإضافة إلى عدد قليل من مناجم الألماس في جنوب أفريقيا، حيث كان والده يدير مزارع للسكر.

وقد برز اسمه لأول مرة في بريطانيا، من خلال دوره في الحملة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وقد نشر مذكراته في كتاب بعنوان "فتيان بريكست الأشقياء".

وتم تسريب بعض رسائل بريده الإلكتروني، لأول مرة، في وقت سابق من هذا الشهر، إلى الصحافة البريطانية. لكن التسريب الأوسع لرسائله، والذي وصل هذا الأسبوع، إلى "نيويورك تايمز"، من قبل عدد من الأشخاص الذين اطلعوا عليه، كشف النقاب عن الإفشاء الجديد عن صفقاته التجارية الروسية الأكثر اتساعاً.

بانكس وويغمور "فتيان بريكست الأشقياء" (دانيال ليال-أوليفاس/فرانس برس) 


وفي مقابلة الجمعة، اعترف بانكس في نهاية المطاف باجتماع رابع مع السفير الروسي، على الرغم من أنّه وصف الشهادة السابقة التي قدّمها للبرلمان حول "وجبتي غداء وكوب من الشاي"، بأنّها "دقيقة نسبياً".

وقال إنّ رسائله الإلكترونية ربما تكون قد خلقت الانطباع بوجود اتصالات أكثر اتساعاً مع الروسي، بسبب التبادلات العديدة التي أجراها مستشاره الإعلامي أندي ويغمور، مع الدبلوماسيين الروس بشأن عقد اجتماعات، أو حول حضور فعاليات للسفارة.

وتابع بانكس "لم أنكر أنّ لدينا علاقة ودية مع السفير الروسي"، مضيفاً أنّه "من الطبيعي تماماً أن يضعك الدبلوماسي على اتصال مع رجل أعمال آخر. هذه هي الطريقة التي تُدار بها الأعمال التجارية".


في أغسطس/آب 2016، تناول بانكس الغداء مع السفير الروسي وناقش حملة ترامب. وفي مأدبة الغداء الثانية بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ناقش الرجلان الدور الذي يمكن أن يلعبه جيف سيشيز، الذي كان حينئذ عضو مجلس الشيوخ، في الإدارة الأميركية المرتقبة، وفقاً للأشخاص الذين قاموا بمراجعة سجلات رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به.

ومع ذلك، تحدّث بانكس عن أنّه يشك في أنّ الروس قاموا بتدجينه لأسباب أخرى، غير الترويج التجاري الروتيني، خاتماً بالقول: "إنّ فكرة أنّ الأمور كانت متدلية كنوع من الجزر بالنسبة لي لالتقاطها والتورّط مع الروس أمر بعيد الاحتمال. أتساءل ما الذي أراده الروس مني؟".

المساهمون