"موضة سياسية" قد تصل إلى الهند

04 اغسطس 2018

هنود مسلمون يتظاهرون في كلكتا ضد الهند (31/7/2018/Getty)

+ الخط -
من بين الأخبار التي لم تلق حظها من تسليط الضوء عليها، في الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز الماضي، ذلك الخبر المتعلق بتهديد أربعة ملايين هندي في ولاية آسام بسلب جنسياتهم. وقد أصدرت السلطات الهندية قائمة بأسماء هؤلاء جميعا ممن تمّت دعوتهم لإثبات أنهم قدموا إلى الولاية قبل 24 مارس/ آذار 1971، وهو تاريخ نشوء جمهورية بنغلادش، والمقصود أن من جاء بعد هذا التاريخ فإنه سيكون حُكما: بنغاليا. وعليه العودة إلى هناك.
وليس معلوما لماذا تم انتظار مضي 47 عاما (أو أقل قليلا من ذلك، بافتراض أن بعضهم قد وفدوا بعد ذلك التاريخ بقليل) للتحقق من هويات هذه الكتلة البشرية الكبيرة. ولماذا لم تتم، خلال تلك الفترة الطويلة التي تعاقبت فيها أجيال، تسوية أوضاعهم، بما يضمن كرامتهم وحقوقهم بشرا ومقيمين بصفة دائمة في شبه القارة الهندية؟
التفسير السياسي، لا القانوني، أن الحزب الحاكم، بهاراتا جاناتا، يستعد للانتخابات العامة، وأنه في سبيل ذلك يغازل، منسجما مع طابعه المحافظ شبه المغلق، المتشدّدين الهندوس، ويسعى إلى تكريس (أو تعظيم) الأغلبية الهندوسية، باستهداف أقلية دينية تقيم في تلك الولاية، وتضم مسلمين. وهي خطوةٌ تلقى قبولا لدى متشدّدين عرقيا في ولاية أسام شمال شرقي البلاد. وللمرء أن يتخيل، في ظروف الفقر ونقص التعليم وافتقاد الاستقرار المعيشي وبؤس المساكن، كيف سيتدبّر فقراء أمور أوراقهم الثبوتية، إذا كانوا يمتلكونها أو يحتفظون بها، فيما تتهمهم 
السلطات مقدّما بأنهم يحوزون على أوراق مزوّرة. وحسنا أنه لم يتم وصمهم بالإرهاب، أو التمرّد ومناوأة السلطات بالعنف، وهي اتهامات سبق أن سيقت ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار (بورما سابقا)، وأدت إلى عملية اقتلاع جماعي وتنكيل وإحراق بيوت وعمليات اغتصاب. وفي تلك البلاد جنوب شرق آسيا، كان متطرّفون بوذيون نافذون، متحالفين مع السلطات، قد قادوا تلك الحملة، وسط سلبية دولية مشينة، تميزت بعدم اتخاذ إجراءات تُذكر ضد ميانمار آنذاك.
والخشية أن يتكرّر هذا السيناريو مع تعديلاتٍ طفيفة في الهند بعد تلك السابقة، بأن يتم ترحيل الملايين الأربعة عنوة وقسرا إلى بنغلادش. على الرغم من التوضيحات الهندية أن المسألة قانونية، وليست سياسية أو دينية أو عرقية، غير أن رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، لم يُخفِ، في تصريحٍ منسوب له، ترحيبه بالمهاجرين البنغال الهندوس! أما من اعتبروا مهاجرين مسلمين فمسألتهم قانونية، تتعلق بعمل مكتب السجل الوطني!
وللمسألة، في واقع الحال، خلفية سياسية ودينية، ففي العام 1947 (ها هو رقم 47 يتكرّر!) استقلّت باكستان، بغالبيتها المسلمة، عن الهند. ثم انفصلت بنغلادش، بعد 24 عاما على ذلك التاريخ، عن باكستان. وبهذا، فإن ممن يحتسبون الآن مهاجرين هم في الوعي الهندي باكستانيون وبنغال معا. وفي الحالتين هم مسلمون في بلدٍ يحرص على أغلبيته الهندوسية، علما أن نسبة المسلمين في الهند لا تقل عن 14%. وفي ولاية أسام المستهدفة، فإن نسبتهم لا تقل عن 30%، وبعدد يزيد عن ثمانية ملايين. وسبق لمسلمين أن حكموا الهند قرونا. وكون الحكام كانوا في بعض الفترات مسلمين لا يعني، بالضرورة، أن حكمهم كان صالحا أو مقبولا. كما كان هناك رؤساء هنود مسلمون، مثل ذاكر أحمد وفخر الدين علي أحمد والدكتور عبد الكلام. وقد سادت علاقات طيبة ومستقرة بين المكونات الهندية، في ظل حكم حزب المؤتمر الوطني بعد الاستقلال عن بريطانيا، غير أن صعود أحزاب قومية يمينية، مثل حزب بهاراتا جاناتا، نقل الاحتكاكات الأهلية إلى مستوى التبني شبه الرسمي للتغليب الديني، مع مزج متعمد بين القومية والعرق والدين.
وبطبيعة الحال، تقضي كل المقتضيات الدستورية والوطنية والثقافية باحترام هوية الهند، ومعتقدات الأغلبية الهندوسية ومكانتها (نحو 80% في بلد يزيد تعداد سكانه عن مليار نسمة). غير أن النزعة العلمانية للقضاء الهندي والآليات الديمقراطية في النظام السياسي تملي التحرّر من النظرات الفئوية الضيقة لمبدأ المواطنة والإقامة، وكذلك الانفكاك من تداعيات جرح تقسيم شبه القارة الهندية إلى ثلاث دول، إذ من شأن استهداف أربعة ملايين يحتسبون مهاجرين ويدينون بالإسلام، تسميم الفضاء الثقافي والاجتماعي، والتسبّب بكوارث فردية وجماعية للمستهدفين، وجُلّهم من مواليد ولاية أسام، أو ما تعرف بالأراضي الرطبة المنخفضة والخضراء على امتداد نهر كبير. كما يسيء ذلك إلى صورة الهند، البلد القائم على التنوع العرقي والتعدّد الثقافي والديني، في إطار من نظام ديمقراطي مرن.
والخشية، بما يشمل بلد غاندي ونهرو ويتعدّاه، أن يتكرّس استهداف الكتل البشرية المسلمة هنا وهناك، موضةً سياسية سائدة في القرن الحادي والعشرين، فبعد تقويض مدينة غروزني 
الشيشانية على يد القوات الروسية، وهدمها فوق رؤوس عشرات آلاف من أبنائها، وعقب انتشار الإسلام فوبيا في الغرب بعد كارثة "11 سبتمبر" في 2001 في مانهاتن الأميركية، وبعد تدمير حواضر إسلامية في سورية، واقتلاع الملايين من أبنائها وتشريدهم، وهدم عشرات المساجد، وبعد التنكيل الصيني المنهجي بمسلمي الإيغور، ومنعهم من ممارسة حقوقهم الدينية، واحتساب هذه الممارسة أمرا يثير بحد ذاته الشبهات! (آخر ما تفتقت عنه ابتكارات التنكيل الصيني زرعُ موظفين حكوميين داخل بيوت مسلمي الإيغور ضيوفا يفدون من تلقائهم إلى بيوت الآخرين، ويراقبون حركات هؤلاء وسكناتهم)! وبعد ازدهار الشعبوية الأوروبية المتشدّدة ضد المسلمين دون سواهم، وبعد حملة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على المهاجرين، ورفض استقبال وافدين من دول إسلامية بعينها، بعد هذه الوقائع، وهناك سواها مما يشاكلها، يتضح بالفعل، وفي أجواء الخواء الفكري والأخلاقي للسياسة الدولية، وكذلك للسياسة في غير مكان، أن ثمّة موضة سياسية صفيقة باتت دارجة، وهي استسهال استهداف كتل بشرية مسلمة كبيرة، مع الإيماء والإيحاء بأن هذا السلوك البربري الذي يُعيد البشرية إلى قرون وسطى، إنما يخدم "المعركة ضد الإرهاب"!