وما المانع في أن تغنّي أنثى أغنية وطنية مثل "موطني"؟ وما المانع أن يكون "موتني" بدلا من "موطني"؟ على ما شاع في هاشتاغ #موتني الذي راح يسخر من أنوثة طاغية في لفظها على "تفخيم" مفترض في أداء أغنية كهذه.
وما المانع أن يخرج نشيد عربيّ أحبّه معظم العرب، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية والأيديولوجية، بصوت امرأة حنون يقال إنّها من ملكات الرومانسية العربية؟
هل يجب أن يكون هذا النشيد عابساً طوال الوقت؟ ولماذا الوطن دائماً في رؤوسنا يشبه الثوب العسكري؟ وألم تقم الثورات من أجل التغيير؟ ألسنا من دعاة إعطاء المرأة حقوقها؟ وأليس في هذا تأنيث لحياتنا الشديدة الذكورية؟
هل نفضّل المرأة التي تفجّر نفسها؟ أو التي تربّي دواعش؟ أو التي تحلف بجزمة الزعيم؟ أو امرأة تشبه تشبه كوثر البشراوي؟ تقبل الجزمة العسكرية هنا أو هناك؟
في لحظة سقوط الأنظمة العسكرية التي "استعملت" نشيد "موطني" الأصلي في ضخّ بروباغندا سياسية وفنية تشبهها، ملؤها الوفاء والإخلاص الأعمى لفكرة، وتختصر الوطن في شخص أو عائلة أو عصابة، كم نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب ذوقنا الفنيّ بطريقة جديدة.
هيدي هديّة منّي أنا شخصيًّا وعلى حسابي الخاص لـ #إليسا !! 😀 #موتني #موطني pic.twitter.com/oYiA4A3jQH
— Wissam (@khlafwissam) April 28, 2015
دعونا من تحميل إليسا ما لا طاقة لها على احتماله. فلا هي باتت قومية عربية، ولا هي انقلبت سياسياً. كلّ ما في الأمر أنّها تلاحق موضة الأغنيات الوطنية، وقد سبقتها زميلاتها، ومنهنّ كارول سماحة ونجوى كرم.
إليسا غداً ستصير من جيل "الطرب"، تماماً كما تحوّل وائل كفوري من "طرطوق" قبل 20 عاماً إلى فنّان تعرض أغنياته على قنوات الطرب العربية باعتباره "مطرباً". والجيل الجديد سيحفظ "موطني" بصوت إليسا". المقصود جيل التسعينيات والألفية الجديدة.
بعد ما اليسا غنت #موتني ترقبوا دومينيك حوراني بنشيد #اني_اخترتك_يا_وتني والعب اغاني ثورية
— أحمد #CFC (@_AH90_) April 28, 2015
من استمع إلى "موتني" لاحظ كيف أنّه بدلا من لحن "المارش" العسكري، تحوّل اللحن إلى الرقّة. وحتّى حين وصل الكلام حيث تقول القصيدة التالي: "الحسام واليراع لا الكلام والنزاع.. رمزنا"، كانت قسوة الجملة، التي تتحدّث عن الحسام بدلا من الكلام، تبدو أخفّ وطأة على آذان المستمعين.
في صوت إليسا الكثير من الحنان، حتّى حين تغنّي المقطع التالي: "الشباب لن يكلّ، همّه أن يستقلّ، أو يبيد". رغم فظاعة هذه الجملة وقوّتها المجازية، في تخيير الشباب بين الاستقلال أو الموت، ورغم أنّ الفكرة حقيقية في أيّامنا هذه، إلا أنّها تبدو، بصوت إليسا، كأنّها آتية من زمن آخر، وهي بالفعل آتية من النصف الأوّل من القرن الفائت، من قصيدة الشاعر ابراهيم طوقان الذي توفي في العام 1941.
مقاومة تغيير فنيّ كهذا مفهومة، لكنّ المبالغة في مهاجمة إليسا والنشيد الذي حوّلته إلى أغنية، أو إلى نشيد على طريقة العام 2015، فيها الكثير من الظلم. فهذا اقتراح فنيّ جديد، علينا أن نعطيه فرصة، لا أن نهاجمه على طريقة النصف الأوّل من القرن الفائت.
لا تنزعج؛ ثمّة من سيكرهك لأنك لست سيئاً..!
— ن ˛ ›̵(̵̵̴ (@_9NTOT) April 29, 2015
اليوتيوب و"أنغامي" وغيرها من منصّات التواصل والاستماع، تتّسع للجميع، فدعوا المستمعين يقرّروا ما الذي يفضّلونه. فكرة توجيه المستمعين أصلا سقطت، وستسقط أكثر. وأرقام الفيسبوك والتويتر واليوتيوب خير دليل. فلا داعي للصراخ.