خلال الحرب الأهلية اللبنانية، دبّت الفوضى في مختلف القطاعات. لم تسلم موجات الـ"إف إم" على أثير الراديو. كان كل من يملك أجهزة إرسال للبثّ المباشر يستغلّ هذه الفوضى. عشرات الإذاعات الحزبية وغير الحزبية بثّت عبر موجات "إف إم" خلال الحرب. بين تلك الإذاعات كانت هناك تجارب، جدية في شكلها، لكنّها مضحكة في الأصل.
برز نجم شاب حينها يتلقى اتصالات "العشّاق". إذاعة غير معروفة المصدر يقف خلفها صوت إذاعي يحلّل ويناقش مشاكل الشباب. تتّصل إحداهنّ لتشتكي من غياب الحبيب، خصوصاً في زمن لم يكن فيه وجود لأجهزة الخلوي والإنترنت. يسألها صاحب الصوت الإذاعي عن الموعد الأخير بينهما: "هل كان متوتراً؟ هل بدت عليه ملامح مزعجة؟ هل قبّلك؟ قبلة طويلة أم قصيرة؟". فتسأل المتصلة: "وما علاقة القبلة بالموضوع؟". بسرعة يجيب المذيع: "القبلة الطويلة هي للوداع، أما القصيرة فهي تلك التي تتكرّر في العلاقة طويلة الأمد". هكذا يرسي مذيع مغمور غير معروف تقليداً ومفهوماً جديداً في العلاقات العاطفية. آلاف الأسئلة العاطفية من آلاف الشبان حلّلها وناقشها الخبير العاطفي الإذاعي .
انتهت الحرب فاكتشف الجميع أن ذاك الصوت الإذاعي لم يكن غير فتى عاطل عن العمل يبلغ 21 عاماً من عمره فقط. وهاجر من لبنان مع انتهاء الحرب. آلاف، ممّن أحبوا وعاشوا فترة المراهقة، أخذوا بنصيحة شاب يسكن غرفته ويقف خلف جهاز الإرسال مدّعيا أنّه "خبير عاطفي". واحد ممن عايشوا تلك الفترة يقول: "هذه أحد أسباب حالات الطلاق المتزايدة للمتزوجين من جيل الحرب. هل يعقل أنّنا عشنا مراهقتنا العاطفية في مقلب؟!".
أعيد تأهيل القطاعات الخاصة والرسمية في الإعلام بعد الحرب. باتت الرخصة القانونية إجبارية لكلّ إذاعة. تقلّص عدد الإذاعات بطبيعة الحال، وصبغت بعض الإذاعات لونها باتّجاهات سياسية معيّنة مثل محطات التلفزيون. لكنّ "المقالب" لم تنتهِ بعد.
تمددت فوضى الحرب إلى ما وراء المذياع رغم التقدّم الملحوظ في بعض الإذاعات. عشرات المذيعين يصدح صوتهم صباحاَ من الإذاعات. صوت مذيعة تغنّي مع أغاني فيروز، مذيع آخر يعيد في كلّ صباح تأكيده على أنّ لبنان بلد الرسالات. عادة ما تأتي كلمة "رسالات" في الصبغة اللبنانية مرفقة بكلمات مثل: المحبة والإيمان والسلام. يقول هذا بينما تعلو أصوات أبواق السيارات وسيل الشتائم على الطرق بين المدارس والمؤسسات العامة. هناك تصطدم كلمة رسالات مع آلاف الشتائم الخارجة من أفواه سائقي الفانات وأصحاب سيارات الأجرة.
الحبّ أيضاً مستمر، وبكثرة على الإذاعات. عالم الحبّ يفتح للمذيعين عشرات الاتصالات. في إحدى صباحات لبنان الإذاعية مذيعة "متخصّصة" بحلّ مشاكل الحبّ قاطعت المتصلة بالقول: "يا مسطولة (غبية) ما فيكي تحبّي شخص متزوّج!". لم تلحظ المتصلة أنّها أهينت فتابعت سرد قصتها.
مذيع آخر من أصحاب موشّح "لبنان البلد الرسالة" استضاف طلاب إعلام ليعرف منهم ما هي "الرسالة " التي يحملونها عبر دراستهم الإعلام. للوهلة الأولى لكثرة "الرسايل" تشعر أنّك تعيش في صندوق بريد لا في وطن. على العموم لم تخيّب الحلقة أمل الواقعية اللبنانية. انتهى البرنامج بمعركة بين الطلاب حول موضوع سلاح حزب الله.
رياضياً يتلذّذ أحد المذيعين بفتح باب الاتصالات لترشيح الفائز بين فريقين في دوري الأبطال الأوروبي. تمرّ كلمات على مسمعك مثل "بدنا ندعوسهن" أو "ريال رح يكسّر عظام برشلونة" أو "الألمان العنصريين لن يكسبوا". كل العظام المتطايرة و"الدعوسة" و"فرز الشعوب" تبثّ صباحاً خلال رحلة الأطفال إلى مدراسهم.
يعيش اللبنانيون صباحاتهم الإذاعية من خلال أصوات "تنهيدات" المذيعات على إيقاعات الأغاني، أو تحت معارك السياسة والرياضة المتأجّجة، وطبعاً تحت رحمة الاختصاصيين العاطفيين المفترضين.
قد يكون عزاء المستمع أنّ الاذاعة، كما كلّ المجالات اللبنانية، ليست إلا مشهداً آخر من مشاهد الانهيار. وهذا أضعف الإيمان في تعميم البؤس كترضية نفسية.
اقرأ أيضاً: هوايات هؤلاء النجوم.. جاءت بهم إلى السينما
برز نجم شاب حينها يتلقى اتصالات "العشّاق". إذاعة غير معروفة المصدر يقف خلفها صوت إذاعي يحلّل ويناقش مشاكل الشباب. تتّصل إحداهنّ لتشتكي من غياب الحبيب، خصوصاً في زمن لم يكن فيه وجود لأجهزة الخلوي والإنترنت. يسألها صاحب الصوت الإذاعي عن الموعد الأخير بينهما: "هل كان متوتراً؟ هل بدت عليه ملامح مزعجة؟ هل قبّلك؟ قبلة طويلة أم قصيرة؟". فتسأل المتصلة: "وما علاقة القبلة بالموضوع؟". بسرعة يجيب المذيع: "القبلة الطويلة هي للوداع، أما القصيرة فهي تلك التي تتكرّر في العلاقة طويلة الأمد". هكذا يرسي مذيع مغمور غير معروف تقليداً ومفهوماً جديداً في العلاقات العاطفية. آلاف الأسئلة العاطفية من آلاف الشبان حلّلها وناقشها الخبير العاطفي الإذاعي .
انتهت الحرب فاكتشف الجميع أن ذاك الصوت الإذاعي لم يكن غير فتى عاطل عن العمل يبلغ 21 عاماً من عمره فقط. وهاجر من لبنان مع انتهاء الحرب. آلاف، ممّن أحبوا وعاشوا فترة المراهقة، أخذوا بنصيحة شاب يسكن غرفته ويقف خلف جهاز الإرسال مدّعيا أنّه "خبير عاطفي". واحد ممن عايشوا تلك الفترة يقول: "هذه أحد أسباب حالات الطلاق المتزايدة للمتزوجين من جيل الحرب. هل يعقل أنّنا عشنا مراهقتنا العاطفية في مقلب؟!".
أعيد تأهيل القطاعات الخاصة والرسمية في الإعلام بعد الحرب. باتت الرخصة القانونية إجبارية لكلّ إذاعة. تقلّص عدد الإذاعات بطبيعة الحال، وصبغت بعض الإذاعات لونها باتّجاهات سياسية معيّنة مثل محطات التلفزيون. لكنّ "المقالب" لم تنتهِ بعد.
تمددت فوضى الحرب إلى ما وراء المذياع رغم التقدّم الملحوظ في بعض الإذاعات. عشرات المذيعين يصدح صوتهم صباحاَ من الإذاعات. صوت مذيعة تغنّي مع أغاني فيروز، مذيع آخر يعيد في كلّ صباح تأكيده على أنّ لبنان بلد الرسالات. عادة ما تأتي كلمة "رسالات" في الصبغة اللبنانية مرفقة بكلمات مثل: المحبة والإيمان والسلام. يقول هذا بينما تعلو أصوات أبواق السيارات وسيل الشتائم على الطرق بين المدارس والمؤسسات العامة. هناك تصطدم كلمة رسالات مع آلاف الشتائم الخارجة من أفواه سائقي الفانات وأصحاب سيارات الأجرة.
الحبّ أيضاً مستمر، وبكثرة على الإذاعات. عالم الحبّ يفتح للمذيعين عشرات الاتصالات. في إحدى صباحات لبنان الإذاعية مذيعة "متخصّصة" بحلّ مشاكل الحبّ قاطعت المتصلة بالقول: "يا مسطولة (غبية) ما فيكي تحبّي شخص متزوّج!". لم تلحظ المتصلة أنّها أهينت فتابعت سرد قصتها.
مذيع آخر من أصحاب موشّح "لبنان البلد الرسالة" استضاف طلاب إعلام ليعرف منهم ما هي "الرسالة " التي يحملونها عبر دراستهم الإعلام. للوهلة الأولى لكثرة "الرسايل" تشعر أنّك تعيش في صندوق بريد لا في وطن. على العموم لم تخيّب الحلقة أمل الواقعية اللبنانية. انتهى البرنامج بمعركة بين الطلاب حول موضوع سلاح حزب الله.
رياضياً يتلذّذ أحد المذيعين بفتح باب الاتصالات لترشيح الفائز بين فريقين في دوري الأبطال الأوروبي. تمرّ كلمات على مسمعك مثل "بدنا ندعوسهن" أو "ريال رح يكسّر عظام برشلونة" أو "الألمان العنصريين لن يكسبوا". كل العظام المتطايرة و"الدعوسة" و"فرز الشعوب" تبثّ صباحاً خلال رحلة الأطفال إلى مدراسهم.
يعيش اللبنانيون صباحاتهم الإذاعية من خلال أصوات "تنهيدات" المذيعات على إيقاعات الأغاني، أو تحت معارك السياسة والرياضة المتأجّجة، وطبعاً تحت رحمة الاختصاصيين العاطفيين المفترضين.
قد يكون عزاء المستمع أنّ الاذاعة، كما كلّ المجالات اللبنانية، ليست إلا مشهداً آخر من مشاهد الانهيار. وهذا أضعف الإيمان في تعميم البؤس كترضية نفسية.
اقرأ أيضاً: هوايات هؤلاء النجوم.. جاءت بهم إلى السينما